وهم رفع الاستحقاق

علي آل جعفر

في عصرنا الحالي، تتسارع وتيرة الحياة وتفيض المعلومات من كل حدبٍ وصوب، يبرز مفهوم “رفع الاستحقاق” كتحدي ذو تأثيرات عميقة على الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات.

هذا الوهم، الذي يتجسد في الإعتقاد بأن الفرد يستحق كل شيء دون بذل الجهد اللازم أو تحمل المسؤولية المناسبة، يتسلل إلى جميع جوانب الحياة من العمل إلى العلاقات الشخصية والزواج، مشكلاً بذلك تهديداً لا يمكن إغفاله.

تأثير وهم رفع الاستحقاق على العمل

في بيئة العمل، يؤدي هذا الوهم إلى تدهور في الأداء الوظيفي والإنتاجية.

الأفراد الذين يغذون هذا الوهم غالباً ما يتوقعون الترقيات السريعة، والزيادات الكبيرة في الرواتب، والتقدير المستمر دون بذل جهد يذكر أو تحقيق نتائج ملموسة، مما يؤدي إلى إحباط شخصي وخلق بيئة عمل سامة.

تأثيره في الزواج والعلاقات الشخصية

في العلاقات الشخصية والزواج، يمكن أن يؤدي وهم رفع الاستحقاق إلى توترات وانهيارات عاطفية.

البحث عن شريك يلبي جميع الرغبات والتوقعات دون النظر في الواقعيات أو القيم المشتركة يمكن أن يؤدي إلى خيبة أمل عندما تواجه التحديات الطبيعية لأي علاقة.

الواقعية في تحديد المعايير

من المهم التأكيد على أنه ليس شرطًا أن تكون أعلى المعايير هي الأنسب لكل فرد.

الوهم بأن الأفضل دائمًا يجب أن يكون المطلوب قد يؤدي إلى تجاهل ما يناسب حقًا قدرات واحتياجات الفرد.

من الضروري بناء مفهوم الاستحقاق على أساس ما يتناسب مع الفرد نفسه، مع الأخذ بعين الاعتبار قدراته وأهدافه الشخصية.

الحذر من بائعي الأوهام على شبكات التواصل الاجتماعي

يجب أيضًا الحذر من بائعي الأوهام على شبكات التواصل الاجتماعي الذين يعززون هذا الوهم بتقديم صور مثالية ووعود فارغة.

الوقوع في فخ هذه الصور المثالية يمكن أن يؤدي إلى تعزيز اعتقادات غير واقعية حول ما يستحقه الفرد، مما يؤدي إلى خيبات أمل وإحباطات كبيرة عندما تواجههم الحقائق المختلفة عن الصور البراقة المعروضة.

التواضع والعمل الجاد

التغلب على وهم رفع الاستحقاق يتطلب التزامًا بالتواضع والعمل الجاد، والاعتراف بأن تحقيق الأهداف يأتي من خلال الجهد المتواصل وليس من خلال التوقعات غير الواقعية.

من المهم التركيز على النمو الذاتي وتقبل التحديات كجزء من الرحلة نحو الإنجاز.

بناء الاستحقاق بما يتناسب مع الفرد

من الضروري تشجيع الأفراد على بناء مفهوم الاستحقاق بما يتناسب مع قدراتهم وظروفهم الفردية، بدلًا من السعي وراء معايير عالية غير واقعية قد لا تتناسب مع الجميع.

يجب تقدير الإنجازات الشخصية والتقدم، مهما كانت صغيرة، والاعتراف بأن كل خطوة تقرب الفرد من تحقيق أهدافه الخاصة.

ختامًا

وهم رفع الاستحقاق هو قنبلة التدمير الذاتي للفرد، تعيق التقدم والرضا في الحياة.

لكن، من خلال تبني نظرة واقعية ومتوازنة تجاه الحياة، والعمل الجاد، والتواضع، والاعتراف بأن النجاح والسعادة يأتيان من خلال الجهد المتواصل والعلاقات الصحية التي تُبنى على أسس متينة وواقعية، يمكن للأفراد بناء حياة أكثر إشباعًا ونجاحًا.

الحرص على عدم الانصياع لبائعي الأوهام وبناء الاستحقاق بما يتناسب مع الفرد نفسه هو الطريق نحو تحقيق توازن صحي ومستدام في الحياة.

وبالإضافة لما سبق، من المهم الإشارة إلى أن البعض قد يقع ضحية لوهم رفع الاستحقاق بناءً على تجارب فاشلة. يجب التأكيد على أن هذه التجارب الفاشلة هي جزء لا يتجزأ من مسار النجاح.

الفشل ليس عكس النجاح بل هو جزء منه، والتعلم من الأخطاء والفشل يعد خطوة ضرورية نحو التحسين والتطور الشخصي.

الفشل يعلمنا، يقوينا، ويجهزنا للفرص القادمة، وبالتالي، ينبغي علينا تقبله كمحفز للنمو وليس كعائق.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×