[5] بستان السيحة وسمر في الذاكرة

عدنان السيد محمد العوامي

 

 لم تكتمل فصول الحكاية

فأولا – أشار السيد علي – في غير موضع – بعبارة: (وغيرهم) إلى شخصيات ذات كبيرة مثقفة ذات صلة بالسمر لم نعرف من هم، سواءً في مذكرة الدعوة الخارجة من إمارة القطيف أو مَن حضر جلسة السمر تلك، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الرحمن الشيباني، الذي عرَّف بالوفد الزائر في دار الإمارة، وأشرف على ترتيب برنامح الحفل، فلم نعرف إلا أنه رئيس مكتب الأمير عبد المحسن بن جلوي، فمن هو محمد الشيباني:

الأمير عبدالمحسن بن جلوي

هو الشيخ محمد منا بن عبد الرحمن الشيباني الشنقيطي، ولد في مدينة شنقيط في منطقة أدوار في موريتانيا بغرب أفريقيا سنة 1338هـ، وقدِم المدينة المنورة مع والده، وتعلَّم في مدارسها، وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1357هـ. بعد حصوله على الشهادة التحق بمدرسة تحضير البِعثات بمكة المكرمة، ولكنه لم يستطع الاستمرار فيها بسبب ظروفه المادية. تنقَّل في الوظائف بين إدارة  البرق والبريد ووزارة المعارف ووزارة المالية حتى عين بوظيفة مراقب اللغة العربية بمدارس الظهران، التابعة لشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) عام 1368هـ، ثم عين رئيسًا لديوان أمير المنطقة الشرقية الأمير عبد المحسن بن عبد الله بن جلوي عام 1369هـ، ثم انتقل إلى المديرية العامة للإذاعة عام 1376هـ، فرئيسًا لجريدة أم القرى عام 1378هـ، ومستشارًا بوزارة الإعلام عام 1381هـ، فمستشارًا عامًّا بالوزارة نفسها عام 1383هـ، ثم وكيلا لتلك الوزارة سنة 1378هـ. أحيل على التقاعد بطلب منه سنة 1394هـ([1]). وافر الشكر والامتنان للصديق النبيل الأستذا محمد بن عبد الرزاق القشعمي لمبادرته بتزويدي بهذه المعلومات عن الشيخ الشيباني، فبغيرها لن تتوافر لي هذه الترجمة.

 

وثانيًا – ما زالنا مع الدكتورة بنت الشاطئ تروي لنا حكاية السيحة وسمرها وأحاديث سمَّارها، وليس من الأدب أن ننصرف عنها وهي في ذروة إعجابها واندهاشها من ذلك السمر البهيج؟ ولكن قبل أن ندعها تكمل سردها قصة ذلك السمر يحسن أن نستعيد الماضي حيًّ بصوت أحد المعجبين وهو يروي لنا الحكاية بكاملها من خلا هذا الرابط: 

للاستماع اضغط هنا

نتابع الحكاية:

 (على مثل هذا ونحوه كان يدور السمر، في أمسيَّتنا تلك ببستان الأخ الأستاذ السيد عبد الله إخوان في القطيف، والآن وقد رجعت إلى مصر، أرى حقًّا عليَّ أن أنقل إلى قومي بعض أصداء ذلك المجلس الأدبي ليعلموا أن على ساحل الخليج في أقصى الشرق من جزيرة العرب، علماء مجتهدين، وأدباء موهوبين، يتطلعون إلى مصر، ويهتفون باسمها، ويعتزون – كما قال الأخ السيد حسن بن علي أبو السعود – بما بيننا من روابط القربى واللغة والعقيدة، ويَكنُّون لأبناء الكنانة كل تقدير ومودَّة، ويرون في الثقافة المصرية المورد العذب النمير.

روابط عزيزة تجاهلنا نحن فلم نؤد ما لها علينا من حقٍّ، وتشبَّث بها إخواننا هناك، فما كادوا يروننا حتى هتف مضيفنا الكريم: (ليت هذه الزيارة التي طالما رنونا إليها، تكون فاتحة تعارف وهمزة وصل بيننا وبين مصر الشقيقة. وما أمسَّ حاجتنا إلى هذه الأخوَّة وذاك التعارف، حتى نصبح – نحن بني الضاد – كالبنيان الواحد يشدُّ بعضُه بعضًا، وكالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تألم له سائر الأعضاء.

وقال الأديب محمد سعيد الشيخ الخنيزي:

(إن بيننا وبين الصفوة الأمناء من أدباء مصر ومفكِّريها تيَّارًا مُتَّصلا في الفكر والروح، مهما تنأ بنا الديار، وتفصلنا بيداءُ وبحار.

إن القطيفَ ومصرَ شعبٌ واحدٌ

في المبدأ السامي وفي الأفكار

فمتى نرى هذي الصفوف توحَّدت

ترمي العدوَّ بمارج من نار؟

محمد سعيد الخنيزي

وقال الشاعر محمد سعيد الجشي:

هذي القطيف شيوخها وشبابها هبَّت تحييكم بكل لسان
فلتخبروا مصرَ العزيزةَ أننا إخوانُ في الأوطان والأديان
هذي ربوع العرب مهدٌ واحدٌ لا فرق بين بعيدها والداني
وشعوبها أممٌ موحَّدة الهوى في كل ما يرمي لرفع كيان

لبَّيْكم أيها الإخوان الكرام! هانذي أبلغ الرسالة، وأسجل أصداء ما سمعت منكم هناك، فهل ترى يبلغ صوتي مسمع الأدباء والدارسين من بني وطني؟!

وتحيَّة طيبة يحملها هذا الكتاب إليكم، وإلى أهل الجزيرة جميعًا([2]).

من بنت الشاطئ

هليو بوليس؛ مايو 1951

عائشة عبد الرحمن

بنت الشاطيء في أواخر حياتها

درة الحفل في أول ظهورها في الورق.

دُرَّة الحفل في ذلك السمر التاريخي، أو عصا موسى – والعبارة للسيد علي العوامي – هي قصيدة عبد الله الجشي بلا منازع، وهذه القصيدة أجرى عليها منشئُها عدة تغييرات وتبديلات، حتى طال بعض أبياتها الحذف والتغيير، فحتى العنوان لم يدعه الشاعر في حاله، بل أقلقه مرارًا، فبعد اختيار بعض أبياتها لمقرر الثانوية أعطيت العنوان: (هذي بلادي)، وعند نشرها – ضمن ديوانه الأول (الحبُّ للأرض والإنسان) ([3])، وكذلك (الأعمال الشعرية الكاملة)، إصدار اثنينيَّة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة بجدة ([4])، أُبدِل عنوانها إلى (بلاد ربيعة)، وأبدلت بعض مفرداتها، وحذَفت ديباجتها المشتملة على ثمانية أبيات رحَّب فيها الشاعر بالوفد المصري، وهذه الديباجة عنصرٌ مهم فنِّيًّا وتاريخيًّا، وحذْفُها أبعد القصيدة عن غايتها؛ ومناسبتها؛ وعند نشرها في مجلة الواحة ([5])  أعيدت ديباجتها، لكن بقي اختلاف بعض الألفاظ على ما هو عليه، وفي ظني أن من المناسب أن أثبت نصها كاملًا، كما نشر أوَّلَ مرَّة في صوت البحرين ([6]) ، والعنوان نفسه: (على شواطئ الخليج).

على شواطئ الخليج

بلدٌ عريقٌ في الحضارةِ نيِّرُ ورسالةٌ من عهدِ (خُوفو) تُؤثَر
وثقافة شهدت (أثينا) فجرها ومشت على أضوائها تتأثَّر
حفلت بها دنيا القديم ولم تزل آثارها، مثلَ الكواكب، تُزهر
فكأنَّ (مصرَ) على الزمان قلادةٌ من خير ما قد أبدعته عبقَر
آمنت بالمجد التليد ومثله مجدٌ طريفٌ في البلاد مُشَهَّر
صحفٌ منشَّرة تفيض معارفاً شتى، وفنَّا بالأوابد يزخَر
والخالدات معاهدًا ونواديًا هي للتقدم والسعادة عنصر
نهضت بها فتَياتُها وشبابها حتى تكاد بها السَّما تَتَسوَّر

 

* * *

يا قادةَ الجيل الجديد تحيَّةً أزكى من الزهْر الندِيِّ وأنضَر
ألقى الربيعُ على المباسمِ ظلَّها وافترَّ منها الأُرجُوانُ الأحمر
ولقد وقَفتُ مُرَحِّباً ومعرِّفاً بكمُ، ولست بما أعَرِّف أفخر
ولعلَّ في الأجفانِ دمعةَ آسفٍ أنِّي بمجْدِ الغابرين أفكِّر
هذي بلادي وهي ماضٍ عامرٌ مجداً، وآتٍ، بالمشيئةِ، أعمَر
ألقى عصاه على فسيح ضفافها($) وعلى الجزائر عالَمٌ متحضِّر
وأقام فيها نهضةً علميَّةً بالعلم تُسْنِدها العُقُولُ، وتَنصُر
وأذلَّت التيارَ تحت شراعها فلها عليه تحكُّمٌ، وتأمُّرُ
فترى السفائنَ بالتوابل والحُلى والعطر من بلد لآخر تمخر
شهدت مواني الهند خفْقَ قُلوعها فكأنَّها، فوق المياه، الأنسُرُ
وشواطئ اليونان لم يبرح بها من ذكريات سَفِينها ما يُسكِر([7])
ولها على وادي الفرات ودجلةٍ فضلُ المعلم، وهو فضلٌ يُشكر
وطوى الزمان سجلّها، وتعاقبت من بعدها أممٌ طوتها الأعصر

* * *

وأتت ربيعةُ، وهي غُرَّةُ يَعْرُبٍ وأذَبُّها، يومَ الكفاحِ، وأصبَر
وأعزُّها جاراً وأكثرُها حمىً إذ يُمْحِلُ البلد الخصيبُ، ويقفر
فرأت بها الوطنَ الخصيبةَ أرضُه للماءِ فيه تَدَفُّقٌ وتفجُّر
والنخل وارفة الظلال كأنها جيشٌ كثيف في الخليج معسكر
تُهدي لها الصحراءُ في السَّحَرِ الصَّبا فتمرُّ، كالحلُمِ اللذيذِ، وتخطُر
والبحر يُهديها اللآلئَ زينةً وتجارةً فيها الغِنى يتوفَّر
وكصفحةِ المرآة جوٌ مُشْرِقٌ وكلوحة الفنَّان رِيْفٌ مزهر
دنيا بها من كل فنٍ ساحرٍ ولكل ما تصبو النفوس مُصوِّر
ورأت بها لغة العروبة بيئةً شعريَّةً تُوحي، وجوًّا يَسحر
فإذا الضفاف نشائدٌ مسحورةٌ فكأنَّما، في كلِّ حلقٍ، مِزْهَر
الملهَمون، المبدعون تسابقوا فيها بمدرجة الخلود، وشمَّروا
شعراء (عبد القيس) تهزج بالهوى فيجيبها من بكر رهطٌ أشعر
فيها جنى (ابن العبد) حلو شبابه راح، وريحان، ووجه أقمر
وخيال (خولة) يستثير غرامَه فيظلُّ في أطلالها يَتَحسَّر
و(ابن المقرَّب) لم تزل آثارُهُ بالفخر والشكوى تضُجُّ، وتزأر
ولـ (جعفر الخطي) فنٌّ مُشرقٌ وروائعٌ غنَّى بهِنَّ السمَّر
هذي بلادي في قديم عهودها عِلمٌ، وفنٌ خالدٌ لا يدثر
واليومَ يَدفعها الطموحُ لنهضةٍ بمثيلها تسمُو الشعوب وتكبر
رُوحٌ، وإن هَرِمَ الزمانُ، فتيَّةٌ وطبيعةٌ بِكرٌ، وفِكرٌ نيِّرُ

* * *

                                                                     

([1])النهضة الأدبية في نجد، جمع وتريب حسن محمد محمود الشنقيطي، شركة مكتبة البابي الحلبي بمصر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1370هـ، 1952م، ورسالة فاكس من ولده الدكتور خصر إلى الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي بتاريخ 18 فبراير 2005م.

([2])أرض المعجزات، الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة جديدة منقحة، د. ت. أصداء من الجزيرة العربية، – من بعيد، ص: 139.

([3])مطابع الرجاء، الخبر، البعة الأولى، 1419، ص: 35 – 39.

([4])نشر عبد المقصود خوجة، الطبعة الأولى، 1428هـ 2007م، جـ1/436.

([5])العدد: 36، الربع الأول 2005م.

([6])بالعدد 11، ذي القعدة 1370هـ، ص: 11.

(1)لم يرد البيت في صوت البحرين، ولاأرض المعجزات، والإضافة من الواحة، وديوانه (الحب للأرض والإنسان)، وفيه : >النهرين< مكان >اليونان<.          

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×