تراث القطيف الأصيل.. وتراثها المستورد..!

حبيب محمود

بعد أربعة أجيال، أو خمسة، أو ستة، سوف يظهر من يُصرُّ على أن النقاب موروثٌ قطيفيٌّ، ودليله هو مشاهدة جدته وأمه وخالاته. وسوف يُشاهَد ـ بعد أجيال ـ من يظنُّ أن “الشماغ” الأحمر من صلب تراثنا القديم. ومعه العقال الأسود.. المدوَّر..! سوف يظهر، أيضاً، من يرى أن توزيع “الباقلاء” في أيام شهر محرم كذلك..!

كثيرٌ من أنماط حياتنا الراهنة؛ سوف تأخذ مكانها من تصوُّرات الأجيال الآتية، لتترسّخ بصفتها جزءاً من موروث الإنسان السابق في هذه الأرض.

فهم الموروث من أكثر القضايا حسّاسية وتعقيداً. كلُّ جيل يضع معيار المشاهدة المحدودة فحسب، دون بذل جهدٍ في محاولة فهم أن التراث الموجود في أي بقعة في العالم؛ قد لا يكون من الأرض نفسها. بل هو مجلوبٌ من خارجها في ظرفٍ من الظروف السياسية أو الاجتماعية، بل والثقافية أيضاً.

إذا بلّغنا الله حياة أطول؛ فإن علينا ألّا نُصدَم حين يظهر لنا جيلٌ يُدافع عن البنطلون والـ “تي شيرت” بوصفهما من تراثنا المحلّي، بل ومن تراث الفلّاحين أيضاً. والأدلة موجودة في إنتاج الفوتوغرافيين اليوم. كثيرٌ من الفلاحين “الشيّاب” يرتدون بنطلونات وأقمصة أثناء عملهم في النخيل..!

وقبل أربعة عقود فقط؛ كان ارتداء هذه الملابس نوعاً من “لباس الشهرة”، كما يقول الفقهاء. ولم يكن يُعذر في ارتدائه إلا “كولية أرامكو” ومن في حكمهم.

ومثل ذلك عباءة الرأس التي لم تعرفها نساء القطيف إلا في خمسينيات القرن الماضي. وكان ارتداؤها سبباً في النيل من السمعة. بل وذهب التشنُّج الاجتماعي ـ في البداية ـ إلى إطلاق أوصاف قبيحة على كل من ترتدي عباءة. إلا أن واقعنا الراهن يذهب إلى العكس مما كان عليه الأمر في بداية ظهورها. المحافظون يدافعون عنها باستماتة، من زاوية فقهية صارمة، ومن زاوية اجتماعية لا تقل صرامة..!

وقد جاءت العباءة من العراق الذي تربطنا به أواصر كثيرة. هناك تشابك سكاني معقد بين القطيف والجنوب العراقي تحديداً. وفي مراحل تاريخية سابقة ـ ولاحقة أيضاً ـ تسرّبت الثقافة العراقية إلينا فأثّرت فينا. هذا التشابك شمل الأزياء ونمط الحياة وألواناً من الطعام، بل وامتدّ إلى الألسنة والأمثال والحكم، حتى بات صعباً على الأجيال الجديدة، والقديمة نسبياً، أن تُميّز ما هو قطيفي عمّا هو مستورد..!

الشعوب المتجاورة والمتقاربة تتبادل الثقافات، وهناك شعوب أكثر تأثيراً من غيرها، وهناك شعوب تتلقّى ثقافات، وهناك شعوب تُنتج ثقافات. ونحن، في القطيف، نتلقّى أكثر مما نُنتج، ومع مرور الزمن؛ نتوهّمُ أننا نُنتج أكثر، وندافع عمّا استوردناه لأنه “من إنتاج تراثنا”..!

نقطة ملاحظة:

كلمة “أبِيْ، تِبي، يبون” التي تعني “أريد”، باتت جزءاً من لهجة سكان القطيف، وعلى نطاق واسع. هذا كله مع وجود بدائل عامية لدى سكان القطيف، هناك: أبغى، أمْبى، أبّىْ”.

لكن كثيراً من القطيفيين يحلو لهم أن يقولوا “أبي”.. بهذا المثال الصغير يُمكننا أن نفهم أننا نتلقّى الثقافة أكثر مما نُنتجها..!

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×