[ميناء القطيف 3] إحراق 150 مركباً.. و 4 آلاف رجل يدافعون عن القطيف

تُشير الحادثة التاريخية التي  أقدم عليها أحد حلفاء البرتغاليين قبل قرون إلى ما كان يمثّله ميناء القطيف من أهمية استراتيجية. فقد أحرق 150 مركباً راسياً فيه. وتوضّح رواية تاريخية تناولها الشاعر الباحث عدنان السيد محمد العوامي إلى مواجهة عسكرية وقف فيها ما بين 3 إلى 4 آلاف رجل في محاولة للدفاع عن القطيف.

هذا هو الجزء الأول الذي يتحدث فيه العوامي عن الميناء.

وفي الجزء الثاني يتحدث عن مرحلة العثمانيين، وكيف استفادوا من ميناء القطيف، سنة 966، في مواجهة المحتلين البرتغاليين، وكيف لعب دوراً في إنهاء حقبة تاريخية في القطيف، وبداية حقبة أخرى

[من أوراقي 3]

ميناء القطيف

مسيرة شعر وتاريخ

حقبة الاستعمار البرتغالي

بعد مرور قرنين من الزمن على ما كتبه أبو الفداء عن ميناء القطيف يصلنا  خبر هجوم الغازي البرتغالي على القطيف، فنقرأ في رسالة من الرئيس ركن الدين، وزير هرمز، إلى الرئيس شرف الدين (معزول ومنفي)([i]) حول محاولات ملك الأحساء مانع بن راشد (Maning ben Rashid) الاستيلاء على البحرين، واعتراض رجاله عليه، وفرارهم إلى البحرين، فانتقل إلى البصرة، فاستغل حاكم البحرين، حليف البرتغاليين، الفرصة وهاجم ميناء القطيف، وأحرق لمانع 150 مركبًا راسية فيه([ii]).  

وفي رسالة مؤرخة في سنة 1545م، موجهة من أحد القباطنة البرتغاليين، واسمه (برنالدين دو سوزا)، إلى ملك البرتغال في لشبونة، يصف له كيفية استعادته القطيف من مانع بن راشد، فيقول: >وفور جمع ما كان ضروريًّا؛ انطلقتُ من جديد، وفي اليوم التالي اقتحمنا الميناء الذي دخلناه خلال الليل، ووطئت أقدامُنا الأرض قبل الفجر، فكان في انتظارنا ثلاثة آلاف (3000)، أو أربعة آلاف (4000) محارب كانوا بالمدينة، قتلوا لنا حوالي ثلاثين، أو أربعين فارسيًّا من فرقتي، وبرتغاليين اثنين, وقتلنا لهم عددا أكبر؛ مما أرغمهم على الابتعاد عن المدينة التي كان سُكَّانُها قد فرُّوا عنها، وبما أن اليابسة أضحت آمنة، فإننا أنزلنا المدفعية التي شرعت – فور ذلك – في قذف الأسوار في قسم لم يكن يتوفر على خندق، وهكذا قصفناه في خلال أربعة أيام، أي أكثر ما يمكن للمدفعية أن تتحمَّلَه، وبما أننا لم نتمكن إلا من إسقاط قسم منه على عُلُوٍّ يسمح باستعمال السلالم، فإنني قررت اقتحام المدينة قبل إسقاط أكبر قسم أكبر؛ لمناعة تلك الأسوار، ولكون ذلك يتطلَّب أيَّامًا أخرى، خصوصًا بعد أنْ علمتُ أن نفس الملك قادمٌ للدفاع عنها؛ لكونه كان بالأحساء التي تبعد عن القطيف بمسيرة ثلاثة أيام، وأنه قادم على رأس 14000 أو 15000 محارب، وعدد من الفرسان وضاربي البنادق، هذا فضلاً عما سبَّبته لنا مدفعية وبنادق القلعة من متاعب، وكذا حالات الاستنفار التي كانت تُعلَن باستمرار؛ بسبب هجمات أولئك 3000 أو 4000 محارب، الذين اصطدمنا بهم وقتَ إنزال جنودنا، الأمر الذي أتعب كثيرًا محاربينا، وخصوصًا منهم الفرس، الذين لم يكونوا متعوِّدين على مثل هذه الجهود . . .<([iii]). 

النصُّ طويل، وربما ثَقُلَ على غير الباحث المتخصص، لكنه يعطي صورةً واضحة لمناعة أسوار القلعة، وأهمية الميناء، واتساعه لاستيعاب السفن حتى الحربية منها، ولا يعجز عن تحمُّل إدارة المعارك من داخله.

في العهد العثماني

في مستهل العقد الخامس من القرن العاشر الهجري بدأ ميزان القوَّة البرتغالية يخفُّ بدخول العثمانيين حلبة الصراع، بدءًا من احتلال السلطان العثماني بغداد سنة 941هـ، وتسليم راشد بن مغامس، حاكم المنطقة آنذاك، مقاليد الحكم إليه، فكان ذلك أول ظهور للعثمانيين فيها، والظاهر أنَّ هذه الخطوة واجهت معارضة عنيفة من الأهالي، نفهم ذلك من تعريج سليمان الخادم على القطيف ومهاجمته لها عند عودته منهزمًا من الهند، وبدهي أن يأتي الهجوم على الميناء أولاً([iv]).  

وتتضح استفادة العثمانيين من هذا الميناء للمهام الحربية، ففي سنة 966هـ، 1559م أقدم الوالي العثماني مصطفى باشا على غزو البحرين، عن طريق هذا الميناء، لكنه فشل في احتلالها، وأبيد معظم رجال الحملة، وأسر الباقون، وصودرت السفن المشاركة فيها، وبسبب هذا الفشل انتهت حياته بالانتحار بعد أن عُزل من منصبه([v]).

حادثة أخرى تكشف عنها رسالة عثمانية مؤرَّخة في 18 رمضان 967هـ تتحدث عن أنَّ مصطفى باشا هذا كان قد صادر أموال أحد تجار اللؤلؤ الأثرياء من أهالي القطيف واسمه جمعة بن رحال (سماه مترجم الرسالة جمعة بن رمال)؛ فاضْطُّر إلى الفرار إلى البحرين مصطحبًا معه جميع سفن الغوص، وتجار اللؤلؤ؛ مما تسبب في شل تجارة اللؤلؤ في القطيف([vi]). نستفيد من هذه الحادثة أن الميناء ما زال محتفظًا بأهميته حتى تلك الحقبة.

 باقترابِنا من القرن الحادي عشر الهجري نرى أهميَّة الميناء منفذًا للنجاة من ظلم الحكام وجورهم، ففي سنة 999هـ شهد الميناء حالة فرار جماعيٍّ  من بطش العثمانيين، حين احتدم الصراع بينهم وبين قبيلة بني خالد بقيادة سعدون بن حميد، المتحالفين مع الأهالي بزعامة الشيخ عبد الله بن ناصر بن مقلَّد، زعيم القطيف، ومع أن الحلفاء تمكنوا من دحر العسكر العثماني إلا أنه لأمر غير معلوم، اضطر الشيخ ابن المقَلَّد، ومعه عدد من كبراء القطيف وأعيانها – عرَفنا منهم بالاسم الشيخ جعفر الخطي، شاعر الخليج في عصره – إلى النزوح إلى البحرين([vii]).

وفي هذا العهد نقرأ لأبي البحر جعفر الخطي يتغنّى بالميناء في قصيدته الشهيرة([viii]):

هلاَّ سألتَ الرَّبعَ مِن سَيْهاتِ

عن تلكُمِ الفتيانِ والفتيات

ومجرَّ أرْسَانِ الجيادِ كأنَّها

فوق الصَّعيدِ مساربُ الحيَّات

ومُجدِّفاتِ السُّفْن تُدْنِي بَرَّها

من بحرها، ومَباركَ الهجَمَات([ix])

 حيث المسامعُ لا تكاد تُفيق من

ترجيعِ نُوتيٍّ، وزجْر حُداة

إنَّ القطيفَ، وإن كَلِفْتُ بحبِّها

وغَلَت على استيطانها زفراتي

لأجلُّ متلمسي، وغاية مُنيتي

أني أقيم بتلكم الساحات

تمنِّيه أن يقيم في القطيف وهو منها؛ مصداقٌ لزعمهم إنه إنما تسمَّى بأبي البحر؛ لكثرة أسفاره فيه.

————————

([i])لشرف الدين هذا حفيد اسمه ركن الدين محمود بن نور الدين، كان حاكمًا على البحرين، مدحه الشيخ جعفر الخطي. انظر: ديوانه، بنحقيقنا، نشر مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2005، جـ1/153 – 171، و182 – 187.

([ii])مساهمة المصادر والوثائق البرتغالية في كتابة تاريخ البحرين خلال النصف الأول من القرن السادس عشر. أحمد بو شرب، المغرب، مجلة الوثيقة، العدد الرابع، السنة الثانية، ربيع الآخر، 1404هـ يناير 1984م، ص: 125، والملحق الثاني، ص: 134.

([iii])المصدر نفسه، الملحق الثالث، ص: 138.

([iv])ساحل الذهب الأسود، محمد سعيد المسلم، نشر مكتبة الحياة، بيروت، 1962م، ص: 171 – 172\ ، وانظر: البرق اليماني في الفتح العثماني . قطب الدين النهروالي المكي . بإشراف حمد الجاسر . دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر . الرياض . ط 1 . 1387هـ ، ص: 70 – 92 .

([v])رسالة إلى حاكم البحرين مراد شاه، مجلة الوثيقة، العدد الأول، رمضان 1402هـ، يوليو 1982، ص: 149، وانظر أيضًا ص: 145 – 146، و148.

([vi])وثائق تاريخية عن صيد اللؤلؤ في البحرين، د. علي أبا حسين، وب. ك. نارين، مجلة الوثيقة العدد:10جمادى الأولى 1987م، ص: 121، حكم موجه إلى أمير أمراء الأحساء.

([vii])بنو خالد وعلاقتهم بنجد، عبد الكريم عبد الله المنيف الوهبي، دار ثقيف للنشر والتأليف، الطبعة الأولى، 1410هـ، 1989م، وديوان أبي البحر، تحقيق عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2005، جـ1/268.

([viii])ديوان أبي البحر جعفر الخطي، بتحقيقنا، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت جـ1/232.

([ix])المجدفات: السفن التي تدفع أو تًسيَّر بالمجاديف، والهجمات، جمع هجمو: القطعة من الإبل بين الأربعين والسبعين.

 

‫3 تعليقات

  1. الشكر و التقدير للأديب الكبير و المحقق القدير السيد عدنان على ما سطر من تاريخ القطيف الحبيب

  2. لبو زكي التخلف في البشر وليس في البنية التحتية الانسان قادر على التغيير والتطوير اذا تمسك بالسبل وان كان 1000معول يهدم

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×