بحر سنابس في الأضحى: لا «دوخلات» في العيد توقف المهرجان لأسباب مالية فغاب طقس توارثه الأهالي منذ آلاف السنين
القطيف: ليلى العوامي
وحيداً، أمضى بحر سنابس يوم عيد الأضحى المبارك، سوى من بعض «المُدوخلين» الذين لم يتجاوز عددهم أصابع اليدين، ألقوا «دوخلاتهم»، رددوا «دوخلتي حجي بي»، ومضوا سريعاً.
لعل هذا البحر الواقع في نقطة هي الأقصى شرق محافظة القطيف، يتذكر أعياد أضحى مضت، حين كان شاطئه يغص بـ«المُدوخلين»؛ أطفال، نسوة، وبعض كبار سن، يحيوّن طقساً عمره آلاف السنين بحسب باحثين.
لكن بحر سنابس افتقد «المُدوخلين» منذ سنوات، لم يستقبل في أعياد السنوات الأربع الماضية الا قلة قليلة، أما هذا العام فلقد تقلص عددهم أكثر، تقول منى العلوي الواقع منزلها على بعد أمتار من البحر «لم أر سوى أقل من أصابع اليدين، رجل مع طفليه أوقفوا السيارة وترجلوا منها، ألقوا الدوخلات ورحلوا. وبعد دقائق حضرت سيدة مع ابنتها، وقامتا بما قام به السابقون».
تتحسر منى على سنوات مهرجان الدوخلة «حين كنت تلقي إبرة على الشاطئ فلن تسقط على الأرض، لأنها لن تجد لها مكانة في ظل الحشود التي ترتاد شاطئ سنابس، ليس في يوم العيد فقط، بل طوال أيام إقامته».
هل هي تداعيات جائحة كورونا؟ هل هي درجات الحرارة المرتفعة ونسب الرطوبة «الخانقة»؟ أم لغياب المهرجان منذ سنوات؟
لا تحدد العلوي إجابة حاسمة، تكتفي بالقول «ربما كل ذلك، ولكن لا أحد يأتي إلى هنا في العيد»، مضيفة «أشعر أن البحر يبكي، وكأن أمواجه تبحث عن المُدوخلين».
يختلف الباحثون والمهتمون حعلى أصل «الدوخلة» أو «الحيّة بيّة» (الحجي بيجي)، فهناك من يرجعها إلى عصور سحيقة جداً، ويربطوها بطقوس احتفالية في مواسم الحصاد، لكنها في العصور الأقرب صارت مرتبطة في الحج.
فحين كان الحُجاج يرحلون نحو مكة المكرمة، كان الأطفال (خصوصاً من سافر آباؤهم لأداء فريضة الحج) في بلدات محافظة القطيف، ودول الخليج العربي عموماً، يزرعون حبات الشعير في سفيفة من خوص محشوة بالسماد والطين «الدوخلة» أو «السعنة»، حتى تورق وتخضر، فإذا جاء يوم عرفة أو العيد اتجهوا بـ«دوخلاتهم» نحو البحر، وهم ينشدون الأهازيج، ليرموا «الدوخلات» في البحر إذا كانت البلدة محاذية له، وربما في إحدى عيون المياه، إذا كانت البلدة من البلدان البعيدة نسبياً عن البحر، على أمل عودة الحجاج سالمين.
تقول كلمات أهزوجة «الدوخلة»، والتي قد تختلف من منطقة إلى أخرى في بعض ألفاظها:
دوخلتي حجي بي..حجي بي..حجي بي
لامن يجي حبيبي..حبيبي..حبيبي
حبيبي راح مكه.. مكه.. مكه
مكه المعموره..معموره.. معموره
فيها السلاسل والذهب والنوره… والنوره… والنوره
حجيت بش ييمه.. ييمه.. ييمه
راويتش قبر محمد.. محمد.. محمد
صلوا عليه وآله وآله آله
يا ليتها لومية.. مزروعه في البستان
يقشرها عبد الله..وياكلها سلمان
سلمان يابو جوخة.. يا مراطن العجمان
طلو خواتي طلوا.. شوفوا البحر طميان
شوفوا شراع ابيي.. ابيض من القرطاس
شوفوا شراع العدو.. اسود من الطفو
عندي طوير احمر..واسكره بالسكر
سكر على سكر
وغضارتين صيني.. يارب تهديني
واحج بيت الله.. واقرا الفلافيني (الثلاثيني)
يا ميگعة المحلب..خليني بتدحلب
بدحلب الصواني
يا سلوگة العيد..العيد… العيد
ودي أبيي ابعيد..ابعيد..ابعيد
و حججيه وزورية و جيبيه بالسلامة
سلامة الغنامة الغنامة الغنامة
عام 2006، أطلقت لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية في سنابس «مهرجان الدوخلة»، ليحول فلكلور تراثي إلى فعاليات تستقطب عشرات الآلاف طوال أيام إقامته، التي تستمر 10 أيام، اعتباراً من يوم عرفة.
وتطلق اللجنة شعاراً وطابعاً عاماً يتغير كل سنة، وترعى المهرجان جهات حكومية، وتقوم أيضاً جهات أخرى، مؤسساتية وإعلامية، برعايته.
قدم مهرجان «الدوخلة» فعاليات متنوعة تطورات على مدار 11 عاماً، ليتوقف المهرجان، لأسباب عدة، أبرزها تراكم الديون على اللجنة المنظمة.
استقطب المهرجان أسماءً كبيرة، ليس على مستوى المنطقة الشرقية أو المملكة، بل من دول الخليج العربي أيضاً، مثل قاسم حداد (البحرين)، وسعد الفرج (الكويت) وأسماء فنية أخرى من البلدين، ومن المملكة: محمد جبر الحربي، فوزية أبو خالد، جاسم الصحيح، أحمد الملا، يوسف المحيميد، إسماعيل فهد إسماعيل ومبارك الخالدي.
ومن أبرز أركان المهرجان: بيت القرآن (معرض زيان)، القرية التراثية، معرض الأسر المنتجة، مسرحيات محلية وخليجية، معرض السلامة المنزلية، القهوة الشعبية، عروض متنوعة، مسابقات رياضية وثقافية، ألعاب ترفيهية، النحت على الرمال، بالإضافة إلى أركان مخصصة للمعارض الفنية المختلفة وأركان التسوق.