يواجهون الإعاقة بالجدارة.. في مجتمع يساندهم: “لستم وحدكم” يومان من العمل الاجتماعي في صفوى يؤكدان نجاحات ذوي الاحتياجات الخاصة

صفوى: أمل سعيد

على طاولة مستديرة؛ جلس حسن سليمان الفارس وأمامه آلة كتابة بلغة برايل. وعن يمينه جلس أحمد العلوان. كلاهما من مركز رعاية المكفوفين بالقطيف. وكلٌّ منهما يمثّل جيلاً مختلفاً. الأول يستخدم 7 مفاتيح للكتابة بلغة “برايل”، والآخر يستخدم “لابتوب” حديثاً. فقد البصر لا يُعيق النجاح، هذا ما بدا عليه الرجلان في ركن مركز المكفوفين، ضمن 18 ركناً مشاركاً في برنامج “لستَ وحدك” الذي تنظمه لجنة التنمية الاجتماعية بصفوى، وبدأت فعّالياته مساء البارحة بمدينة صفوى، وتنتهي مساء اليوم الاثنين.

أركان

في ردهة البرنامج؛ اصطفّت الأركان لتعرّف عن نفسها، وتؤكد أنها “ليست وحدها” في الميدان، وليست وحدها في التجربة التي يخوضها ذوو الاحتياجات الخاصة الذين فقدوا نعمةً من النعم، لكنهم نجحوا في تعويض ما فقدوه بإنجازات فوق العادة.

إنها أركان لمؤسسات معنية بذوي الاحتياجات الخاصة، مثل مركز التأهيل الشامل بالدمام، مركز إيلاف بصفوى، مركز زهور المستقبل بتاروت، جمعيات خيرية.. وضمنها مؤسسات صحية، وضمنها أيضاً أركان لذوي تجارب من الفئة نفسها. ووسط الأركان أحاط سياجٌ بالمسرح، وعلى خشبته سُردت قصص نجاح، ونوقشت قضايا ومُشكلات. وفي الجولة الأولى من البرنامج تقاربت الأفكار عبر التحاور والمشاهدة المباشرة. هناك فئات في المجتمع في حاجة إلى أن تكون أكثر اندماجاً فيه. الإعاقات التي حملها بعضنا في المجتمع لا مبرّر لها لتجعل ذوي الاحتياجات معزولين.. إنهم مثلنا، بل إن بعضهم من يفوقنا نشاطاً وعطاءً.. إنها ـ باختصار ـ رسالة البرنامج إلى المجتمع، رسالة تقول لذوي الاحتياجات الخاصة “لستم وحدكم”..!

حكايات وتفكير

وفي فعّاليات البارحة؛ حلّت التجارب إلى جانب التفكير.. قصة نجاح رقية آل عجاج الكفيفة التي وصلت إلى مرحلة دراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، تلتها مناقشة قدمها مركز التأهيل الشامل بالدمام، للتعريف بحقوق ذوي الهمم، ثم جاءت حكاية أمل علي آل نصفان، فمناقشة حول مشاكل حاسة السمع وحلولها، ثم قصة نجاح داوود آل سالم مع مشكلة التوحد. والفقرة الأخيرة في المسرح كانت “مسرحية هُمام”.

كان كل شيء يحوم حول وعي المجتمع..

علوية السادة

وهذا ما أكّدته علوية السادة، الشابة المُصابة بمشكلة سمعية، وقادتها مشكلتها إلى التخصص في دراسة ذوي الإعاقات.. وقد ألّفت قصة أطفال في هذا الموضوع.. قالت علوية “أتمنى أن يزداد وعي المجتمع بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، والخطوة الأولى لذلك هي توجيه الخطاب للأطفال سواء الأصحاء أو ذوي الإعاقة، فالأصحاء يجب أن يتربوا على تقبل الاختلاف، أما ذوو الاحتياجات الخاصة؛ فعليهم بقبول أنفسهم وتجاوز الإعاقة الجسدية، لذا فكرت بأن أكتب قصة  تتحدث عن الإعاقة وتخاطب ذهنية الطفل، وكانت النتيجة قصة قصيرة بعنوان “وي وي” تناسب الأطفال من سن 4 إلى 7 سنوات وهي باللغتين العربية والإنجليزية.

زهراء الأبيض

أما زهراء ياسر الأبيض فقد ولدت سنة 1994، ولها أخت توأم، وشاء الله أن تولد بإعاقة حركية نتيجة نقص أوكسجين أثر في خلايا الدماغ، مما أدى إلى ضعف في الأطراف العليا والسفلى.. تقول زهراء “أجريت عدة عمليات منذ طفولتي واستمر العلاج الطبيعي مرافقا لي”. وتتحدث زهراء عن مساندة العائلة “كانت أختي تساعدني في كل أموري سواء في البيت أو المدرسة، وأهلي كذلك كانوا عوناً لي”.

وعن كتابها “رويدك لا توصد الأبواب”؛ تقول “اكتشفت في نفسي رغبة الكتابة وأنا في 13 من عمري، فكنت أكتب عن كل موقف أمر به ويؤثر فيّ، وكل خاطرة تعبرني، وكنت أنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان ذلك بداية شعوري بأني أمتلك هذه الموهبة، حيث كان إقبال الناس على كتاباتي مؤشراً إلى نجاحي ككاتبة، بعدها قررت أن أخطو خطوة أكبر، خطوة تثبت أني ناجحة رغم كل الصعوبات التي تواجهني، فكان “رويدك لا توصد الأبواب” ثمرة ذاك التحدي والإصرار”.

وكما تصف كتابها فإنه عبارة عن نصوص تشكل توليفة من الأمل والحب والإنجاز.

في سن الخامسة أصيبت زهراء بمرض السكري من النوع الأول وهو ما زاد حالتها سوءاً، لكنها تحمد الله على ذلك كثيراً وتكرر ” قبلت نفسي بإعاقتي، ولا أخجل من قول أنا من ذوي الإعاقة، وأجدني قد تغلبت عليها، وربما كانت هي السبب في تفجير طاقاتي الأخرى، فالله سبحانه وتعالى لا يأخذ نعمة إلا ويعوض بخير منها، واليوم أنا فخورة بنفسي، سعيدة بأني استطعت أن أثبت لنفسي أني ناجحة”.

مركز إيلاف

في ركن مركز إيلاف لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؛ وقفت سارة الداوود وبعض زميلاتها، ليعرضن ما أنجزتها طالبات المركز.. كلهنّ من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعضهنّ حالتهنّ متقدمة، لكن المركز نجح في إعدادهنّ وتدريبهنّ، وعرض أعمالهنّ في مناسبات كثيرة، ومن ضمنها برنامج “لست وحدك”.

وقد تأسس المركز منذ أكثر من عقدين، وهو متخصص في كثير من الخدمات، بينها: الدعم النفسي و التأهيل الاجتماعي، التأهيل المهني، اللغة و جلسات التخاطب، التوعية و الإرشاد الأسري، الحركة و العلاج الطبيعي، التدريب المتخصص للأسر و المهتمين، المهارات و العلاج السلوكي، جلسات التكامل الحسي و العلاج الوظيفي.

ويستقبل المركز الأطفال من ذوي الإعاقة للبرامج المسائية، في حل مشاكل التخاطب والنطق، إضافة إلى تعديل السلوك، وذلك بفحص و تدريب أعضاء النطق، والتدريب على مخارج الأصوات، والتقييم و وضع الخطة العلاجية، وتصنيف الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال، وكيفية التعامل مع السلوك العدواني و العناد و التشتت، وأنواع المشكلات السلوكية لدى الاطفال و علاجها، مثل: إعادة التأهيل للأطفال، والتأخر الحركي، والارتخاء العضلي، والحركات اللاإرادية، وتقوية العضلات الضعيفة، وتقوية الاتزان في وضع الثبات و الحركة.

مركز زهور المستقبل

في ركن هذا المركز يقف مديره شفيق آل سيف والمشرفة التربوية شهامة المحاسنة. والمركز تابع لجمعية تاروت الخيرية، ويخدم جميع الإعاقات كالتوحد والتأخر العقلي، والإعاقة الحركية. ومن أهداف المركز توفير الرعاية العلاجية والتعليمية والتأهيلية للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، ومساندة الأسر في التعايش مع الإعاقة وتحجيم آثارها، وتوعية المجتمع بقضية الإعاقة.

ويستقبل الفتيات من 3 سنوات إلى 40 سنة والأولاد من 3 سنوات إلى 12 سنة، وهناك خدمات مساندة لطلاب المركز مثل النطق والتخاطب والعلاج الوظيفي، والعلاج الطبيعي والتكامل الحسي. كما أضاف ـ مؤخراً ـ المنتسوري وهي الطريقة العلمية لمراقبة النظام البيولوجي لنمو الأطفال بهدف تصميم منهج تعليمي يراعي الإمكانيات و الخصوصيات الفردية لكل طفل، بالإضافة إلى برنامج الكبيرات لتعليمهم مهارات كالطبخ والغسيل  بحيث يصبحوا أكثر اعتمادا على أنفسهم.

وهناك برنامج الإرشاد الأسري صباحاً لأهالي ذوي الاحتياجات الخاصة سواء كان أولادهم مسجلين في المركز أو لا، كما يقدم المركز برامج توعوية تثقيفية سواء للمقبلين على الزواج أو المتزوجين حديثا، ويحاول تقديم الحلول للمشكلات التي تواجههم، ونصائح لتفادي المشكلات مستقبلا.

مشاركون

في المكان أركانٌ كثيرة، حكومية وأهلية، بينها مستشفى صفوى العام، ومدرسة اليرموك الابتدائية، ومركز الدكتور علي جابر سلامة الطبي بالدمام، ومركز الدكتور خليفة العلي، وجمعية الصفا الخيرية، ومركز تشُويس، ونادي الصفا، وجمعية التوحد، والهاتف الاستشاري بجمعية القطيف، وجمعية العطاء النسائية، ومركز تيش، وروضة صفوى الأولى.

(الصور: صُبرة)

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×