المواد الأدبية يمكن أن تصبح سلعة لا تُسلّع الثقافة.. ولكن أعطها سلاحاً تدافع به عن نفسها

علي سباع

هذا ليس منزلاً من الطين والحجر البحري والتبن، هذا منزل حديث، هذا هو أوّل ما يجبُ أن يقال لكلّ من يحاول أن يتصدّر المشهد الأدبي.

وبما أنني طبيب بيطري، فإنني أرى بكل وضوح الفرق بين أن يكون مشروعك تربيةٌ ريفيةٌ لبعض من الحيوانات، وبين أن يكون مشروعك صناعة للحوم، لأننا سنعرف من نلوم في لحظة اللوم واليأس على الخسارة.

أتذكر أحداً من الكتّاب الجميلين الذين أحبهم، يقول بأن الثقافة لا يمكنها أن تكون سلعة، لا بأس لا تجعلها سلعة ولكن اعطها سلاحا تدافع به عن نفسها، وبالطبع لأني لا أرغب في الدخول بمصطلح “الثقافة” والاكتفاء بالجانب “الأدبي” منها فإنني أرى أنّ كل من هم مهتمون بهذا الجانب وصلوا إلى مرحلة اليأس بعد أن أعطوا كل جنودهم خشباً وعصياً ليحاربوا في زمن الإعلام المفتوح، إلا من ندر ونجا بعلاقاته العامة، وعادت الكتب والمؤلفات وأبطال الكتابةِ العصماء مجرّد أقلام تحاول النهوض وتسقط في مرتع التواصل الاجتماعي الذي قال عنه إيكو ما أستحي أن أقوله “الحياء من باب أني قد أكون مشاركاً في الجريمة”.

الشاعر والروائي والناقد، هم منتجون للمادة الخامِ فقط، هم لديهم سلعة. يا أحبة هذه الكتابات سلع، بذور مخلوقة من العدم، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تنمو إلا من خلال ضوءٍ وماءٍ وبيئةٍ مناسبة، أحياناً وللأسف يكون الموت، وفي أحيانٍ أخرى مسابقة خارجية كما حدث مع رواية الأديبة العمانية، أو فرصةً قفزت من تحت التراب وتحوّل النص لفلمٍ سينمائي.

في السابق، قبل عشر سنوات، اجتمع الأدباء تحت مظلة تُدعى الملتقى، والملتقيات، وكان هذا التجمع في اللاوعي يبحث عن هدفٍ تنظيميٍّ لهذه الفوضى، حاولتْ عشرات الملتقيات أن تسند هذا الجبل، واستطاعت بشكل ما، ولكن جميع الملتقيات ظلت أعمالاً تطوّعية تفتقد القدرة على تحويل العمل إلى مؤسسة قائمة بذاتها، كل ما فعلته الملتقيات هو عمليات تسويقية لأعضاء في دائرة كلّ منهم، وعلى هذا سيعترف كل ملتقى، (ونعرف دون الدخول في مناهج الإدارة) بأنه لا يوجد تسويق من غير إعلام، ونعلم جميعاً أن الإعلام والتسويق تخصصان لهما سنواتهما في الدراسة التي تتوازى مع دراسة الأدب أكاديمياً، وجميع الملتقيات والدوائر المعنية بالأدب ـ بلا استثناء ـ لم تكن تحتوي غير شعراء وربّما قرّاء هواة.

وأزيدكم، من باب الحديث عن التسويق، في معارض الكتاب، قد تشعر بالخوف من بعض الدور لأنك ستنظر في وجه البائع المتجهم، الذي سيرمي كتاباً أمامك ويقول: أنصحك بقراءة هذا، رغم أنّه لم يطبع الكتاب إلا بعد أن درس الكاتب وشهرته، وبحث في أعداد متابعيه في مواقع التواصل الاجتماعي، وانتهى باستلام مبلغ وقدره.

أخيراً، يجب أن أختتم ما أقول بحلول. الحلول أن ندخل ضمن التحوّل الوطني، أن نخرجَ من حكاية المزارع في الريف إلى بناءٍ مستديم، مؤسسة تحتوي على جميع العناصر التي تمكّنها من الانتصار في الحرب، كالتسويق والعلاقات العامة والإدارةِ وفي الأخير فهم عقلية المستهلك، كي تحتوي الصوت الأدبي وتقدمها كمنتج قابل للتحول، وكمثال تقديمها لبعض الشركات في الترويج لمنتجاتها بأغانٍ ذات قصائد أدبيةٍ جميلة وهذا ما شاهدناه حقاً على التلفاز. وأن يقدم بصورته البديعة في المسلسلات فقد أثبت نجاحه بالدراما السورية والمصرية وأحببنا الكثير منها، وآسف لمسلسلاتنا التي استهزأت دوما بشخصية المثقف والشاعر وتعاملت معه كشخصية مستفزة.

نحتاج إلى يدٍ تلتقط الجيّد بمسؤوليةٍ ووعي، يدٍ تأخذ بالشعر إلى الأغنية الشعبية، والرواية للفلم السينمائي، والناقد لتحريرِ الأخطاء، يدٍ تمسك يد المنتجِ وتوصله للمستهلكِ.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×