محمد العلي يرفض الردّ على “شاتميه”.. ويصف أحدهم بـ “الغوغاء”
القطيف: صُبرة
حسم الكاتب الشاعر محمد العلي موقفه إزاء ردّة الفعل التي انتشرت ضدّه، تعليقاً على رأيٍ قاله حول الإمام المهدي المنتظر، مكتفياً برفضه الردّ على منتقديه. وحسبما نشره صديقه نزار المصطفى؛ فإن العلي اكتفى بقوله “بكل بساطة؛ لو جاء النقد من عالم دين أو مفكّر أو مثقف لنازلته وجادلته وتحاورت معه، وغايتي هي الوصول إلى الحقيقة أو بذل الجهد للاقتراب منها. أما في هذه الصورة فأنا لا أقدر على مناقشة جاهل ولا أستطيع الانحدار إلى هذا المستوى، لأخاطب واحداً من الغوغاء”، على حدّ التعبير الذي جاء في مقالة نشرها المصطفى، اليوم، وحصلت “صُبرة” على نسخةٍ منها، وتنشرها بإذن من كاتبها.
وكان العليّ قد قال في مقطع فيديو انتشر إلكترونياً بأن لديه تحفّظات في مسألة الاعتقاد بولادة الإمام المهدي المنتظر، ليواجه اعتراضات انتشرت صوتياً إزاء تصريحه.
ودافع المصطفى عن العلي بمقالة عنوانها “الغوغاء”.
الغـــوغـاء
نزار المصطفى
“الغوغاء” في القاموس (شيء يشبه البعوض ولا يعض لضعفه، وبه سمي الغوغاء من الناس). إلا أن الغوغاء من الناس أشد خطرا وأعظم فتكا. فهي تثير عليك من وراء ظهرك غبارا من الكذب والافتراء يدل على انعدام الضمير والإحساس وينم عن انتهازية وكيد رخيص. هؤلاء الغوغاء المفلسون في الفكر والمعرفة يتطاولون على قامات العلم والفكر والثقافة، لا بدافع المناظرة وتطوير المستوى المعرفي لهم ولغيرهم، وإنما بدافع الغيظ الذي يقض مضاجعهم بسبب شعورهم بالنقص ورفضهم الاختلاف.
واحد من هذه الوجوه الغوغائية راح يتطاول على الشاعر المعروف والمفكر الحداثي الكبير الأستاذ محمد العلي، حول نقاش مسجل دار بينه وبين صديق عن ممارسات في المذهب الشيعي مطروحة للحوار الفكري اليومي المعتاد بين الناس. وكان سياق ملاحظاته مع ذلك الصديق في حوار بحثي “أكاديمي” متجرد يهدف الى إذكاء ملكة التفكير لدى الفرد وتحفيز الذهن وتطوير محتواه.
غير أننا سمعنا قبل أيام من ذلك الوجه الغوغائي شريطا صوتيا ينتقد تلك الملاحظات ويظهر تحريضا وتشنيعا غير لائق. وصدمنا صدمة شديدة لهذا النقد البذيء والإسفاف المتهالك بحق الأستاذ محمد العلي. والأستاذ محمد العلي يعرفه القاصي قبل الداني، قامة في العلم الأدب، تتلمذ وتخرج من أرقى المدارس والجامعات الشيعية في العراق على يد علماء في الدين أجلاء وبمعية أفضل علماء الشيعة في تلك المرحلة. تمكنت من الاتصال وعرض الشريط على الأستاذ محمد العلي بغرض التعليق وربما الكتابة حول الموضوع. لكن الأستاذ محمد لم يتفاجأ ولم يكترث. قال لنا برزانته المعتادة: بكل بساطة، لو جاء النقد من عالم دين أو مفكر أو مثقف لنازلته وجادلته وتحاورت معه، وغايتي هي الوصول إلى الحقيقة أو بذل الجهد في الاقتراب منها. أما في هذه الصورة فأنا لا أقدر على مناقشة جاهل ولا أستطيع الانحدار لهذا المستوى لأخاطب واحدا من “الغوغاء” ولا يعنيني الرد عليه. إن مَثلي معه كمثل الشاعر حيث يقول:
( عليّ أخذ القوافي من معادنها وما عليّ إذا لم تفهم البقر )
لم نكن بحاجة منه إلى تبرير أو تفسير لتلك “المآخذ” المزيفة على الأستاذ، لكنه أردف قائلا: أما عن الأئمة فلسنا في حاجة إلى تكرار أمجادهم وأدوارهم البطولية والفكرية المعروفة. ولو فتحنا ذلك الباب في تلك العجالة لما وسعنا الوقت لسرد التاريخ الحافل للإمام علي في نصرة الإسلام والدفاع عنه، ناهيك عن أدوار باقي الأئمة في الذود عن الدين ونصرته. ولأن الحوار كان في الإطار الفكري الأدبي، فقد قلت: إن الإمام علي (ع) قد ترك لنا نهج البلاغة، والإمام الحسن (ع) كان مشغولا بفتن معاوية وحقن دماء المسلمين، أما الإمام الحسين (ع) فكانت شهادته في كربلاء علامة فارقة في مقاومة الظلم والطغيان، كما ترك الإمام الصادق (ع) مدرسة فكرية عظيمة تخرّج منها الشافعي وجابر بن حيان وغيرهم كثر. ثم قال: في نفس السياق الفكري أتساءل عن سر التعتيم أو الإهمال الذي يغلف ما قدمه الأئمة الآخرون عليهم السلام. وهو تساؤل فكري ليس بجديد يطرحه كثير من العلماء الأجلاء الباحثون والمنقبون في التراث لهذا المذهب الغني، ليس جهلا بأدوارهم عليهم السلام وإنما بقصد التوجه نحو الدراسات التي قد تفتح آفاقا جديدة على ما حجب من فكر الأئمة الآخرين وامتدادا لمراجعات أولئك العلماء الأفذاذ السابقين في الدين والمذهب. وأضاف الأستاذ محمد: أنا حقيقة أميل إلى رأي معتبر بين الفقهاء يقول إن الإمام المهدي (ع) لم يولد بعد وهذا لا يتعارض مع جوهر الموضوع أن الإمام المهدي سوف يظهر ليحقق الهداية، وهو ليس رأي جديد وليس بدعة في المعرفة، بل هو رأي كوكبة من العلماء الأجلاء، ويمكن الرجوع إلى مختصر البحث الذي وضعه العلامة الحيدري في هذا المجال. أما من يعتقد أن الإمام المهدي (ع) ولد وغاب، وهو الرأي الشائع بين العلماء والعامة، فهو أيضا رأي محترم ومقدر.
واسترسل الأستاذ محمد فقال: لقد كتبت فى الإمام الحسين (ع) قصيدة يشهد لها الشعراء ونقاد الشعر، من ضمنها هذين البيتين:
غير أني وردت سفحك أجني من ينابيعه انبثاق صباح
وعيونا نرى بها فالتي نملك ليست تجيد غير النواح
وقد ألقيتها فى حفل مهيب فى النجف، كانت حاضرة فيه حشود من العلماء والفقهاء والشعراء، ومنهم الشيخ الوائلي الذي راح يقرأ أجزاء منها على المنبر فى مجالسه. ولم يستنكر واحد منهم البيت الثاني الذي معناه ــ لمن لا يفهم الشعر ــ أننا نقتبس ونستلهم منك ياحسين عيونا ترى الحق من الباطل، لا عيونا تمطر الدموع بكاء، ليس إلا. كم هو محزن ومؤلم أن يأتي متطفل على الشعر وغريب على الشعراء يستنكر هذا البيت!
ثم أردف: لا أريد هنا أن أعيد ثنائية أبي تمام (لم لا تَقول ما يُفهم؟ – لم لا تَفهم ما يقال؟) بل أضع أمام هذه العجالة ما قاله ابن خلدون، قبل قرون: (ومن الأسباب المقتضية للكذب فى الأخبار الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع (…) أما الأخبار عن الواقعات فلا بد من صدقها من اعتبار المطابقة).
الأستاذ محمد العلي غني عن التعريف. هو ناقد دقيق وباحث عميق واسع الإطلاع، يسبر أغوار كل موضوع بلا حدود ولا تحفظات ويحاول إرجاع الأمور الى أسسها الفعلية دون إسفاف أو مبالغالت أو مغالطات مسيئة لأي مذهب أو دين، ناهيك عن المذهب الشيعي أو أئمة المذهب الشيعي عليهم السلام، بل هو يتمنى أن يسمو الجميع بأنفسهم نحو صورة واقعية جميلة يحترمها القريب والبعيد.
خل يعتقد كما يشاء العلماء ورجال الدين نش فاضيين لجاهل ليردوا عليه والا كل يوم يردوا على آلاف اشكاله