مهرجانات متناسلة متشابهة…!

حسن دعبل

برغبةٍ ليست مني، زرت مهرجان البراحة، المقام في ساحة القلعة، أو ما تبقى من ذكرى أبنيتها وبيوتاتها، وما علقَ من روائح أهلها وحنينهم.
للتو أحسست أن المهرجان كسابقيه من تلك المهرجانات التي تناسلت من بعضها، و تشظت وتناثرت هنا وهناك.

في أول خطوةٍ شممت روائح الأكل، ودخان الزيوت، فجاهدت النفس باحثاً عن رغبتي التي تعنيت من أجلها.

طفت بين جدران، وما صفّ من تراثيات وأوان البيوت القديمة بكامل حلتها وزينتها، وما غاب عن أجيالٍ تغرّبت وبعد عنها المكان وأهله، حتى أنخت برحلي عند أسوار القلعة المُتخيلة بأبوابها وأبراجها، وفرضتها القربية.

ربما تذكرت واسترجعت الداية “أم صالح” في رواية شيخة، واستنطقتها كساردة متخيّلة للمكان وأهله ومايدور بهمس الليل بين براحاته، هكذا كنت أباغت السيد عثمان أبو الليرات صاحب هذا المجسم الصامت أمامي، حين سألته عن لزريب ، وبراحة الحليب. قلت له: أنا لست من هذا المكان، ولم أزره من بواباته الإحدى عشر، حسب قولك. المجسّم صامت، ومصقول بعناية ابن المكان وذاكرته، ونوستالجيته الطافحة بعشقها الغائب والبعيد. وللسور وأهله أسرار وحكايات، وذاكرة، وللذاكرة تاريخها ومدنيتها المبكرة، ومؤثراتها، وللأطراف تعالق وتأثر بتلك المدنية، حتى وإن كانت متعالية.!

سرد لي عن المكان بإشاراتٍ غائبةٍ وشاردةٍ بصورها عني، وحتى الأسئلة العابرة للمكان لم تستنطق ذاك المجسّم الماثل والمتمثّل بهذا المكان وتاريخه وأهله وماضيه، وذاكرته، وأرشيفه، وصور أمكنته، وحين أوصلني للفرضة القريبة من المجسم ، قلت له، ربما أتذكر آخر تلك السفن أو الخشب التي بقيت جاثمة ونائمة في سِيفها.

 

أعود للمهرجان الذي علقت بي روائح زيوت أكلاته المتناثرة، والمتشابهة لكل المهرجات التي ولدت، والتي لم تولد بعد، وتحبو في أمكنتها المتبدلة، حين تتشابه حد الغياب.

كنت أمني النفس، بسردٍ عن المكان، أو عن السور وأهله وذاكرته المخملية، وما خطته الأقلام في الورق والوثائق النائمة في صناديقٍ نفيسة بروائحها، وما لم تسرده أم صالح في تلك الرواية اليتيمة التي كانت بين جدران ودور البراحة التي لم أرها، ولم يستنطقها مهرجان تشابهت به الروائح والصور، وغابت عنه خصوصية الحضور بمكانه.

تعليق واحد

  1. الناقد كاهن البحر التاروتي إن شاء الله ما تكون ممن يتبع مقولة خالف تعرف
    كما رأها البعض في ردودك للشاعر العوامي

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×