امرأة بألف رجل

عبد الله حسين اليوسف

يحكى أن إحدى الفتيات تعيش في أسرة متواضعة، ولديها أخوة من ذوي الاحتياجات الخاصة وأب مريض، مجتهدة في الدراسة أنهت الدراسة الجامعية وتنتظر الوظيفة، لكنها قامت برعاية أهلها حتى تعلمت القيادة وحصلت على سيارة والدها الذي عجز عن القيادة، وأخذت تجلب لهم كل الاحتياجات الخاصة وزيارة المستشفى للمراجعة وكأنها ربة المنزل، فالأب يدعو لها بالحفظ والسلامة والأم تراقب ما تقوم به ابنتها من مهام وإخوتها البقية، أحدهم يعمل خارج المنطقة والآخر يدرس والمرضى من الأخوة يحتاجون موادا طبية وعلاجا و توفير عناية طبية بشكل مستمر.

وأخذت تكرر وتقول: الزمان هذا لا فرق في قيادة المرأة أو الرجل في حالة احتياج الأسرة؛ لذلك كانت مثال الفتاة الملتزمة بكل احتشام في التعامل ولم تجعل نفسها لقمة سائغة وسهلة لكل من يراها أو يتعامل معها وأخذت تنتقل من مكان إلى آخر وكانت قيادتها للسيارة بشكل منظم وطبق قواعد وأنظمة المرور.

وفي كل مرة تحتاج الأسرة الذهاب إلى المستشفى تقوم بحمل الأخوة أو الأب والكل يدعو لها بالسلامة والحفظ.

كان الأب يعطيها المال وبطاقة البنك وتأتيه بكشف المشتريات فيقول لها: لا داعي تأتي رسالة (sms) لكل حركة شراء.

كما كان الأب يأخذ راتب تقاعده، وإعانة لحالات الأبناء الصحية وأيضا راتب الضمان الاجتماعي المطور الذي يقدم خدمة جليلة لبعض الحالات التي تحتاج رفع جزء كبير من الحاجة وتقلل مد اليد لمن هب ودب.

ولكن الدنيا لا تدع الإنسان في حالة مستقرة، فتقلّب الزمن، وتعرضت البنت الشجاعة لحادث مروري أثناء خروجها من أحد المحلات التجارية وهي تحمل أكياس المواد المختارة منه، ولم يراع من أصابها وهي تسير على قدميها نحو سيارتها وتأثرت من ذلك الحادث، وكان سائق السيارة شاب لم يبلغ سن الرشد أعطي سيارة يأخذ الحي طولاً بعرض بسرعة وكأن أبناء الحي تتفرج على بطل الماراثون الذي يسرع بسيارته آخر موديل، كأن على راسه ريشة ولا يعتقد أن للبشر حق العبور ما دام حضرته موجود على سطح هذا الكوكب.

وأصيبت الفتاة بكسور لكنها تناست الألم وفكرت في حاجة أهلها وكأنها أصبحت زيادة رقم في عدد مرضى الأسرة.

صورة أخرى

 

وعلينا أن نفكر في شهر رمضان المبارك بالأمهات والأخوات وكيف تقابل الفرن والطبخ في عز الصيف أو البرد القارس وتغيير مواعيد الدراسة والنوم.

وكأني أتذكر أمي العزيزة رحمها الله والبحث عن الغاز وطبخ الهريس على (أم ثلاث أو أم الفتل)
وكأنه سباق في الحارة لطلب الغاز السائل، وكان البائع يحضر على عربة يقودها حمار ويقف في السوق والكل يأتي بقارورة أو قربة مقدار ما يستطيع حمله وما يملك من مال .

وكانت الوالدة تطبخ الهريسة في وسط بيت لا سقف له مفروش بالحصباء أو الرمل يسمى (الحوي)،
ويكون طبخ الهريس من بعد صلاة الظهر إلى قبل المغرب وبعدها تأتي أم المعارك في ضرب وطحن الحب حيث نتسابق لمساعدة الوالدة لتجهيزها ووضعها في صحن ووضع حفرة دهن مقلي وبه تمرة وخصوصا دهن (أبو كرسي) الذي يعد ماركة تجارية لها صيت وميزان مقدر في عقل من يستخدمه كمعيار، حتى في هذا الزمن بما يسمى (شيلة).

وكانت الهريس ولقمة القاضي (اللقيمات) تعد الوجبة الرئيسة مع المرق والسلطة من فجل وبقل وغيرها.
وطبق الهريس وجبة محببة في شهر رمضان المبارك الذي يعد بصمة واضحة.
وكانت تطبخ من القمح المميز المحلي والمستورد ويأتي البحث عنه قبل شهر رمضان مع الطحين والزيت والخروف الذي يُأتى به من شهر رجب لكي يطعم ويذبح قبل شهر رمضان المبارك أو لحم البقر، وبعد ذلك دخل الدجاج في تحضير الهريسة وهو مفضل لطبقة هذا الجيل والبصل والطماطم أيضا يطحن حتى لا يرى في المظهر الخارجي لطبق الهريسة.

وكانت أمي تستعد لطبخ الهريسة بعد شد الوسط وأيضا رفع كم الأيدي وتهلل وتكبر وتقرأ بعض السور التي حفظتها من المطوع.

تقابل (أم الفتل) وهي تصاب بالكحة لرائحة الغاز المسال وإذا لم يكف لطبخ الهريسة تقوم أم المعارك في جلبه والأب يلومها على عدم تذكيره، وكأنه في رحلة الشتاء والصيف وانتقلت الناس إلى الطبخ بالغاز المضغوط عن طريق الفرن المربوط بأسطوانة وعند تغييرها تحتاج قوة وأسلوب ومراعاة للسلامة.

وأيضا البحث عن بديل للأسطوانة وحتى بدا التفكير في جلب واحدة احتياط. وأيضا توفر الفرن ذو الحجم الكبير بدل الفرن الصغير ذو العين أو العينين وكانت فرحة الأم بذلك نقلة في التطور من النظافة وأيضا صنع بعض الأطباق وخصوصا صناعة الكيك وبعض الحلى، وتغيرت الحياة وحتى الطعام والمواد والمطاعم التي وفرت السفري والمحلي ولكن مع شهر رمضان المبارك يعد من يذهب إلى المطاعم عار على البيت حيث يعد فيه أشهر الأطباق، وسفرة لا يعرف من أين تبدأ أو تنتهي وبها الألوان والأصناف.

وكل فترة يتقدم بنا الزمن ونرى تغيير في العادات وأنواع الأطباق وطرق الطبخ ولكن الأطباق التراثية تكون هي من يتصدر المشهد في شهر رمضان المبارك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×