ويا خِير
زكي علي الصالح
من بين كل الأصوات والمقالات المعترضة أو المدافعة أو الشارحة لما حصل حول تثبيت هلال عيد الفطر لهذا العام 1441هـ لم أجد أبلغ من الصوت الذي أطلقه ذاك المواطن القطيفي وتداولته وسائل التواصل الاجتماعي محتجاً على الإرباك الذي جعله يفطر بينما كان عليه أن يكون من ضمن الصائمين، صارخاً ” ويا خِير ” ولا عجب، فقد قيل أبلغ الأقوال ما وافق منها مقتضى الحال.
مشكلة القطيف مع تثبيت عيد الفطر ليست بالجديدة بل هي قديمة وتعود لعقود من الزمن، في تلك الأيام كان المجتمع القطيفي منقسماً إلى جماعتين تقريباً؛ جماعة الشيخ فلان وجماعة الشيخ فلتان، وحين يحدث الاختلاف في تحديد العيد بين الجماعتين، كنا ندفع نحن الصغار ضريبته، حيث نرجع من بيوت بعض أقرباءنا محبطين لأننا ذهبنا نعايدهم في الوقت الذي ليس لديهم عيد.
كبرنا وكبر المجتمع والجماعتان صارتا جماعات وخطوطا وتيارات، وصار الوضع معقداً أكثر من ذي قبل، على صعيدي الشخصي لا أرى بأساً إذا تعددت أيام العيد، فأنا متسامح منذ زمن مع فكرة الاختلاف في تحديد يوم عيد الفطر ومتعايش مع وضع التعدد في أيامه، وذلك لتعدد المباني الفقهية للمراجع المتبَعين من قبل أفراد أسرتي الخاصة.
المفارقة الطريفة في هذا العيد؛ وجدت نفسي مضطراً لشرح وتوضيح اختلاف مباني الفقهاء لبعض الأصدقاء من شركاء الوطن؛ الذين اتصلوا مستفسرين بعدما وصلت لهم الأصوات الصادرة من البيت القطيفي محتجة ومنفعلة لما حصل، ولا غرابة فنحن في عصر تكنولوجيا المعلومات والتواصل الاجتماعي.
أنا هنا لست في مقام وضع اللوم على أحد فيما حصل، لا على المشايخ المتصدين للهلال، ولا الجهات الإعلامية التي يلقي عليها البعض المسؤولية في الإرباك الحاصل، ولا على الناس الذين قيل إنهم قصّروا في فهم المباني الفقهية لمراجعهم، فالوضع لا يحتمل أن يأتي أحد ليصب الزيت على النار أو يزيد في الطنبور نغمة.
وبأي حال من الأحوال لن يكون هذا العام هو آخر اختلاف فيه، وبالتالي علينا أن نتصالح مع هذه الحقيقة الراهنة وأن نتعايش معها، ونعذر بعضنا بعضا، ولا نفسد مناسبة العيد في الخلافات التي لا طائل منها وتضعف لحمتنا المجتمعية.
ما هو المهم فعله حقاً؛ الاستفادة من تجربة هذا العيد واستخلاص العبر منها، وعدم النوم عليها لنفيق في عيد الفطر القادم على مشكلة أخرى وأزمة جديدة.
هناك حقيقتان أبرزتهما هذه الأزمة الاجتماعية، وعلينا البناء عليهما عند كل مقاربة تستهدف معالجة مخرجاتها مستقبلاً:
الأولى: طالما أن المباني الفقهية لمراجعنا الكرام مختلفة فمن الطبيعي أن يحدث اختلاف في تثبيت هلال العيد، وأن حدوث ارتباك وسوء فهم عند شريحة من الناس هو أمر وارد ومتوقع.
الثانية: أن توحيد مصدر المعلومة في مثل هذه المناسبة مهم جداً لتجنب حدوث الإرباكات والتشتتات التي يمكن أن تحصل نتيجة تضارب المعلومات وتناقضها، وذلك لن يتأتى إلا بانضواء جميع المتصدين للهلال ضمن إطار مؤسسي واحد؛ حرصاً على المشهدية الجامعة لأطراف المجتمع والتي هي هدف كل مخلص من أبناء هذا البلد.
وغاية ما نرجوه ونتمناه من الجميع من مشايخ وخطباء وإعلاميين وكتّاب ومثقفين أن يصيخوا السمع للصرخة التي رفعها ذلك الإنسان القطيفي المتململ من الوضع المتشرذم، وهو صوت أظنه يمثل شريحة اجتماعية واسعة، تحسن الظن في نخبها، وتتمنى منهم التعاضد والتعاون فيما يجمع كلمة المجتمع، وأن يعملوا كلٌّ بحسب دوره وصفته وموقعه على تحصين المجتمع من الوقوع في مثل هذا المأزق أو غيره مستقبلاً.
وفي الختام كلمة أوجهها لبعض الإخوة الذين في كل مناسبة يطرحون ذات التساؤلات والتشكيكات عن دور المراجع الكرام وأهميتهم للفرد والمجتمع، وتحميلهم مسؤولية أزماته، وأنا وإن كنت مع حقهم وحريتهم في إبداء الرأي، وأن لا مقدس من الأشخاص سوى الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام، إلا إنني أتمنى أن يعوا حقيقة واحدة ؛ مراجعنا الأعلام هم حماة المذهب وذراه وأن بقاءه مرهون ببقائهم.
وعليه، فإن أي دعوة تصب في إضعاف موقعيتهم في المجتمع هي كمن يعمل أصحابها على الحفر في أساسات المبنى، فإن لم ينتهوا سقط الكيان على رؤوس من فيه، لهؤلاء والذين لا أشكك في وطنيتهم ولا أزايد على محبتهم وغيرتهم على المجتمع والمذهب لا أجد مندوحة للتعبير عن تبرمي وضجري إزاء دعواتهم المتكررة من رفع الصوت عالياً صارخاً وعلى طريقة صاحبنا ” ويا خِير “.
يقول الكاتب (مراجعنا الأعلام هم حماة المذهب وذراه وأن بقاءه مرهون ببقائهم) ، ويقول (أي دعوة تصب في إضعاف موقيعتهم في المجتمع هي كم يعمل على الحفر في أساسات المبنى) ، ويقول محذرا (أن لم ينتهوا سقط الكيان على رؤوس من فيه) هذا الكلام الموجه إلى (هؤلاء والذين لا يشكك في وطنيتهم ولا أزيد على محبتهم وغيرتهم على المجتمع والمذهب) الذي ختم خطابه بقوله (لا أجد مندوحة للتعبير عن تبرمي وضجري إزاء دعواتهم المتكررة من رفع الصوت عالياً وصارخاً) …
لا أعلم إذا تسمح لي صحيفة صبرة المؤقرة بالتعليق دون ذكر أسمي الصريح ، والذي (وبكل شجاعة) أقول (خوفا) من ما سأناله من (ترهيب وتنكيل) ممنهج أسس له منذ 40 عاما حالما ننقد أطروحات مثل ما جاء بها الكاتب ، أن الحالة النقدية وهي لسان الأجيال الجديدة وأنا منهم والتي (زهقت) من جعلها كالقطيع وأتباع سمعا وطاعة و (أن لم ينتهوا) كما يطلب منا الكاتب الذي حور موضوع (نريد عيدا واحدا مع أهلنا) إلى توعيد وتحذير …
حيث (وكما هو الكاتب) لا أجد مندوحة للتعبير عن تبرمي وضجري أيضا إزاء دعواتهم المتكررة في مجتمعنا ، من زرع الوهم وخلق الفزاعة وحالة الخوف بين الجمهور في أن أحكام الفقه الديني لأهل البيت عليهم السلام (الفقه الجعفري) ، يتطلب حماية وإن بقاءه مرهون ببقاء علماء الدين (المراجع) ، وعليه لكل ذي لب وعقل هل المراجع الكرام مخلدون أو رأيهم الفقهي (إتفاقا أو إختلافا) سببا في بقاء فقه اهل البيت او فناءه؟ هل فقه أهل البيت عليهم السلام محكوم ببشر وواهن لهذه الدرجة ؟
الا اذا كان الكاتب لا يعني الأحكام الفقهية بالدرجة الأولى وانما تماسك المذهب (بصورته الغير تعبدية) وأفراده بمختلف مشاربهم وجنسياتهم مرتبط بهيكلية عمودية على شكل مبنى يكون قاعدتها مراجع الدين وهو يخشى بزوالها بتعبيره بسقوط الكيان على رؤوس الجميع …. هذه تسمى الكنهوتية الإسلامية والتي عبر عنها إصطلاحا بجعل رجل الدين لديه سلطة فوق سلطة الكل ، ويستطيع الكاتب والقارىء أن يقرأ عنها بإستفاضة للتنوير.
أن وصف الكاتب بأن دون وجود موقعية خاصة للمراجع أو رجال الدين عامة في المجتمع سوف ينهار مجتمعنا ويقع فوق رؤوسنا هو وصفا خاطئا لا يوجد فقط سوى لمن زرع الخوف والوهم والترهيب في نفسهم وعقله، بأن حياته مرهونة في مجتمعه وأخرته بإتباعه (الأعمى) دون حتى أدنى نقاش لسؤال عن إن كان الغد هو عيدا وإلا وقع بالمحضور ، وهنا أتسائل هل يرغب الكاتب جعل الناس (أمعة تابعين بسمع وطاعة لذات ملكية دينية) محذرا (إزاء دعواتهم المتكررة من رفع الصوت عالياً صارخاً) ؟ولذلك نقول للكاتب الذي (لا يشكك في وطنيتنا) من جانب ومن الجانب الأخر (لا يزايد على محبتنا وغيرتنا على مجتمعنا ومذهبنا) بأننا نرفض زرع الوهم والخوف وحالة الترهيب بمثل هذه الإطروحات المعززة لحالة التملك لحياة الناس وقرارهم بجعل موضعية خاطئة لرجال الدين أي كان مستواهم الفقهي والعلمي ، فدورهم لا يتعدى حدود الإرشاد الديني على فقه أهل البيت عليهم السلام وعند سؤال السائل فقط ، مرة أخرى كم أتمنى أن أكتب المقالة بأسمي الصريح ، ولكن أخشى ما يخشاه كل من يكتب في هذا الشأن و أيضا ” ويا خير ” ….