أيها المعلم الفاضل.. على ماذا يجلس جدي وجدك..؟!

حبيب محمود

كنتُ في الأول الابتدائي، وفي يوم امتحان الفقه؛ سأل المعلّم المصري طالباً منا: كيف تتوضّأ..؟ نهض الطالب عن الكرسيِّ، وجلس على الأرض جِلسة بيت الخلاء، وراح يقلّد طريقة الاستنجاء بالماء، وقال للمعلم “أول شِيْ انْسَوِّيْ كده”..!

كان الطالب مرتبكاً من السؤال، لكن سطوة هيبة المعلّم؛ أخرجت منه الصدق على عفويته. “التوضّيْ” ـ في لهجة القطيف ـ هو “الاستنجاء”، أي التطهُّر مما يخرج من البطن. أما وضوء الصلاة فهو “التمسُوحْ”. إنهم يقولون “تمسّح”، و “يتمسّح”، أي يتوضّأ للصلاة. والطالب الصغير ما زال غضّاً، ولمّا يفرّقْ، بعدُ، بين مصطلح الفقه ومصطلح أمه وأبيه. لذلك؛ أجاب بصدق بما يعرف، على غرابة السؤال بالنسبة له، وغرابة الإجابة بالنسبة للمعلم، وغرابة السؤال والإجابة بالنسبة لنا ـ نحن زملاءه ـ الذين ضحكنا من المشهد..!

ومن حسن الحظ؛ أن ذلك المعلم لم يُدرك زمن الجوالات، وزمن التقاط الصور، وزمن تسجيل الفيديو إنها قصة قبل أكثر من 40 سنة. حين كان المعلّمون مربّين، لا قنّاصيْ مشاهد، ولا موثّقي طرائف. ربّما روى ذلك المعلم القصة أمام زملاء له متفكّهاً، كما فعلنا ـ نحن الطلاب ـ فيما بيننا. لكنّ ما يُقال في نكتة عابرة؛ أقلُّ ـ بكثير ـ مما يفعله بعض معلّمي واقعنا المُحرج..!

أن تصوّر إجابةً مُحرجة لطالب لديك، ثمّ تنشرها، لتأخذ مداها بين جوالات الناس ليضحكوا. وحقَّ لهم أن يضحكوا حين يجد معلمٌ ما في عفوية طلّابه الصغار مادةً للتندُّر والتفكُّه، على وزن ما تناقله الواتساب ـ قبل يومين ـ من صورة سؤال يقول “على ماذا يجلس جدك”، فتجيءُ إجابةٌ عفويةٌ من طفلٍ حمل السؤال على محمل الجدّ، وفهم اللفظ من حقيقة ما يُدرك بعقله الصغير. كما فعل زميلٌ لي قبل أكثر من 40 سنة..!

إجابةٌ بهذه العفوية؛ من حقّها أن يُطوَى عنها كشحاً، وتذهب أدراج التجاهل، لا أن يستوقفها معلمٌ بكاميرا جواله، ثم يبثّها لتطير بين أيدي الناس ليضحكوا.

من حقهم أن يضحكوا، فردة فعلٍ المعلم؛ ليس فيها شيءٌ من مسؤولية التربية.

‫2 تعليقات

  1. شكراً لك على المقال الرائعة التي قد تصحح مسار كل معلم مستهتر بعفوية طلابه متصيدا كل خطأ وزلة عليهم مثل ذلك المعلم هذا إذا جاز لنا أن نسميه معلما مع إحترامي لكل معلم مربي.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×