المادح يردّ على مطوّلة الصحيح بمطولة مماثلة: شطْرٌ هي الأحساء
علي المادح
منذ التقى بالبرِّ ذاكَ الريفُ
ما مرَّ من تلكَ الديارِ خريفُ
مذْ كانتِ الكثبانُ تحلمُ أنها
تغفو ونخلٌ حولها وكهوفُ
قد شاهدتكِ من البعيد جنائنٌ
ومرابعٌ ومصائفٌ وقطوف
فأتت كما الملهوف دون رمالها
وغدتْ على حرم النخيلِ تطوفُ
مدَّت لكِ الحراسُ صوتَ هضابها
وتهاتفتْ بين الحقولِ ضيوفُ
وانصبَّ ريقُ الماءِ عبر جداولٍ
وامتدَْ من جسدِ النخيلِ رغيفُ
فتآلفت تلكَ العناصر رونقاً
وتمازج الإبداع والتأليفُ
لا يعرفُ التاريخُ أين تورقتْ
منكِ الغصونُ وظلكِ الموروفُ
لا غرو لو أني احتسيتكِ خمرةً
ما الشعر إلا للقلوب نزيفُ
يتقاطرُ الإنسانُ منكِ حكايةً
بيتُ الجدوعِ من الغرامِ منيفُ
ومقلبُ الأبصارِ حين جنونهِ
لابُدَّ أنْ يحدو به التصريفُ
من عهد كنعانَ انبثقتِ أرومةَ
الإبداعِ فانصاعت إليكِ حروفُ
هل طائرُ الفينيق يدري عشُّه
ما بعثرتهُ من السنين ألوفُ
عاشتْ عماليقُ الكناية كلما
تتداخل الأوصافُ والموصوفُ
منذ استفاقَ الحرفُ من مكنونهِ
والمدهَشون بجانبيكِ وقوفُ
لو أنّ (إسطربون) عاد بكرّةٍ
أخرى لما قد زادكِ التعريفُ
بل كنتِ دهشتهُ التي بوميضها
حزتِ السباقَ فما إليك وصيفُ
يا أيها (الهجَري) في إتمارهِ
ماذا عساني للجمال أضيف
إلا إذا غامرتُ دونَ تأسفٍ
ولربما رام الجنون حصيفُ
يا صانع المعنى كثوبِ عروسةٍ
هو طبعكَ المكشوفُ والمعروفُ
أنت الصحِيْحُ الفيلسوفُ بلاغةً
عبقًا، وإن المبدعينَ صنوفُ
هل كان يقصدكَ الخليلُ فأنتَ في
الأدبِ الطويلُ وكالبسيط رهيفُ
وكأنما الأهزاجُ فيكَ تعنترَتْ
ألَقاً إلى أهل الغرام خفيفُ
وبك امرؤ القيس انثنى عن ثأره
فاليوم شعرٌ والغداةُ سيوفُ
ما نحن إلا كالنخيل فصائلٌ
والفجرُ للشَّفق الجميلِ رديفُ
قلبي كتالةِ نخلةٍ خَطّيةٍ
جسدي من التيهِ العظيمِ نحيفُ
أشتاق من هَجَرٍ سواترَ (قارةٍ)
أخلو وقلبٌ عاشقٌ وعطوفُ
من عمقِ فجرِ الجفر أرسم واحةً
غنَّاء فيها للطموحِ سقوفُ
أجد العيون إذا أتيتكِ طالباً
أو سائحاً والطرفُ منكِ شريفُ
تتهاففُ الأرواحُ مثلَ نسيمها
إن ارتواء المنعَشين هفوفُ
يا آية النخلِ التي من خصبها
في طينها لا ينبتُ (الطرفوف)
الله فيكِ مدى الدهور موحدٌ
ما انتابكِ التزوير والتصحيف
وكذلك الآياتُ تنتجُ بعضها
ولسحرها لا يفلح التحريفُ
آنست منكِ الحس ملء مشاعري
لهوى الصحيح يخونني التسويفُ
إني وعشتاروتُ جئت وزارةٌ
وتشمُ طيب الأولين أنوفُ
بيدي مَحَشٌّ ما استقام لراحةٍ
إلاَّ وأيقضَ حسه التعليفُ
في كلِّ شبرٍ قد تقاطرَ طيبنا
سيان أقدامَ لنا وكفوفُ
والأم تحمل للأمانِ بصدرها
نهدين كم يوشي بذاكَ نصيفُ
شطرٌ هي الأحساء في إعجازها
وبقاء إغراء الوجودِ قطيفُُ
اقرأ أيضاً