كامل الخطي: والدي كان ضدّ عبث رجال الدين بالسياسة  مؤرخ اليسار.. خصم اليمين.. العائد إلى وسطية ليبرالية

الإسلام السياسي الشيعي نشأ في الستينيات.. ومستقبله إلى زوال

متابعة: شذى المرزوق

تحرير وتقديم: صُبرة

إذا قلنا إن كامل الخطي هو ابن بجدة البحث في الشأن اليساري السعودي؛ فهو كذلك. وإن قلنا إنه أحد خصوم الإسلام السياسي؛ فهو كذلك. وإن قلنا إنه واحدٌ من دعاة التكنوقراط؛ فهو كذلك أيضاً. وإن قلنا إنه واحدٌ من محرّكي الأسئلة في محيطنا السعودي؛ فإن هذا التوصيف ليس فيه مبالغة.

ومساء البارحة ظهر كامل الخطي في قناة روتانا خليجية كاشفاً عن أن في جعبته أكثر مما قال، وإن بإمكانه أن يقول أكثر، لولا الأقواس التي وضعه فيها المحاور المشاغب عبدالله المديفر.

عائد إلى وسطية

الخطي القادم من أسرة الخنيزي الدينية المحافظة، الخارج على خط أسرته في شبابه، العائد إلى وسطية ليبرالية في كهولته، الماضي قدماً في طريقٍ جديدة مشاركاً في أعمال بناء الثقة بين مجتمعه الشيعيّ وبين الكيان الوطني الشامل.. هذا الخطّي المثير للأسئلة؛ جلس في ضيافة “روتانا” مشخّصاً أزماتٍ كثيرة مرّ بها المجتمع السعودي بشكل عام، ومجتمع الشيعة في المملكة بشكل خاص.. خاصّ جداً.

ولأنه مُتّهمٌ باليسارية في شبابه؛ ومتبرّيءٌ منها بعد ذلك؛ فقد أظهرٌ أنه درس مصادر أفكاره الأولى، وفي حديثه مع “صُبرة” تعليقاً على لقاء البارحة؛ قال إن وعيه الأول تشكّل في مرحلة شبابه، ولهذا ـ حسب قوله ـ فإنه لا يمكنه الفكاك من آثار تلك المرحلة، على الرغم من أنه نقد اليسار في تجربته السعودية، وأرّخ له، وقرأ مراحله، بل وأخرج المهروب من ذكره إلى منصّات الإعلام، وتحدّث بصوتٍ عالٍ جداً عن تجارب اليساريين والقوميين والبعثيين، وتخطّى ـ بمراحل ـ ما جاء في أعمال الدكتور غازي القصيبي وتركي الحمد في روايات أدبية ممسوسة بمسحات يسارٍ، على نحو من الأنحاء.

يساري سابق

إذن؛ دعنا نقول إن كامل الخطّي تخصّص في تأريخ اليسار، ووضعه في سياقه، كباحثٍ قادمٍ ـ أصلاً ـ من تجربة ذاتية، وكمُجايل ومعاصر ومُتابع ـ وربما مُتتلمذ ـ لبعض رموزه. اليسار الذي ظهر في أواخر الأربعينيات، وانطفأ في أوائل الثمانينيات.

وربما هذا ما أعطاه الحقّ في أن يرى “اليساريين أوسع من أن يُربطوا بطيف سياسي واحد، على الرغم مما يربطهم من أفكار مشتركة، في مواجهة التقليدية وإدارة الدولة، وذلك ليس متوقفاً على منحى سياسي أو اجتماعي”.

وفي رأيه فإن “أطياف اليسار في السعودية دخلت أفكارها ـ أولاً ـ في الوسط العمالي الوطني بشكل منظم وكثيف في شرق المملكة في الاربعينيات اي في الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية”. ومساء البارحة؛ ذكر أبرز أسماء الشيوعيين في ذلك الوقت: عبد العزيز بن سليط، اسحاق شيخ يعقوب صاحب كتاب “إني أشم رائحة مريم”، عبد العزيز المعمر المختلَف في التزامه”.

أما مصادر الأفكار اليسارية ومصبّها؛ فقد “بدأت في عمال شركة أرامكو.. تحديداً من العرب العاملين فيها أو من العرب الذين درسوا خارجاً”. مثل “المعمر الذي درس في الجامعة الامريكية في بيروت، وعبد الرحمن  الهيجان الذي تأثر بالجامعات البريطانية مرتع للافكار اليسارية”.

فصل عنصري

التجربة التي نشأت في أرامكو مردّها ما سمّاه الخطي “نظام فصل عنصري في المسكن والرواتب والصحة، مما أثار النفَس اليساري العمالي الداعي إلى المساواة والمطالبة بالمزيد من المكاسب، مستندة إلى أفكار ماركسية يسارية منشأها الأساسي هو تحقيق المساواة، ومن هنا نشأت اللجنة العمالية في عام 1945”.

نمت الأفكار اليسارية في أوساط العاملين في أرامكو، وبسبب تعميق الهوة جاء عام 53 بإضراب العمّال، ضمن حراك منظم حقوقي وليس سياسياً.. ثم جاء تأسيس اللجنة العمالية على رأسها عبد العزيز السنيد، وتمّ إنشاء اللجنة العمالية التي قادت الإضراب وتسببت في شل انتاج النفط، وتصاعدت مطالب العمال حتى وصلت إلى الملك سعود، رحمه الله، وعلى إثرها تم تأسيس مصلحة العمل والعمال التي ضمت اعضاء اللجنة العمالية فيها لتحلّ مشاكل العمال، وتُحلّ اللجنة بعدها.

جبهة الإصلاح

في عام 1954 ظهر ما يُسمى بـ “جبهة الإصلاح الوطني”، ومنهم عيسى الغنام وناصر السعيد ناصري وعدد كبير من القوميين كان منهم يوسف شيخ يعقوب. هذه الجبهة لم يكن في برنامجها قلب نظام حكم، بل عمل اصلاحات داخلية، ثم تغير مسماها لاحقاً الى “جبهة التحرر الوطني”، ثم مرّ عامان شبه هادئين بعد ذلك.

لكن عام 1956 جاء بسقف أعلى من الطموح السياسي. يرى كامل الخطي أن “الفرق بين الأفكار اليسارية العمالية لم تكن مسيسة بل حقوقيه نقابية، أما باقي التيارات البعثية والقوميو الشيوعية؛ فإنها ذات طابع سياسي، ماعدا جبهة التحرر الوطني ذات الطابع الحقوقي الاجتماعي”.

حقوق.. أم سياسة..؟

حسب تقصّي الخطي فإن مطالب العهد اليساري السياسي ذات الصبغة السياسية حملت مطالب سياسية حساسة. وهو تحوّل من البعد الحقوقي، ووقتها مازالت حركة القوميين العرب مبكرة، ويمكن القول فإنها ولّدت من رمادها يساراً جديداً. وتمثّل ذلك بين عامي 1956 و 1957م، حين بدأت المظاهرات.

وبعدها بعام انسحبت العناصر الشيوعية وتغير اسم “جبهة الإصلاح” إلى “جبهة التحرر الوطني” التي بدأت تفقد علاقتها بالعمّال، وبدأت الصبغة السياسية تصبح غامقة، وتبنت الخطاب الشيوعي في العراق والشام، ولكن أعداد عناصرها لم يتجاوز العشرات. 

ثم بدأ التيار الناصرين بين 1958 و 1967، وقد وجد هذا التيار لنفسه حيزاً في الشأن العربي، والسعودي أيضاً. كانت الأفكار القومية أكثر جاذبية من الشيوعية، لأن فيها ميولاً دينية، وبعد نكسة 67 انعكست على اليساريين وعلى المشروع العربي القومي إجمالاً.

في صالح الصحوة

هذا الانعكاس كان في صالح الصحوة الدينية التي حصلت على مجال أوسع لرواج الخطاب الإسلامي. وقد نشأ الإسلام السياسي قريباً من معسكر المتدينين في حقب تاريخية محددة، وظهر بعض التحالف بين اليسار العالمي والإسلام السياسي. وأظهر اليساريون منحىً تصاعدياً لصالح التحالف الإسلامي، خاصة بعد أن فقد يسار العمال العرب قدرته على التأثير وخسر قواعده.

واستشهد الخطي بالشاعر العراقي مظفر النواب، الذي ينتمي إلى اليسار الثوري، فقد كان يرى أن على جيهمان أن يبقى ثورياً شيوعياً ثائرا فقط للتمجيد. وهذا غير منطقي، فالإسلام الحركي في وتيرة تصاعدية يتشفع بأي شيء ثوري وهذه المواقف إعلامية غير حقيقية، ولذلك فإن علاقة اليسار مع حركة جيهمان ليست حقيقية “.

بعد اليسار

وليس في هذا الإطار نشأ الإسلام السياسي “الشيعي” تحديداً، بحسب رأي كامل الخطي.. الإسلام السياسي الشيعي نشأ في ستينيات القرن الماضي، واليسار موجود قبل ذلك بعقود في العالم العربي. ويرى أن الإسلام السياسي نال ترحيباً وحفاوة من قبل السلطات البريطانية الحاكمة في الخليج، واحيطت بعناية وقدمت لمبلغيها كل التسهيلات لممارسة دعوتهم.

ويرفض الخطي أدبيات الإسلام السياسي الداعية إلى نبذ العنف.. “نتكلم عن خلية البحرين عام 82 المسماة بـ “72 شمعة”.. هذه الخلية مدربة في المعسكرات الثورية الايرانية بقيادة الشيرازي، وكتب عنها عادل اللباد في كتابه، وكانت تُعدّ إلى عمل انقلاب عسكري في البحرين، وهم تابعون لقيادة الشيرازي وابنه واخيه وابناء اخته المدرسي ومحمد تقي.. إن لم يكن هذا عنفاً فماذا يعني..؟!

زوال الإسلام السياسي

كلّ تلك الصفحات مرّت.. ومهمة سؤال المذيع المديفر هي معرفة: من يسيطر على المشهد في الوسط الشيعي..؟

كامل الخطي يرى الواجهة للتكنوقراط القادرين على تلبية الخطاب الوطني المتحرر من الهويات.. المستقبل للتكنوقراط الوطني..  والاسلام السياسي الشيعي إلى زوال. لكن ـ حسب الخطي ـ ما زالت له هناك.. وهناك مخضرمون في الحراك الإسلامي الشيعي.. وهناك جيل من أبنائهم لا ينتمون إلى أاوساطهم، بل الى اوساط المساهمين في بناء الوطن.. الخطي يكرر “أعتقد جازماً أنها لصالح جيل التكنوقراط الوطني”.

الشيخ عبدالحميد الخطي

ضد السياسة

قبل نهاية اللقاء وضع المحاورُ عبدالله المديفر ضيفه كامل الخطي أمام امتحانٍ شخصي.. ظهر والده الشيخ عبدالحميد الخطي في مقطع فيديو قديم.. وسأله المديفر عن ظهور رجال الدين؛ فكانت إجابة الخطي أن “هنالك نوعين من رجال الدين.. بعضهم ينخرطون في السياسة ويرون أحقيتهم في كل شيء، وهناك رجل الدين الحصيف الذي لا يرى ذلك، بل يرى أن لكل اختصاصه”. كامل الخطي وضعاً وصفاً موجزاً لتفكير والده “ضد عبث رجال الدين بالسياسة”.

تعليق واحد

  1. مقابلة ثريه وفيها تقول كبير على العلامة المقدس الخطي رضوان الله تعالى عليه
    هل من المقبول أن نوجه هذا السؤال إلى كامل نجل العلامة ؟
    ما مقدار الأموال التي كانت من نصيبك ببركات المنصب الديني للعلامة المقدس الخطي ؟
    هل تسمح لنفسك بأن ترثها وأنت في شط بعيد وواد سحيق عن منهج الوالد المقدس ؟
    كل ما تنعم به الآن من مناصب ومراكز وأموال انما مصدرها بركات الوالد المقدس , الشيخ , القاضي , رجل الدين , المعمم , الشيعي وليس غير ذلك
    من الملاحظ بأنك حريص جدا على الظهور بمظهر الملتحي في بعض اللقائات والأخبار وفي البعض الآخر غير ذلك ناسف أم اللحية والشنب , هل هناك سر في ذلك ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×