“أبو صدقي” حبيل.. شاهد على خروج جزيرة تاروت من عصر الظلام من جيل المعلمين الثاني.. وتتلمذ على يديه المحافظ الصفيان ورجل الأعمال فؤاد الدهان

القطيف: ليلى العوامي

تختزن ذاكرة هلال عيسى آل حبيل المعروف في مجتمعه بكنيته (أبو صدقي) تاريخ تاروت والقطيف عاماً بعد آخر، وما شهدته المحافظة من قصص وتطورات متسارعة على مختلف المستويات، فرغم عمره المتقدم، (76 عاماً)، إلا أنه نجح في رصد أحداث هذا التاريخ، وربطه بالتواريخ والأرقام، فهو يعرف تسلسل العائلات في المحافظة، وعندما يجالس أحداً لا يجعله يبرح مكانه، حتى يعطيه درساً في تاريخه وجغرافية مكانه وعائلته، ويوثق هذا كله في كتابات متعددة، فضلاً عن المقالات والمواضيع والمذكرات الخاصة، التي بدأها منذ الطفولة، ولا زال يكتب فيها.

ولا تغفل ذاكرة “أبو صدقي”، الاحتفال الضخم الذي شارك فيه، لاستقبال الملك سعود، عندما زار القطيف عام 1383هـ، كما لا ينسى تفاصيل حياة المواطنين قديماً، وكيف كانوا يعيشون في السابق على لمبات الإضاءة القطنية، ورحلاتهم من تاروت إلى القطيف، لتأمين طعامهم وشرابهم.
وبجانب تاريخ القطيف وتاروت، يعشق أبو صدقي التراث، ولديه من القطع الأثرية الكثير والكثير، وخاصة القطع القديمة بجميع أنواعها، وكذلك العملات النادرة.
ولد أبو صدقي عام 1365هـ، وهو وحيد والديه، تعلم في الكتاتيب، وتوفي والده عام 1377هـ، ثم تربى في كنف خالة الحاج حسن عليوات،وعمه الحاج ابراهيم آل حبيل.

 

الهرب من الكُتّاب

تحدث أبو صدقي لـ”صُبرة”، بادئاً كلامه عن الدراسة في الكُتّاب، الذي التحق به عام 1374هـ. ويقول: “كان عمري 8 سنوات، وكنت أدرس القرآن الكريم وأحفظه على يد الحاج الملا عبدالكريم الطويل في منطقة تسمى “الجوابير” بالقرب من حسينية كريم آل البيت حالياً، ومكثت في الكتّاب لمدة ستة أشهر، حتى حدث حريق منطقة الخارجية سنة 1374هـ، فانتقل الملا عبدالكريم الطويل إلى الديرة”.
ويعترف “أبو صدقي” أنه كان يهرب من الكُتّاب. ويقول “ظللت على هذا المنوال ستة أشهر، أخرج صباحاً، حاملاً حقيبتي، موهماً أهلي بذهابي للكٌتّاب، وأضع حقيبتي تحت أحد الجسور، وما أن يخرج الطلاب من مدارسهم ومن الكتاتيب، إلا وأعود لمنزلي، وحينما تسألني زوجة عمي “ماذا أخذت اليوم؟”، كنت أجيبها بنفس الإجابة في كل مرة”.
ويضيف “كنتُ أجمع القسط الشهري للكُتّاب، وقيمته 6 ريالات في جيبي، ونجحت في جمع 36 ريالاً، حصيلة الأشهر الستة”. ومن المواقف التي يذكرها جيداً، وكشفت أمر غيابه عن الكُتّاب، قوله: “قابلت أمي صديقي في الكُتّاب محمد التركي ـ رحمه الله ـ فسألها عني، فأجابته إنه يدرس القرآن الكريم في الكُتّاب، فقال لها “ولكن لا أراه في الكُتّاب”. فتعجبت أمي، وعادت للمنزل، ولم تتحدث معي، حتى جاء والدي، وأخبرته بالقصة كاملة، فسألني لماذا لا تذهب لدروس القرآن، وأجبته: “أريد أن أدرس في المدرسة، فأصدقائي ليسوا بأفضل مني، وكان القرار تسجيلي بالمدرسة”.

حفل استقبال الملك سعود

التحق أبو صدقي بمدرسة الغالي الإبتدائية بتاروت سنة 1377هـ. ويقول عن مدرسته: “لا يتعدى عدد فصولها فيها 12 فصلاً، وفي كل فصل 22 طالباً فقط، وكنتُ ممن تم اختبارهم للإنتقال مباشرة للصف الثاني، وتخرجت في المدرسةا عام 1383هـ، وكان حفل التخرج يُقام على سطح المدرسة على أضواء الأتاريك”. ويضيف: “مدير المدرسة آنذاك، كان فلسطيني الجنسية، يدعى حسن سالم، وتتكون المدرسة من طابق واحد فقط، وبها غرفة خاصه بالرياضة”.
ويقول: “من المستحيل أن أنسى شكل الاحتفالات التي كنا نقيمها، لاستقبال الملك سعود ـ يرحمه الله ـ عندما زار القطيف عام 1383هـ ، فكانت بالمدرسة بعض أدوات الرياضة والأخشاب التي كنا نتدرب عليها للمشاركة في حفل الاستقبال، وأتذكر شكل هذه الاحتفالات التي كانت جميع المدارس والطلاب يشاركون فيها، وكانت ضخمة، تبعث على الفرحة وتملأ المكان بالبهجة والسعادة، وتقام بالمنطقة المحيطة بالمستشفى، بعد بوابة القطيف عند ساحة القلعة”.

 

معلمو الابتدائية

ويتابع أبو صدقي: “معلمو المدرسة الابتدائية كان خليطاً بين السعوديين والأجانب، وأتذكر من الأجانب سيد كمال الدين، حسن علي حسين، محمد أبو النور، حسين عبد الرحمن، إبراهيم العيسوي، وإبراهيم المجدلاوي،ومن السعوديين أحمد حسين الجار، خليل الدحيم، فهد الرزيحان، أحمد فهد الدحيم ، وجميعهم كانوا من دارين، ومن زملاء الإبتدائية رفيق العمر أحمد الزاير، محمد حسن التركي، السيد هاشم عدنان، علي منصور الصادق، حبيب آل زرع،وأبو عماد محمد حسن الصفار، علي منصور الصادق أبو صادق”.

وعقب انتقاله مع والدته للعيش مع خاله بالقطيف، انتقل أبو صدقي للدراسة في مدرسة القطيف الإبتدائية الأولى، وكان بالصف الثاني الإبتدائي، ثم عاد مجدداً إلى تاروت مع والدته، حيث سكنا سنابس، وفي هذه المدرسة، تعرف على عبدالرزاق هجلس وأحمد الجشي (أبو حسنين) ـ يرحمهما الله ـ وعبدالله ابراهيم الجشي، والطيار حسن محروس والصيدلاني عبدالعزيزالجامع وعبدالرؤوف الخميس وغيرهم.
وتخرج أبو صدقي مع زملائه في مدرسة الغالي الابتدائية،ودرسوا عاماً ونصف العام من المرحلة المتوسطة بمدرسة الغالي، حتى انتقلوا إلى مدرسة تاروت المتوسطة، وفي حفل التخرج، اختار نائب مدير التعليم ـ آنذاك ـ عبدالله ابو نهية ـ يرحمه الله ـ الطلاب ذوي الأعمار الكبيرة ليدرسوا في المعهد بعد الإبتدائية. ويقول: “كان حفل التخرج عام 1385/1386هـ وأتذكر رفقاء المتوسطة، ومنهم محمد علي البنعلي، سلمان العفيجي، حمد خليفة البنعلي، وأمان سلطان البنعلي”.

 

من النادي إلى التعليم

عمل أبو صدقي إدارياً بنادي هلال الجزيرة ، قبل تسميته بإسم “نادي النور” بعد انضمام نادي التآلف إليه، وكان آخر سكرتير في نادي هلال الجزيرة، وأول سكرتير في نادي النور، ثم استقال وانتقل للعمل في جمعية تاروت الخيرية، ضمن إدارة على رضي الصفار والحاج عبدالله الصادق، وعمل سكرتيراً ومسؤولاً في الروضة، وعضواً في لجنة البحث والتقصي عن الفقراء، وكان معه هلال خضر، ثم التحق بمعهد المعلمين صباحاً، وموظفاً بدائرة مبرقات الدمام مساءً لمدة ثلاث سنوات، وتخرج في المعهد عام 1389هـ ليصبح معلماً.

 

الوظيفة في التعليم

عُين أبو صدقي معلماً للغة العربية والاجتماعيات بمدرسة ابن القيم لإبتدائية في رحيمة في الفترة المسائية، براتب 800 ريال، إلا أنه كان يستلم 750 ريالاً بعد خصم 50 ريالاً. ويقول عن هذه الفترة: “أتذكر من طلابي جيداً، فمنهم خالد الصفيان محافظ القطيف حالياً، وصلاح نجيم ، وغيرهما”.
وانتقل أبو صدقي إلى الدمام، وكان راتبه 1050 ريالاً بعد النظام الجديد لرواتب موظفي الدولة، ليلتحق بمدرسة عثمان بن عفان في مدينة العمال، وصدر قرار نقله للقطيف، بالتبادل مع أحمد الشارقي، وعمل معلماً في مدرسة زين العابدين بالقطيف، ومن طلابه آنذاك فؤاد الدهان، منصوربن الشيخ، على المرهون، سيد ماجد بن سيد، جعفر العوامي، صادق الهواشم، عبدالهادي الجراميز، صالح عيسى الدار، عبدالرسول مال الله، وعبد الرسول الفلفل.

 

الحياة في تاروت
وعند الحديث عن طبيعة حياة الناس في تاروت، يتذكر أبو صدقي الكثير من التفاصيل، وكأنها حدثت بالأمس، ويقول: “عاش أهالي تاروت قديماً على السراج والمصابيح المصنوعة من الزجاج والقطن أو الفتيلة والتمر، وكان الطلاب يلتفون حولها للمذاكرة على ضوئها، وفي بعض الأحيان، كانت الحرارة الصادرة من هذه المصابيح تحرق شعر الطلاب القريبين منها، ثم استخدم الأهالي الفوانيس التي كانت تعمل على الكاز، وتطورت الحال، حتى استخدام الأهالي “التريك” وهو يعمل أيضاً بالكاز، الذي كان يجلبه والد “أبو صدقي” من رأس تنورة بأرامكو”. ويضيف: “قضيت المرحلة الإبتدائية، ولم يكن هناك كهرباء في المنطقة، وسنابس سبقت تاروت إدخال الكهرباء سنة 1388هـ، واعتمدت تاروت على مواتير الكهرباء الصغيرة، لتوليد الكهرباء في بعض المنازل، مثل منزل المصلي ومواتير منزل علي بن عبدالله آل سيف”.

 

الماء في تاروت

وفيما يخص المياه قديماً، يقول أبو صدقي: “يوجد في تاروت قديماً عين تُسمى “العودة”، وكانت المغذي الأول لجزيرة تاروت، كون مياهها كبريتية، ونبعها من تحت القلعة، وكانت هناك أيضاً بعض الآبار الموجودة داخل منطقة الديرة، قادمة من العين، على هيئة جداول، وحينما يكون هناك مد، يرتفع منسوب الماء في العين”. ويتذكر أبو صدقي مواقع العيون الارتوزاوية في تاروت قديماً. ويقول: “منها عين عند مسجد الشيخ علي، لم يخرج منها الماء، وعين ثانية بالقرب من منزل جعفر الصفار ومنزل سعيد العمران، تسمى “الحباوي أوالصياح أو سمادوه”، وقد ينقطع الماء عنها لمدة اسبوعين أو ثلاثة”.

 

حمام باشا

وعند الحديث عن “حمام باشا” في تاروت، ابتسم أبو صدقي، ثم صمت برهة، وكأنه يسترجع ذكريات بعيدة عنه، وقال: “بُني هذا الحمام على الطريقة العثمانية في تاروت، وفيه مقهى حجي حسن حجيرات، يُقدم فيه الحليب الطبيعي والشاي والخبز، ويجذب هذا الحمام الناس من جميع الأعمار والمستويات، فينزلون إليه عبر 15 درجة، ويحتوي على كراسي من الحصى، وكل كرسي له حصير خاص”.

 

الرحلة إلى القطيف

ويتحدث أبو صدقي عن الرحلة من تاروت إلى للقطيف، ويقول: “كان أهالي تاروت قديماً يستخدمون طريقين للذهاب للقطيف، لشراء احتياجاتهم من المأكل والمشرب؛ الأول اللنج من مرفأ دارين، والثاني عبر عربات الكارو، التي تجرها الحمير، ولها طريقان؛ الأول يبدأ من دوار تاروت عند سوق السمك، والثاني من جهة المساجد الثلاثة. أما الطريق الثاني، فهو الطريق القادم من دوار بريد تاروت، حيث تأتي عربات الحمير، وصولاً للجمرك حتى الطريق إلى القطيف.
ويقول أبو صدقي: “كان الأهالي يمرون بمنطقة “البَروده” شرق محطة عبدالجبار، وكان هناك جمرك للتفتيش، ويمشى الناس على مطاين “أخوار”، حتى يصلون إلى منطقة الجسر حالياً بشارع أحد، عند محطة بنزين البشراوي (سابقاً)، وكانت هناك بوابة القطيف والجمارك الرئيسة ومستشفى القطيف المكون من ثلاثة أدوار، ويماثله في البناء مستشفى الربيعية الذي افتتح عام 1384هـ وأيضاً مستشفى العدامة بالدمام، وآخر بالمبرز، بالقرب من مدرسة سعد بن أبي وقاص.

 

‫4 تعليقات

  1. والنعم بالأستاذ هلال انا كنت احد تلاميذه في مدرسة زين العابدين كان ذو شخصية مؤثرة وله أسلوب في التعليم واذكر كان ينظم لنا رحلات مع الاستاذ الفاضل حسن العليوات الى مزارع التوبي وكان احد الطلاب من عائلة الشاخوري عندهم مزرعة بحكم قربها الى المدرسة تحية إجلال واحترام ابعثه له من هذا المنبر وأتمنى له الصحة و طول العمر

  2. ونعم الرجل أبو صدقي
    تشرفت بمعرفته مديرا لي في مدرسة الجزيرة في أول سنة لي كمعلم
    والشهادة لله نعم الرجل المخلص والمحب لعمله بالإضافة لحكاياه الجميلة عن الماضي

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×