حول المحرر الخفي
زكي الصدير* |
في مقال قديم لعبده وازن تحت عنوان «المحرر الخفي» تحدث فيه بشيء من السخرية المواربة عن أهمية التدقيق اللغوي والمراجعة الإملائية والأسلوبية من قِبَلِ دور النشر قبل طباعة الكتب، وذلك بسبب استفحال الأخطاء التي لا يمكن تجاوزها أو إهمالها. مشيراً إلى ضرورة توفّر «المحرر الخفي»، معتبراً ذلك لا يتناقض مع نرجسية الأديب العربي المتضخمة، مستشهداً بالمحرر الذي كان يلازم جونتر جراس.
ربما أتفهّم ذلك من جراس، ومن مستغانمي مع سعدي يوسف، ومن سميح القاسم مع درويش، ومن إدوارد سعيد الذي أشار ذات مرة في إحدى مقابلاته بأنه يسلّم مقالته دون مراجعتها للسكرتيرة التي تجتهد هي بدورها على كتابة المقالة بصورتها النهائية قبل دفعها للنشر. ربما أتفهم ذلك، فهو أمر وارد، ومطلوب أحياناً. ولكن، من غير الطبيعي أن يقوم «المحرر الخفي» بإعادة صناعة المقالة أو الرواية أو القصيدة وخلقها بالكامل وكأنها لا تمتّ بصلة تذكر إلى طينتها الأولى التي تشكّلت منها!.
الأمر مضحك. مضحك إلى درجة أنّ أحدهم قرأ مسوّدة روايته على شكل «بروفة» أولية بعد المراجعة من قبل «المحرر الخفي» فلم يعرف أنها له!.
أعتقد أنه ليس علينا أن نلوم دور النشر –كما فعل وازن- على كونها لا تدقق الأعمال المنشورة لغوياً، إنما علينا أن نلومها –في الأصل- على طباعتها للعمل. فالتدقيق –هنا- جريمة وتدليس وخيانة في حق المتلقي، خصوصاً إذا كانت هذه الأعمال المطبوعة غير قادرة على صناعة نصٍ متماسكٍ على مستوى اللغة فضلاً عن مستويات أخرى أكثر عمقاً.
_____________
*من صفحته على الفيس بوك.