[مقال] ياسر آل غريب: جمهور الشعر بوصفه أقلية هائلة
ياسر آل غريب
كان الشاعر الأسباني خوان رامون الحاصل على جائزة نوبل للآداب واعيا بماهية الشعر، وراصدا للواقع ومتنبئا بالمستقبل حينما وضع في أحد كتبه إهداءه الشهير للقراء ” إلى الأقلية الهائلة”. إن هذا الوصف يحيلنا إلى علاقة الشعر بالمتلقي، فلدينا نحن العرب في العصر الحديث لم يعد الشاعر لسان القبيلة كما هو شائع في العصر الجاهلي أو لسان الدين في عصر صدر الإسلام كما يتجلى في قصائد حسان بن ثابت باعتباره متمترسا بآلية الدفاع عن الرسول وقيمه بكل ما أوتي من بلاغة وحماسة.
أصبح شاعر اليوم مختلفا في تقديمه لنصوصه بجرعة مكثفة من الفن، يحيط به أصدقاؤه مع بعض الوجوه الجديدة في كل أمسية، لكنه يحظى بتفاعل واضح يزيد مع مرور الأيام وهذا هو السر في الأقلية الهائلة. فهم يفهمون لغته إلى درجة أنهم يتقنون مهارة رصد القوافي قبل أن يلفظها، ويطلبون إعادة بعض الأبيات فينتشي فرحا، وربما فجرت بعض المقاطع رؤى نقدية يتم التباحث فيها بعد الانتهاء من الأمسية، وهذه من الحالات الصحية في مثل هذه اللقاءات.
إن هذه الندرة أمر طبيعي جدا، خاصة إذا عرفنا أن هناك فنونا منافسة كالمسرح والسينما والسرد والموسيقى والتشكيل، التي تساهم في تكوين المشهد الثقافي، إضافة إلى أن الناس تتوزع اهتماماتها في أمور شتى مما يساهم في صناعة الأقليات المتعددة هنا وهناك.
صور كثيرة لهذا الحضور القليل/ المتفاعل أجدها عندما أستقرىء أمثلة من الواقع المحيط بي، فمثلا تقام اللقاءات الشعرية بالقطيف والأحساء في أقبية البيوت، ربما لأنها الخيار الوحيد بالنسبة لهم، لكنها على أية حال، ساهمت في تطور الحركة الشعرية خلال عشرين سنة مع بداية الألفية الثالثة. وهذا ينطبق على الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون المدعومة رسميا في المملكة، فرغم اتساع المكان وتجهيزاته الجيدة إلا أن الحضور يعد قليلا جدا أيضا، كما في نادي جدة الأدبي الأعرق والأشهر في البلاد، فأمسياته تقام في المكتبة مع وجود مسرح متكامل بأحدث التقنيات. كذلك لا أنسى تلك الفعالية احتفاء بالشاعر البحريني الكبير قاسم حداد في مقهى صغير بالبحرين، والأمثلة تطول مما شاهدتها بأم عيني أو من خلال المتابعات، كالمهرجانات التي تقام في العراق التي يميزها حضور الوجوه الخمسينية والستينية من الأدباء ونادرا ما وجدت شاعراً عشرينيا بينهم.
من الخطأ أن نسأل عن عدد الحضور في أمسية ما، بل علينا أن نسأل عن اشتجار الجمهور وتعالقهم بالشعراء، فالمتلقي يساهم في صناعة النص الأدبي ويبرزه، لا يقاس الشعر بالكم، وإنما بالكيف.
الأخ عبدالله ..
ومن قال إن الحضور القليل فشل ..
لكل فن نخبته
الأقلية المتفاعلة خير من الكثرة الصامتة
هذه تعزية ولا عزاء لخوان رامون و الواقع أنه يجب الحديث عن عزلة هذا الفن و العجز في ترويجه، يا رجل حتى أخس و أردى البضائع المادية تلقى رواجا و انتشارا مذهلا، وجمهورها غفير، و أما البضائع الفكرية و الأدبية فتلقى عجزا عن ترويجها، وأنتم و مؤسساتكم تتحملون مسؤولية هذا الفشل..
و ينبغي عدم إغفال أن محمود درويش أو نزار قباني كلون حداثي
أو الجواهري بل حتى نماذج الشعر القديم الكلاسيكي على منصات الميديا على سبيل المثال تجد ملايين المشاهدات
ثم امتداح النص الذي يلقى رواجا
وامتداح الذي لا يلقى ذلك الرواج لا أجده محكا ومعيارا منصفا..
تجد الشاعر يرفع عقيرته بأن: تفاعل الجمهور يكرّس للخطابية المقيتة التي تطفئ جمرة النص والمشاعر بالتواطئ اللغوي بين الشاعر الخطابي لا الفني و بين جمهوره الذي يطرب لإنشاد ما يعرف و ما يريد
أين الإدهاش و أين الصدمة في آلإتيان بما لم تستطعه الأوائل إن تم حساب الشعرية بتفاعل الجمهور المتناقص والذي يكاد أن يتلاشى