القُمبار مهنة وكشتة بحرية

حسن دعبل

الخبر المفرح هو الذي تناولته بعض الصحف المحلية، قبل أيام بفسح صيد القمبار.

مرّ الخبر بشارة، وبُشرى لأصحاب المهنة؛ بُشرى للحنين لمن جاور البحر، وشَاقته مصابيح الليل وضاءة منيرة، وأصوات تناجي الماء، وسحَر البحر في قاعه وجري الأسماك.

القُمبار مهنة بدائية، ربما يرجعها البعض، أو ممّن يشطح بهم التأويل، إلى الفالة السومرية في منطقة الأهوار جنوب العراق، والتي تُستخدم لصيد الأسماك.

والقُمبار لا يشبه أي مهنة بحرية أخرى، وحتى أوقاته معدودة في ليالي الشهر، وحساباته، وولادة قمره وغيابه.

تلك حسابات بيئية خالصة لأصحاب المهنة، وليالي منتظرة، ومرتقبة. فلا اختلاف في ليالي الصيف والشتاء في الحسابات. ربما مألوفة عند البعض في ليالي الصيف، لكنها تُمارس أيضاً طوال ليالي السنة.

أما أسماك الشتاء فتختلف عن أسماك القيظ، حسب “لِدخول ولِطلوع” في حسابات أهل البحر، أو أهل المهنة والصنعة، وأكل مطابخهم وطبيخهم؛ والمهن البحرية غير المُتعارفة، وهجرة الأسماك من الأسياف إلى الدفء، والعكس بمواسمه.

والقمبار لمن لم تطأ قدمه الماء، ولم تُوجعه إبرة سمكة الصافي الناعمة بوخزتها، وتبكيه أحياناً، يحسبها رياضة مشي سائرة، حسب جريان الماء والماية.

فبحار القُمبار يخوض في بقعة، وينتهي به التعب في بقعة أخرى بعيدة. وعكسها تماماً حسب المدّ والجزر؛ وحركة الأسماك وتنوعها، والتي يعرفها أصحاب المهنة بفطرتهم، وخبرةٍ اكتسبوها من أسلافهم. ربما تجدهم كُسالى، أخذ المَلل بهم وأنعسهم، وهم يراقبون “الماية” مُشمِلة؛ لكنّ قلقهم يتبدد، وهو يحثون همتهم وخطاهم على رشة الماية، مُتلقين أسماكها السابحة بالدوران.

المهنة بعد الانقطاع الذي طالها، لم تُنس من البعض، أو من انتظر كل هذه السنوات حالماً بعودتها، ولو بقوانين لم يتعودها، أو ربما تطالها بعض التبدلات في كيفية ممارستها؛ وحتى في الأوقات والليالي، وحسابات “السّون” من ليالي أيامها. المهنة واحدة من المهن الصغيرة، أو مهن السّيف التي لا تحتاج إلى قارب صيد وبحارة.

والمهنة مُتاحة لكل كائن رماه قدره بولادةٍ قرب البحر وأسيافه، فيرضع حليبها مالح الماء، ويشّب مُسمّراً بشمسها، ولهيبها وكوس الهبوب.

والمهنة مُكمّلة لمهن أخرى، تناست ونُسيت، كا المِريل، والحضور، وغيرها من المهن اليومية في الأسياف. وحتى لو يحسبها البعض مهنة للتسلية أو كشتة عُطلٍ، لكنها مصدر رزق للأسر المتعففة البسيطة.

المهنة ومع أبواب الصيف ولهيبها، ونسمات لياليها البحرية ورطوبتها. أصحابها بانتظار اكتمال سونه، قبل محاقه وغيابه، وولادة قانون صيد القمبار، وعودة الأنوار مضيئة في بحر طال انتظار صيده، القُمبار بحنين.

** والقُمبار هي حِبال ليف جوز الهند، الشبيهة بليف النخيل المتكاثرة في الأسياف وجزرها البحرية، وهي نفس اللّيف أو القطن المستعمل في مهنة القلاليف لوشار، وصيانة السفن الخشبية القديمة، أو ما يُسمى ب”لِتكلّفت”.

القُمبار وليالي السّون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×