[فيديو] خليل الذوادي: فُرضة راس تنُّورة بُنيت من أحجار شاطيء سنابس لولا "بن هارون" لاستمرّت دارين تجلب الماء على ظهور الحمير

شيخ الصيّادين يتذكر غرق مركبه في البحرين.. وهيلوكبتر أنقذ البحّارة

دارين: ليلى العوامي
لم يتوقع خليل بن إبراهيم بن علي الذوادي، في يوم من الأيام، أن يكون شيخ الصيادين في دارين وما جاورها، ولكن عشقه لحياة البحر والغوص، جعله قريباً جداً من الصيادين، الذين رأوا أنه الأفضل والأجدر برعاية شؤونهم، والتحدث بلسانهم أمام الجهات الرسمية.
فخليل الذوادي، أو “أبوفهد” كما يحب أن يناديه الناس، بدأ حياته العملية موظف دوريات بحرية في شركة أرامكو السعودية، ولكنه رفض طلب الشركة استبدال “اللنج “بالتك، فقرر أن يتجه للعمل الحر في البحر، الذي أوصله في نهاية الأمر إلى أن يصبح شيخ الصيادين. ورغم أن عمره تجاوز الـ90، إلا أن ذاكرته حاضرة وبقوة، في استرجاع الذكريات والأحداث بكامل تفاصليها.

الحياة في دارين
الذوادي من مواليد غرة رجب عام 1344هـ، الموافق 15 يونيو 1926م، والده “إبراهيم” من جزيرة دارين، وأمه ” طرفه الرحيمان” من بلدة العيون بالأحساء، أنجبت الأم ثلاثة أولاد (أحمد وجاسم وخليل) وفتاة. توفيت الأم، وكان أصغر أبنائها “خليل” رضيعاً، وتكفلت برعايته جدته، وأرضعته عمته.

عاش “أبو فهد” في منطقة قديمة بدارين، بيوتها عبارة عن أعشاش صغيرة، وهو رجل عصامي، كانت حياته قاسية، وعشق البحر كثيراً، وكان يردد: “أنا أعشق العمل الحر ولم أرغب في العمل مع أي شركة رغم الفرص الذي أتيحت لي”.
أحب “أبو فهد” البحر، واعتاد أهواله، واقترب كثيراً من أصدقاء البحر حسن داوود، حسن القروص، وحسن ابو حسين، وكان يبيع السمك والربيان لدلالي الأسماك المشهورين بالقطيف، وكان يعمل  بـ”القطوعه الشهرية”، إذ لم تكن قيمة ما يبيعه لنفسه.
ويتابع أبو فهد قائلاً: “اشتغلت بحمل الحصى من سنابس إلى رأس تنورة، مستخدماً “اللنج الخشبي”، وكان يدعى بـ “الطِّيران”، بهدف بناء فرضة رأس تنورة الشرقية، وكان عمري 11 سنة، وتعمل معي مجموعة من الشبان من بلدة سنابس وتاروت”. كما عمل على توصيل الناس بـ”اللنج” من دارين إلى البحرين، باللنج الخاص به، وأطلق عليه اسم “الخليج” وكان يستخدم لشراء حاجة الناس.

نقل الحصى من شاطيء سنابس بواسطة المراكب (أرشيف جلال الهارون)

فرضة راس تنورة قبل اكتمالها (أرشيف جلال الهارون)

العمل في أرامكو
عمل “أبو فهد” في أرامكو السعودي، موظف دورية بالليل، بواقع ساعتين عمل، وساعتين راحة، براتب 5 آلاف ريال، وكان وزملاؤه يحملون معهم مواد كيماوية، لرش بقايا الزيت التي تخلفها السفن، واقتصرت مهمته على إزالة وتنظيف هذا الزيت حتى لا تسبب تلوثأً بيئياً في المكان.
ويتحدث “أبو فهد” عن طبيعة الحياة في دارين سابقاً: “كانت دارين شحيحة الماء، وكنا نجلبه باستخدام “عربة الحمار”، من تاروت، وبعدها قام “بن هارون” بتوفير الماء لأهل دارين، ثم جاء “أبو عايشة” ووفر الماء الذي استخدمته نساء الحالة للتروي منه”. ويتذكر أبو فهد قلعة الفيحاني، التي كانت جمرك “سلاح حدود”، ومديرها في ذاك الوقت، أحمد السيد ابراهيم ـ رحمه الله ـ. ويضيف: “عملنا أيضاً بعد الغوص برش المبيدات باستخدام قاري الحمير التابعة لأرامكو، براتب 150 ريالاً في دارين وتاروت والمناطق القريبة، والى الرياض بالسيارة والخفجي والنعيرية”.

يواصل أبو فهد حديثه بحسرة قائلاً: “طلبت مني أرامكو أن أسرح اللنجات من عمل أرامكو، وأواصل عملي معهم، بـ”التك” بدلاً من “اللنج”، لكنني لم أقبل، فقمت بشراء لنج، وعملت عليه بصيد الربيان، بالإضافة إلى لنج الطيران، وهكذا قضيت عمري بعدها في صيد الربيان والسمك وبيعه على تجار السمك بالمنطقة، وتركت الخدمة في أرامكو، والتي قضيت فيها خمس سنوات تقريباً”.

تقسيم المنزل
ويسترجع أبو فهد قصة تقسيم منزل جده بين أبيه وعمه، ويقول: “كنت صغيراً حينما طلب مني جدي “علي” أن آتي بحبل، سألته لماذا؟، قال: “حتى يتم تقسيم منزل العائلة بين عمك خليفة، ووالدك، وكان عمري وقتها 14 عاماً، وجئت بالحبل، ومددته من إحدى زاويا البيت إلى الزاوية الأخرى، وقسمنا المنزل”.
ويذكر أبو فهد قصة ظريفة، بطلتها ابنته سلوى، التي كانت تصاحبه أحياناً في رحلات طلب الرزق الى البحرين عن طريق اللنج. ويقول: “كان هناك رجال ممن يذهبون لشراء حاجياتهم من البحرين، وحينما يصعدون إلى اللنج، كانوا يضعون حاجياتهم الجديدة في أكياس من الخيش، وكانت سلوى طفلة صغيرة، تأخد أكياس الخيش، وترمي بها في عرض البحر، فيبحثون عمَّا شروه فلا يجدونه”.
ويتذكر أبو فهد سعر أول “لنج” أشتراه. ويقول: “كان سعره 12 الف ريال، وسعر مكينته 12 الف ريال، وأطلقت عليه اسم “الطيران”، نسبة إلى نادي الطيران بدارين قديماً. واشتريت “لنج” آخر من البحرين، أسميته “الخليج” بقيمة 50 ألف ريال، وذهبت به للعمل في الجعيمة مع ابراهيم الضامن وآخرين من الربيعية وتاروت”.

ولدى أبي فهد “لنج” آخر سماه “مشهور”، اشتراه من أحمد الضامن من سنابس، وعمل به في منطقة رأس أبوعلي، وكان آخر سفنه، سفينة “التك”، التي سماها بـ”الذوادي”، وكان لديه لنج اسمه “أفراح”، هذه كانت آخر سفنه.

حياة البحر
أما عن حياة الصيد والبحر والغوص في دارين، فيقول أبو فهد: “دارين كانت مليئة بالصيادين والنواخذة، وكانوا يبحرون من كل مكان، دون أن يقول لهم أحد أي شيء، كانوا يمضون ستة أيام في عرض البحر، أما الآن، فلا تتعدى المدة خمسة أيام، ومن يتعداها يتعرض للغرامة”.
ويتذكر أبو فهد قصة خرق اللنج المسمى بـ”التوفيق” وغرقه، ومن ثم اختفائه في قاع البحر. ويقول: “وقع هذا الحادث بالقرب من مملكة البحرين، في منطقة “بحاقول”، وكان يعمل على اللنج 4 أشخاص، تم إنقادهم بطائرة مروحية، وكان الجو في تلك الفترة شديد البرودة، ومكثوا في البحر 25 ساعة تقريباً، وظلوا بالبحرين، إلى أن ذهبت للبحرين وجئت بهم إلى السعودية”.

شيخ الصيادين
ويحكي أبو فهد قصة اختياره شيخاً للصيادين، ويقول إن “الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية سابقاً، استدعاه عن طريق محافظ القطيف آذاك “الشريف” رحمة الله، الذي كان أخبر الأمير أن هناك رجلاً يدعى “خليل الذوادي”، يعد أكبر صيادي المنطقة من دارين ويعلم أسرار البحر، فكان موظفو إمارة الشرقية يتواصلون مع أبي فهد من خلال الخطابات الرسمية بين الإمارة ومحافظة القطيف”.
ويضيف أبو فهد: “علمت بعد ذلك، أن الثروة السمكية بالمنطقة، تريد ترشيح شيخ للصيادين، وتوجهت إلى أصدقائي الصيادين في تاروت والربيعية وسنابس، وسألتهم من يريد أن يكون شيخاً للصيادين ومسؤولاً عنهم بالمنطقة، بناء على طلب من الثروة السمكية، عليه أن يتقدم بأوراق ترشحه، وتقدمت أنا أيضاً، وتم اختياري لأكون شيخاً للصيادين”.
ويضيف: “في هذا الوقت، سأل الأمير محمد بن فهد الشريف “لماذا لم ينافس الصيادون الآخرون على منصب شيخ الصيادين؟، فأخبره الشريف أن خليل الذوادي (أبو فهد) هو أكبرهم، فأصبحت منذ ذلك الوقت ألقب بـ”شيخ الصيادين” في المنطقة، بموافقة الثروة السمكية، وأصبح لدي ختم رسمي، اختم به بالموافقه على خروج الصيادين لصيد الأسماك وخروجهم لصيد الربيان أو لدخول البحر، إلى يومنا هذا”. ويضيف “تبلغ قيمة الترخيص التي تُدفع لي شخصياً 30 ريالاً، وبعضهم يختفون دون دفع مبلغ التوقيع”، وأضاف: “كل خدمات البحر أصبحت عندي، حتى خطابات منع صيد الربيان، كنت أوقعها في دفتر التوقيع”.

اللؤلؤ الكبير

اشتغل “أبو فهد” مع والده ابراهيم، الذي كان نوخذة وغواصاً معروفاً بدارين. ويقول: “كنت أنتظر عودة الغواصين من البحر، وأنا لم أكن أغوص، بل أجلس على ظهر اللنج، أنتظرهم يخرجون من البحر، وكانت مهمتي فتح المحار، والبحث عن اللؤلؤ، والنواخذه لهم اللؤلؤ الكبير، والصيادون يحصلون على اللؤلؤ الصعير، وبعدها يقوم النواخذه بشرائها منهم”.
كانت دارين تعج بالنواخذ، هناك بن هارون وبن فاضل وبن الحمد والبنعلي، وغيرهم الذين يأتون من كل مكان، وكذلك من مملكة البحرين وعمان والكويت وقطر، إذ يفضلون الغوص في دارين، والغوص من الرفيعه إلى الحالة، وكانت هناك لنجات؛ الصغير فوق والكبير في عرض البحر، ويصطفون صفاً واحداً، وفي شهر رمضان يتوقف الغوص، ويخرج الصيادون من البحر، ويسمون هذا الخروج بأنه “قفال”، وفي الشتاء أيضاً يتوقفون عن العمل، وكانت 800 روبية تكفي أسرة الصياد عاماً كاملاً، لذلك كان لا خوف عليهم إذا توقفوا في شهر رمضان والشتاء عن العمل”. وكنت ألبس بشتاً، وأجلس في المجالس أثناء توقف الغوص”.

مواجهة الأخطار

ولا تنسى ذاكر أبي فهد قصة واجه فيها المخاطر مع أفراد أسرته في البحر، ويقول: “علقنا يوماً في عرض البحر أنا أفراد من أسرته والصيادين، بسبب عاصفة واجهتنا عندما خرجنا ليلاً من البحرين، عائدين إلى السعودية، وانقسمنا أنا باللنج، وابني فهد وزوج ابنتي في التك، ومشينا، وإذا بالعواصف والأمطار والرعد قد ههاجمتنا أكثر، إبني فهد وصل إلى ميناء الدمام، لأن “التك” كان أقوى من “اللنج”، وعلقت مع العواصف، وشعرت بالخطورة، كاد فيها النج أن يغرق، وبكيت خوفاً أن أموت في عرض البحر، والحمد لله الذي جعل من نور البرق في السماء نوراً لنا، لنطمئن بأننا وصلنا إلى ميناء الدمام، فقد لاحظناه من بعيد، ومشينا طوال الوقت بدون محرك، وهذا الموقف جعلني أبيع اللنج بـ50 ألف ريال”.

 

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×