الملا محمد المسيري.. بدأ متدرباً بـ 30 ريالاً.. ومارس”الحملدارية” 37 سنة تاروت شيعته اليوم عن 84 عاماً
القطيف: صُبرة، ليلى العوامي
أفاقت محافظة القطيف، اليوم، على نبأ صادم حمل اسم الملا محمد المسيري الذي انتقل إلى رحمة الله، عن 84 عاماً. ولم يكد يُنهي الناس نهارهم؛ حتى وُوري الملا المسيري الثرى، في مقبرة جزيرة تاروت، حيث مسقط رأسه.
من المكابدين
سيرة الملاّ المسيري نموذج لجيل من خطباء القطيف الكلاسيكيين الذين عايشوا مكابدات الحياة، وواجهوا صعوباتها. وُلد في كنف والده الملا علي بن مكي المسيري، في تارت سنة 1357.
وبدأ بتعلم القرآن الكريم هو وأخوه “حسن” عند الحاج محمود آل درويش، ثم انتقل إلى الملا عبدالكريم الطويل، وبعد تعلم القرآن الكريم أخذ بتعلم الكتابة عند والده، ويُعدّ الملا المسيري الشيخ علي آل عبدالخالق أستاذا ومربياً له فقد استفاد كثيراً من مجالسته، حيث كان يجالسه ويقرأ له في كتبه.
في حياته؛ مارس مهنة “الحملدارية”، وسافر بالحجاج إلى بيت الله الحرام، مدة 37 سنة، كان آخرها سنة 1416هـ.
والده
مارس والده الخطابة فترة من الزمن، لكن هجرها بعد معاناة في صوته، واقتصر نشاطه على قراءة في “المنتخب” و “التصديقة” ونحوها، وامتهن تعليم الأطفال في “الكتـّاب”، ثم فتح له محلاً للبيع والشراء.
ولأنه كان يحسن الكتابة في زمن قلّ من يكتب فيه، فقد مارس الكتابة لمن يحتاجها من “النواخذية” وغيرهم.
كما أنه كان يكتب الشعر، وشعره محفوظ ومكتوب عند ولده.
تعليمه
سافر إلى النجف الأشرف على عادة الخطباء في ذلك الوقت، حيث يتوجهون بعد شهر صفر ويعودون قبل شهر رمضان.
ودرس “قطر الندى” وشيئاً من “الألفية” على يد الشيخ حسين آل عمران، ودرس “المختصر النافع” عند شيخ عراقي اسمه (الشيخ جعفر).
خطابته
بدأ تعليمه الخطابة كان على يد والده، الذي كلّفه وهو في بدايات تعلم الكتابة بحفظ كتاب “شجرة طوبى” كاملاً عن ظهر قلب، فكان معيناً له في القراءة، خصوصا مع قلة الكتب وندرة الدواوين في ذلك الزمن، ثم حصل على بعض الكتب من هنا وهناك، وكما يقول “ولما أعطانا الشيخ حسين القديحي كتابه “رياض المدح والرثاء” أغنانا عن غيره”.
كان عمره في بداية قراءته 15 سنة تقريباً، قرأ شهر محرم الحرام أول سنة هو وأخوه الحاج حسن، مقدّمين للملا سلمان العقيلي، في مجلسين في “الخارجية” وكانت أجرتهما 30 ريال، وبعدها بسنة قرأ مقدماً للملا عبدالمحسن آل نصر بسيهات، وفي السنة الثالثة قرأ مع الملا عبدالله الحجاج، وفي السنة الرابعة قدّم للملا خليل أبو زيد.
وفي السنة الخامسة اتفق معه الحاج عبدالعلي آل شلي على القراءة عنده مجلسين صبحاً وليلاً، وبالنسبة للأجرة قال له أجرتك تحددها أختي، فاذهب واتفق معها، فذهب لها وقالت له إننا لا نحدد أجرة للخطيب, وإنما لدينا هذا الصندوق تتجمع فيه الأموال، ونفتحه بعد الأيام العشرة الأولى من محرم، وما فيه فهو لك، فقال لها “أقبل بالقراءة ولو لم يكن في الصندوق شيئ، ويوم الحادي عشر فتحوا الصندوق فوجدوا فيها 350 ريالاً”.
ثم قرأ عند الحاج علي صالح العقيلي مجلسين في “الخارجية”، ثم قرأ عند الحاج مكي الخباز ثلاثة مجالس في سنابس.
وهكذا اكسب “الصنعة” واستقل بها وعُرف في محافظة القطيف والأحساء خطيباً ذا صوتٍ شجيّ وحديث ممتع ومؤثر.
————
تنويه:
حرّرت سيرة الملا المسيري نقلاً عن كتاب “على أعتاب الحسين” للؤي سنبل. وكذلك نقلاً عن تسجيل فيديو منشور في يوتيوب شارك حسين البحراني في إعداده. أما مصدر الصور فهو علي المسيري.
————
خطيب من الرعيل الأول
حسين التاروتي
في فاصلة زمنية طارئة، تمكن فيه فيروس كورونا من حرماننا الحضور عند المنبر الحسيني وحرمنا من مصافحة خطبائنا الأجلاء وتقبيل هاماتهم النيرة وأفقدنا أسماعنا آهات وبكاء المفجوعين بمصائب أهل البيت عليهم السلام.
اليوم، ودعنا خطيب من الرعيل الأول حظيَ بشرف خدمة المنبر الحسيني لعقود طويلة في القطيف والأحساء، ولم يقعده المرض إطلاقاً، بل كان لديه من العزم ـ والإرادة ـ على مواصلة ممارسة الخطابة الحسينية حتى بلوغه مشارف العقد التاسع من عمره الشريف.
تشرفت بمعرفتك عن قربٍ في السنين الأخيرة، وتشرفت بخدمتك في ضيافتنا عند المولى شمس الشموس وأنيس النفوس حيث كنت روحاً شبابية تنثر عبق سمو أخلاقك ومرحك و ترسم الضحكة و الابتسامة في قلوب الأحبة من حولك.
أتذكر حرصك على جعل وقتك كله للحسين عليه السلام، تقرأ قصيدة و تروي حدثاً و كرامة وتقدم رأياً و تستحضر عطاءات زملائك الخطباء مُوثِقاً للمجالس الحسينية في البلاد.
لم تصعب عليك التقنية الحديثة، فطوعتها بين يديك لتنقش “بأناملك التسعينية” على شاشتها عشقك للعترة الطاهرة سيرة و تاريخاً و كرامة و شعراً و نثراً.. ندباً وسروراً تفرح لفرحهم و تحزن لحزنهم.
كنت من القلائل! حملت روح الشباب من سني شبابك حتى كهولتك، فرحلت تاركاً منبراً أهداك خلوداً كنت تنشده!
جيل العصر الحديث، يتحدثون عن استراتيجيات النجاح و الفلاح في الحياة.. وأنت طبقتها و نفذتها، فارساً لكلمة المنبر الحسيني، فكانت هي الذخيرة و الزاد الحقيقي حملته معك لآخرتك التي لا نهاية لها.
رحمك الله و تغمدك بواسع رحمته و حشره مع ساداتك الأطهار عليهم السلام في جنات الخلد.
35 سنة من ليالي السبت
منصور الجشي
في ليالي السبت حين يجتمع في البيت مجموعة من الفضلاء من أهل العلم الذين نستفيد من محضرهم في تذاكر المسائل العلمية التي قاربت على الخمس والثلاثين عاما لم تتوقف حتى في الأسفار.
كانت ليلة السبت هي مورد اجتماعنا وتذاكرنا.
وفي السنوات الأخيرة كان للعلامة الشيخ عبد الله الدرويش الدور الرائد في استقطاب الخطيب الكبير الملا محمد المسيري إلى منزلنا لإحياء مجلس الحسين، عليه السلام، بذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام ليذكي جمرة الأسى والحزن مما كان مورد احتفاء الفضلاء به، وربما تكون تلك الليلة التي يحضرها مخصصة له مع طيب حديثه وإخباره عن الماضين الذين عاصرهم من المراجع والفقهاء وعلماء البلد الذين كانوا يكنون له المحبة والاحترام وخصوصا علاقته الكبرى مع العلمين الكبيرين الشيخ فرج العمران والشيخ علي بن يحي رحمهما الله.
كما كان يذكر العلاقات مع كبار علماء الأحساء القدامى كالشيخ عبد الوهاب الغريري والشيخ أحمد الطويل، ومن كان مورد اهتمامهم به والعناية له والوقوف لجانبه حتى في أحلك الظروف، فكان الخطيب البارع في عصره في ربوع الأحساء مقابل خطباء بارعين يشار إليهم بالبنان من آل الشخص الكرام، كالسيد عبدالله والسيد محمد حسن فيكاد لا يخلو مجلس في الأحساء من حضوره وخصوصا في اليوم السابع من المحرم وهو يثير العجاج لمصيبة أبي الفضل العباس.
واليوم رحل هذا الخطيب البارع الذي يؤنسك بحديثه ومجالسته وحفظه لأبيات الشعر وخطب نهج البلاغة وقصص الماضين وتواريخهم والسيرة لآل محمد صلى الله عليهم أجمعين، ليبعث الأسى والحزن على قلوب ذويه ومحبيه صب الله على قبره شآبيب الرحمة والرضوان.
إلى جوار الملا خليل أبو زيد، رحمهما الله
رحم الله الراحلين الذين رسموا خلودهم ونقشوا بأناملهم الطاهرة طريقهم نحوعوالم المجد إلحقيقي وليس المزيف وحشرهم مع ساداتهم الطاهرين