9 ملاحظات أساسية في مجموعة “مقعد ونافذة” لبهية القيصوم
أيمن العمران
بين يدي ديوان “مَقْعَدٌ ونافِذة”، للشاعرة بهية القيصوم، بصفحاته الفردية والذي ينفرد عن غيره من الدواوين الأدبية وهو من القطع المتوسط وبطبعته الأولى.
قرأته و وجدت ما ينبغي الالتفات إليه بقراءة يسيرة و وقفات قصيرة.
سيكون ترتيب الملاحظات بحسب ترتيب الصفحات وهذا تشتيتٌ مني وعدمُ تركيزٍ فيما هو شأن ترتيب علمَيْ العروض والقافية والذي يبدأ بنبذة عن الكتابة العروضية ليتدرج بعدها للمقاطع العروضية ومايعتريها من متغيرات من زحاف وعلة إلى أن يصل إلى القوافي وهو الآخر مستقل بحد ذاته.
و لاينبغي صب الجهد بأكمله لتعلم كل هذا بل هو من طباع السليقة وطباع الأذن الموسيقية التي تميز الحسن والقبيح والجيد والرديء، وينبغي أخذ أسسه أو فكرة شاملة منه حتى نصقل مالدينا، لتكوين مهارة كتابية جيدة.
فعلم العروض لم يُقعَّد إلا بعد فترة طويلة؛ فشعراء الجاهلية كما في الأخبار، ينظمون الشعر سليقةً من دون الرجوع لأسس وقواعد بل كان اعتماد التحكيم الأدبي آنذاك راجعًا إلى الحس الرفيع والأذن الحساسة وهو ما بُني عليه سوق عكاظ في الجاهلية آنذاك.
وتُطوى السنون فنرى مفخرة العرب وحافظ لغتهم الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله-، يضع الأسس ويُحْكِم حلقاتها ويقعِّد ما تتبعه ممن سبقه، ليخرج لنا بباكورة نفيسة وفريدة من نوعها، عُدَّ ذلك إنجازًا كبيرًا وإضافةً غير مسبوقة في العربية، فتدارسه كبار القوم من اللغويين وتناقلوه وحسَّنوا، و ربما تداركوا الشيء اليسير -لعلي أسميه “نبشَ”-، مالم تره العين بين طيات الكتب فتناقلوه شفهيًّا من مؤسسه، وأثبتوه في مؤلفاتهم كما فعل ابن عبد ربه.
ونظير هذا الجهد والتوافق التام بين مؤسس العروض وطلبته وحملهم إياه على حسن ظن، لم ينفك البعض ممن عارضه جزئيًّا أو كليًّا فنرى تلميذ الفراهيدي “الأخفش”، يخالف أستاذه في جزئيات منها على سبيل المثال لا الحصر “خلافه مع متغيرات المقاطع من زحاف وعلة، فيرى الخليل قبح حذف الساكن السابع من التفاعيل السباعية بينما يراه تلميذه حسنًا كما أنه تجاوز المسميات للمتغيرات وأغفلها عمدًا إذ كانت مثبتة في عهد المؤسس.
وهناك من عارضه كليًّا كما يُذكر في موقف أبي العتاهية عندما نظم أبياتًا هي خارجة عن المتعارف والمألوف فقالوا له: خرجتَ عن العروض! فأجاب: أنا أكبر من العروض.
ويقول الجاحظ في ذم العروض: “هي علم مُوَلّد، وأدب مستَبْرد، ومذهب مرفوض، وكلام مجهول، يستنكر العقل بمستفعلن وفعول، من غير فائدة ولا محصول…”
ولما وضع الخليل كتاب العروض، وأعمل فكره في تقطيع الأبيات وفك الدوائر دخل عليه أخوه وهو مكب على دائرة خطها وجعلها نصب عينيه وهو يعالج فكها بأجزاء التفعيل نادى قومه فقال: هلموا فقد جُن الخليل.
وينقل لي أحد الدكاترة والمحققين والمهتمين بهذا العلم أن أحدًا جاءه وقال: سأخترع علمًا يضاهي علم الخليل غير النافع، فرد عليه، عندما تخترعه ويضاهي العروض سأتبعك.
خلق هذا الأمر فجوة كبيرة في عدم الاهتمام بهذا العلم وسبب نفرة للبعض فتجاوزوه جهلًا منهم، و وسموه بالجمود والتقييد، مما أوقع البعض في إشكالات عروضية جلية وخفية، كابن أبي ربيعة حينما مازج نوعين من البحر الكامل في قصيدة عمودية واحدة فأخلَّ بوحدتها وهو مايُعَبَّرُ عنه بالإقعاد. وغيره من الشعراء المتقدمين والمتأخرين ممن وقع في السهو العروضي ونتيجة هذا؛ راح البعض يبرر إسهاءهم بزجه في الضرائر الشعرية مفرعين فيه مابين ضرورة حسنة وأخرى قبيحة.
وعلى هذه المقدمة آمل أني قد شرحت وجهة نظري فيما سأبينه حال قراءتي الديوان، على أمل أن أوفق في إثارة شيء ما.
قبل البدء لابد من الإشارة إلى:
1- من العادة التي جرت عند المؤلف في مجتمعاتنا، أن يقوم باستعراض نتاجه على عدة أشخاص كل بحسب تخصصه وفهمه واطلاعه، فالشاعر يعرض نتاجه على اللغوي لتوجيه ما يراه مناسبًا وتصحيح ماغاب عنه أثناء الكتابة، وللشاعر حينها قبوله من عدمه.
2- تنسيق الديوان مهم جدًّا، ويأتي التنسيق في عدة نقاط، منها:
- علامات الترقيم، وهذا مافقدته أثناء القراءة.
- تنسيق بعض القصائد، وصَفُّ الأبيات.
- تشكيل بعض الكلمات التي قد يُلتبس فيها حال قراءتها، فقد بدا لي بعضها غير واضح حتى أني قرأت بعضها بأكثر من قراءة وهذا متعب بالنسبة لي، وهناك ما وقع سهوًا في التشكيل؛ فقد بدت بعض الأحرف مزخرفة بشكل غير مقبول وشاذ للناظر والقارئ.
3- اشتمل الديوان على قصائد عدة من بحور معدودة، بموسيقى سهلة ومعهودة، تكاد تكون برتم واحد لولا تعدد التفاعيل وتباعد النغم المنبعث منها فكان للبسيط نصيبه الأكبر من الديوان يليه الكامل وبعده الرمل والمتقارب ويلي ذلك الطويل بقصيدة يتيمة وللوافر الأصيل غير المقطوف مكان كذلك… إلخ، واقتصار الديوان فيها جعلني في حيرة، فتارة أُكبر هذه المحدودية في استخدام بعض الأبحر الشائعة وأخرى أراها بخسًا في عدم الغوص في لججها والتي تزخر -البحور-، بروائع مثالية كالمقتضب والمنسرح والخفيف مما ندر النظم عليه قديمًا لدواع وأسباب علني أذكرها لاحقًا.
4- علاقة عنوان الديوان بمحتواه أراه يشمل القصائد المعنونة، إلا أن تلك القصائد عند قراءتي بعضها لم تكن تمثل إلا جزءًا يسيرًا، كالإشارة إلى كتاب هتلر (كفاحي)، فهذا الكتاب هو سيرة وهو بعيد عن محتوى القصيدة المنظومة.
5- اختلاس الحركة وإشباعها وجهتان لعملة واحدة وقد وقعتُ على عدد من هذا في الديوان. ففي ص٧ من قصيدة “سمفونية الأدباء” وهي من البحر الوافر التام في لفظة “القوافي”، إذ لايستقيم الوزن هنا إلا باختلاس الياء من الكلمة لتكون “القوافِ”، وهذا مما لايجوز وهو تعدٍّ على اللغة، والتعدي على اللغة على حساب الوزن غير مسوغ للشاعر استخدامه وهو بعيد عن”يجوز للشاعر ما لايجوز لغيره” فإن اختلسنا الحركة كسبنا الوزن وخسرنا اللغة والعكس صحيح، كذلك في ص29 من كلمة “الأماني”، إذ لايستقيم الوزن إلا باختلاس أو حذف الياء منها لتصبح “الأمانِ” وهذا غير جائز كما سبق ذكره، والملاحظة نفسها في ص31 “أبقى” لتصبح “أبقَ” وهو غير مسوغ لعدم وجود الجازم هنا، وفي ص37 كلمة “المزكى” لتصبح “المزكَّ”، ص91 “تدوي” لتصبح “تدوِ”، وفي ص92 “اللاتي” لتصبح “اللاتِ”، وفي ص109 “ندري” لتصبح “ندرِ”، وفي ص122 “الليالي” لتصبح “الليالِ”..
وفي شأن إشباع الحرف وهو الوجه الآخر للاختلاس غير المبرر ففي ص12 في كلمة “عينك” إذ لايستقيم الوزن إلا بإشباعها لتصبح “عينكي”، وفي ص13 في كلمة “خطوك” لتصبح “خطوكي”، وفي ص22 في كلمة “تعثرك” لتصبح “تعثركي”، وفي ص27 “تاريخك” لتصبح “تاريخكي”، وفي ص37 “ثغرك” لتصبح “ثغركي” وفي ص109 “بسمتكِ” لتصبح “بسمتكي”.
هذا ويذكر مثلها ابن عصفور الإشبيلي في كتابه “الضرائر”، في باب النقص والزيادة، غير أنَّ الشواهد المثبتة وإن كانت ممن يؤخذ عنهم فهي غير جائزة للمولدين، وهذا ماسوف أطلق عليه مجازًا “بالكسر الخفي” إذ لايلتفت لمثل هذا إلا المتخصص في هذا العلم.
وقد أوردتُ شواهد من الديوان على الخروج أو الكسور الوزنية وهو ما سأطلق عليه “بالكسر الجلي”، ففي ص47 قولكِ: “تداول العارفون الشرح السيرُ” فيه إخلال في الوزن وعدم ضبط مما يجعله غير متزن مع بقية الأبيات، إضافة إلى هذا ففيه اختلاف حركة الروي وهذا ما سأشرحه في النقاط التالية، ففي ص56 القصيدة من البحر الطويل حيث بدا مطلعها مكسورًا، وفي ص69 قولكِ: “حي على السواد”، ففيه خروج واضح وهو كسر في الوزن، وفي ص75 قولكِ: “لاحجر وطينا”، ففيه خروج عن بقية الأبيات وسيأتي الحديث عنه، وفي ص80 قولكِ: “ترابط عتمة بزحام الليل”، أيضًا كما الملاحظات أعلاه، وفي ص84 قولكِ: “أأروع من أكون انثيال”، وفي ص89 قولكِ: “رابط الجأش فيما حارت الفكر”، وفي ص125 قولكِ في الأبيات التي تبدأ بـ”أردده” فهي مكسورة لعدم انسجامها مع بقية الأبيات.
6- أود الإشارة هنا إلى خلاصة في القافية، وقد اختلف علماء اللغة في تحديد وتعريف القافية ولا ضير بأن أبين مذهبًا واحدًا وهو الأجود والأشمل وهو مذهب الخليل في تحديد القافية إذ يعرِّفها لنا: بأنها آخر ساكن يسبقه ساكن قبله متحرك، وهذا التعريف الشامل للقافية يمكنُّنا من معرفة قافية القصيدة والتي نحن بصدد ذكر شيء منها قد وقع سهوًا، ففي ص7 جاءت القصيدة بقافية مقيدة واشتملت على الروي “الهاء”، ودخول كلمة “موسيقى”، ضمن سياق القافية أخلَّ بوحدتها وهي الأخرى قافية منفردة عن سابقتها فالروي فيها “الألف”،وبالتالي صار لدينا قافيتان وهذا إخلال بالوحدة في القصيدة العمودية. والوحدة القافوية إضافة إلى توحيد حرف الروي لابد من توحيد حركته الإعرابية إذ لايجوز الجمع بين أكثر من حركة واحدة، وفي هذا وجدتُ في بعض القصائد ما اختل في وحدتها، منها: ماجاء في ص17 في قولك: “وتهب من أصداي عذب نسائم”، فمن الملاحظ أن القصيدة كانت بروي الميم المضموم، لكن هنا اختل وأصبح مكسورًا وهو مايعبر عنه بالإقعاد وهو اختلاف حركة الروي المطلق، وفي ص57 قولكِ: “وزفي حبيبي فهو بالهم مثقل”، ويلاحظ أن روي الأبيات جاء مكسورًا، إلا أنه هنا جاء مضمومًا كذلك في “تأمل” فهي مرفوعة، وفي ص83 قولكِ: “وآذانهم صم لم تسمعه” وهنا من حق العين السكون وبها تخرج القافية عن مسارها، وفي ص99 قولكِ: “تمزق الورد مذ ذاك الوريد فرَوْا”، وهذا خروج عن الوزن فهناك اختلاف مابين حروف اللين وحروف المد، والاختلافات بينهما شاسع، وقد كتبتُ بحثًا مطولًا عن هذا، ويمكنك الرجوع إلى مسائل اللين والمد في المصادر اللغوية، وفي ص131 قولكِ: “غاباتها غجرية الصفصافا”، فمن حق الكلمة الكسر “الصفصافِ”.
7- موضع العروض -آخر تفعيلة من الصدر-، موضع حساس جدًا وهو ساكن الحرف غير مسكَّن، وقد يجيء متحركًا في البحور التي تقبل الزحاف، وبالطبع الوافر ليس منها، فعروض الوافر لازم ولايجوز مزاحفته ودائمًا مايكون “فعولن”، وكلمة “محتواك”، غير موفقة فعند إشباعنا الكاف يتولد لدينا حرف الياء المسكن عمدًا وبه يستقيم الوزن، وهو بحد ذاته غير جائز لماسبق ذكره في أن العروض ساكن الحرف غير مسكَّن، وهنالك العديد مثل هذا الخلل، فنرى في ص37 في كلمة “الزكاة”، ص38 “الوجود”، “البراق”، ص39 “انحناء”، ص47 “يانجف”، ص50 “والسحر”، ص61 “السؤال”، ص95 “ههناك”، “الإله”، “نار”، “هواه”، ص103 “الأنين”، “الفراق”، ص128 “الذي قرّا”، ص45 “المؤمنين، وفي ص80 “رفضت” …إلخ
8- أخطاء مطبعية: وهي كثيرة أحصيت عددًا لا بأس منها وتركت البقية لئلا يطول بنا المقام، ص13 ضوءها = ضوؤها، أكتملا = اكتملا، ص14 الآله = الإله، إنتقاه = انتقاه، اعرف = أعرف، ولذى = ولذا، انني = إنني، ادري = أدري، ص17 أسمه = اسمه، ص27 مثثلت = مثلت، ص31 وأعصري = واعصري، ص32 الأسفين = الإسفين، ص39 إنتهاء = انتهاء، ص43 الالوان = الألوان، او = أو، ص54 أحتضنته = احتضنته، ص49 اسمعتها = أسمعتها، ص50 أشياءِه = أشيائه، ص54 أيدهم = أيديهم، ص56 أتآك = أتاك، ص57 بإنتظار = بانتظار، ص62 ترآئت = تراءت، ص65 الارض = الأرض، ص80 ايتام = أيتام، اما = أما، ص81 المرآيا = المرايا، وبسم = وباسم، ص83 وآذآنهم = وآذانهم، ان = أن، ص89 مزدرجر = مزدجر، ص92 اللآتي = الآتي، ص100 السنبن = السنين، هذة = هذه، ص108 إحتضانا = احتضانا، ص111 أنتهينا = انتهينا، تناميتي = تناميت، ص132 اعطيه = أعطيه، الاسفافا = الإسفافا
9- متغيرات غير مستساغة: في قصيدة “تاروت” ص١١ تقول الشاعرة: “حضارة خبأتك في مجاهلها”، هنا يرى البعض عدم جواز مزاحفة “مستفعلن” الثالثة والسابعة من البسيط ويعتبره إخلالًا بالوزن وهكذا جرت عندهم العادة؛ لكنه وعلى كل حال ينتفي بالشواهد القديمة كمعلقة الأعشى غير أن الأذن تمج هذا اللون من الزحاف وأرى ألا تزاحف والحكم لكم، كذلك نفس الكلام للشطرين اللذين يليه.
10- عند النظم على بحر ما ينبغي الالتفات إلى أنه لابد لنا من اختيار شكل واحد وعدم المزج بين شكلين، فأشكال البحور متولدة من علة لازمة يجب أخذها في عين الاعتبار.
كل هذا لايخل بثقل شاعرتنا الأستاذة “بهية القيصوم”، وماذكرته قد يرد عند المتمرس، أغفلتُ أجزاء كثيرة حتى لا أطيل عليكم في هذه الوقفة المتعجلة، على أمل أن نرى نتاجًا آخرًا ملؤه الإبداع.