حين فشل المتنبي.. ونجح كافور تأمّلات في نمط الشخصية
علي الشيخ أحمد
للناس أنماط شخصية متنوعة ومتعددة وهي مصنفة في علم النفس ويعرف ذلك المختصون.
ونحن غير المتخصصين؛ نصنف الناس أيضا، لكن من خلال الوظائف التي يبرعون فيها تارة، او من خلال أبرز ملامح شخصيتهم تارة أخرى، فنقول هذا شاعر و ذاك تاجر، وهذا كريم و وذاك عصبي ..الخ.
وفي الحياة الواقعية تتفاعل هذه الأنماط بطرق مختلفة و متنوعة. وفي الغالب تتبع هذه التفاعلات مسارات محددة يعرفها من يتقن قراءة الشخصيات ومحركات دوافعها الأساسية. فمثلاً حين يلتقي فنان وتاجر في سياق صفقة تجارية؛ فإن التفاعل بينهما يسير بطريق معينة تختلف عما لو كانا يتشاركان زمالة في شركة او وظيفة.
التاجر الماهر يدرك بخبرته العملية وفطنته الفطرية كيف يقود هذا التفاعل لينتهي إلى صفقة مربحة مالياً. ولكن الفنان يسعى إلى أن تكون الصفحة مريحةً نفسياً له.
ولنا ان نقيس ذلك على بقية الأصناف في بقية السياقات المختلفة، حينما تتفاعل في لقاء او اجتماع. ولعل من المفيد الإشارة الى أن سياق اللقاء يلعب دوراً في تحديد طبيعة التفاعل بين الطرفين.
ولو أردنا أن نفهم طبيعة التفاعل الذي حصل تاريخياً بين المتنبي و كافور الاخشيدي؛ فإن علينا مبدئيا معرفة خصائص الشاعر الفنان الطموح وخصائص السياسي الحاكم الداهية.. كافور. ثمة نقاط قوة لدى كل منهما و نقاط حاجة.
أكثر نقاط الجمال عند المتنبي هو وجود “الأنا المتعالية” وهي أساس فنه وشعره وإبداعه.
وهي ـ في الوقت نفسه ـ أكبر نقطة ضعف مكشوفة عند السياسي الداهية كافور الاخشيدي الذي بدء حياته رقيقاً قبيح الشكل يُباع في السوق. لكن الأمور انتهت به إلى أن أصبح حاكماً على مصر، متجاوزا كل الطامحين الى هذا المنصب الذي يغرى له كل احد. دلالة نبوغه وعبقريته الحربية و الادارية والسياسية والاجتماعية.. واضحة كل الوضوح.
ولأن “كافور” حقق كل ما يطمح له الانسان من الترقي في المناصب؛ اراد ان يحقق لاسمه وذكره الخلود. وهو يدرك بعبقريته ان ذلك غير ممكن الا من خلال الشعر والادب والفن. ولم يكن ذلك ممكناً الا من خلال شعر المتنبي الذي تجاوزت شهرته المكان آنذاك.
كافور يريد السفر عبر الزمن في شعر المتنبي، وهو طلب يحرره من قيود الزمان والمكان في مقابل طموح المتنبي لاعتلاء كرسي الولاية.
ولعل كافور الاخشيدي الذي تسلق سلم السلطة من أدنى مراتبها الى اعلاها عرف ان المتنبي غير صالح لمثل هذا المنصب من خلال نظرته الثاقبة وتمرسه. ولذا لجأ الى استخدام أسلوب العصا و الجزرة مع المتنبي.
قرّب الحاكمُ كافور الشاعرَ المتنبي اليه وادناه بعطاياه تارة وابعده و جفاه قاسياً على أناه المتعالية تارة أخرى. وبذلك حرّك الموج الشعري الهادر في عبقرية المتنبي. نجح في ذلك كافور ليخرج لنا من قيثارة المتنبي شعراً من أجمل إنتاج المتنبي مدحاً وهجاءً، بل من أجل ما أنتجه شعراء العرب في هذين البابين المتناقضين.
والمحصّلة هي أن كافور نجح في تحقيق حلمه، وفشل المتنبي في السعي خلف سراب وهمه.
جميل يا اين الشيخ