قبل ضريبة الـ 15%.. ودّع المال “الغازي”.. وفكّر في “الصلب”

علي الشيخ احمد

بعد أيام قليلة؛ يحلّ شهر يوليو، ومعه يبدأ تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي سوف ترتفع من 5% إلى 15%. وقبل أسابيع تمّ إلغاء بدل غلاء المعيشة. وهو ما يعني أن شؤوننا المالية سوف تتأثر بشدة، وتكون في حاجة ماسّة وعاجلة إلى إعادة نظر في إدارة الموارد والمصروفات والادّخار.

مُتغيّرات كبيرة سوف تدخل اقتصاد حياتنا مباشرة. وليس أمامنا إلا التحلّي بالاستجابة السليمة إذا أردنا أن نخفف من تأثير هذه المتغيرات. الاستجابة تبدأ منّا وفينا، ومن “مفهومنا” الأساسي عن “المال” وسلوكياتنا الشرائية.

أول المفاهيم أهمية؛ هو ما يخصّ المال. فالأموال التي في أيدينا وفي حساباتنا المصرفية؛ إنما هي “مادة” يُمكن أن تكون “صلبة”، ويمكن أن تكون “سائلة”، ويمكن أن تكون “غازية”. تماماً مثلما تعلمنا في بدايات دراستنا.

لسنا هنا في معرض تشبيه خفيف ظل، بل مقارنة دقيقة بين “الفلوس” وحالاتها الثلاث. ولكلّ حالة خاصّية.

ولكنّ دعونا ننتبه إلى شيء ربما اعتدناه.. فنحن حين نسأل عن حالة أحد المادية؛ فإننا ـ في الحقيقة ـ نسأل عن حالة أمواله التي إما أن تكون صلبة أو سائلة أو غازية.

فما هو الفرق بين هذه الحالات الثلاث للمال..؟

وكيف يمكن ان يخدمنا هذا الفهم في التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار والتكيف معها..؟

لعلنا نستعير مجازيا مفهوم التبخر من عالم الطبيعة لنعرَف به التغير السلبي الذي يطرأ على حالة المال عندما يفقد جزءاً من قيمته الشرائية. فالمال الذي يكون في حالة صلبة هو المال الذي يكون في حالة أصل ثابت الذي يعرف عند البعض بأنه “كل مال يدرُّ مالاً. وأمثلته كثيرة، مثل العقار أو الأسهم أو السندات.

 وهنا يكون معدل التبخر في المال الصلب صفراً، أو بالسالب. إذ إن الأصول في العادة إما ان تحتفظ بقيمتها الأصلية أو تزيد مع مرور الزمن. وهي قد تخلق دخلاً مالياً ثابتاً لصاحبها.

أما الحالة الثانية للمال فهي الحالة السائلة، وتعريفها أن يكون المال على شكل نقود (كاش). في هذه الحالة يكون معدل التبخر (التضخم) فيه بطيئاً ولكنه مستمر.

وأغلب الناس لا يشعرون بذلك فيحتفظون بالمال على شكل سائل من خلال ادخاراتهم المتراكمة من رواتبهم الشهرية. وفي العادة يكون متوسط تبخر المال السائل مستمراً بحيث لا يتبقى منه الا 50% خلال ثماني سنوات من الاحتفاظ به.

فلو كان لديك الآن 100 الف ريال (كاش) فإنها ستصبح بعد 8 سنوات ذات قدرة شرائية تساوي 50 ألف ريال فقط. ولذلك تقدم البنوك خدمة حفظ المال (الكاش) مجاناً للناس، لأنها تجيد عملية تدوير المال بين حالتيه الصلبة والسائلة فتخلق فرقاً تستفيد منه هي.

أما الحالة الثالثة للمال فهي الحالة الغازية، وهي أسوأ حالة من حالات المال، ليس بسبب عدم قدرتها على الاحتفاظ بقيمة المال الأصلية فقط، وانما بسبب ضياع أغلب قيمة المال بعد فترة وجيزة من الزمن. وتحصل هذه الحالة عندما يتم تحويل المال من صورته السائلة (الكاش) الى المشتريات التي تفقد قيمتها سريعاً. مثل شراء الطعام الترفيهي أو الملابس الخاصة بالمناسبات النفسية أو الإكسسوار او صرعات الموضة.

وغني عن القول إن المال السائل هو الوسيط في عمليات التجارة (البيع والشراء) والتداول بين الناس أفراداً أو شركات أو دولاً. وهو أيضا يتوسط بين الحالتين الصلبة (الأصول) و الغازية (المشتريات المستهلكة).

وهنا يوجد فرق جوهري بين سلوك الأشخاص الذين يفكرون بعقلية المستثمر المستعد لتقلبات الاقتصاد وبين الأشخاص الذي يفكرون بعقلية المستهلك الذي يتفاجأ بارتفاع الأسعار بلا حول له ولا قوة.

هؤلاء المستثمرون يصبحون أثرياء مع مرور الزمن، وهؤلاء المستهلكون لا ينفكون يصارعون الفقر والحاجة للأخرين دائماً.

والفرق بسيط بين سلوك هؤلاء وسلوك هؤلاء. المستثمرون يتخلصون من (الكاش) بذكاء فيحتفظون منه بالكمية التي تسير أعمالهم الضرورية فقط. فيقومون بتحويل مدخراتهم الى أصول دائماً. وهم جيدون في ذلك فقد يشترون عقاراً أو ذهبا أو أسهماً. وقد يقومون بذلك بشكل فردي او جماعي. إذ إن الهدف واحد، هو الاحتفاظ بقيمة المال أو تنميته.

وهنا من الضروري الانتباه الى أن أهم خطوة في عملية تحويل الكاش إلى أصل هي اختيار سعر الشراء العادل. وهذا يقتضى استمرار البحث عن الفرص و معرفة كيف نقيم السلع المختلفة.

وأما من يفكرون بعقلية المستهلك فهؤلاء يهربون من الأصول خوفاً من خطرها المتوهم، فيحتفظون بالمال في حالته السائلة طلباً للأمان والراحة النفسية. فيعرّضون أموالهم إما للتضخم الذي يقضم منها جزءاً جزءاً، أو يعرضونها للاستهلاك، وذلك عندما يقومون بتحويل الأموال السائلة الى حالة غازية عبر استهلاكها بالمشتريات التي يكون محركها دافعاً نفسياً او اجتماعياً سلبياً وليس كحاجة فعلية عائلية أو شخصية.

فمالهم إما في حالة تبخر بطيء دائم، أو في حالة تلاشٍ سريع بالاستهلاك غير الضروري.

‫2 تعليقات

  1. الفكرة جميلة وتم عرضها بطريقة مرتبة وواضحة.

    وفي رأيي حتى الحالة الصلبة للاموال (الاصول) ممكن ان تتأثر بالاوضاع وتنزل قيمة الاصول نزولاً شديداً، كما حدث لاسعار العقارات في بداية التسعينات -فترة تحرير الكويت.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×