بناتنا في الصحراء 1] مليكة الصادق: نخوة بدوي في خيمة أنقذتنا من رمال “لَجَعْ” معلمة الـ 8 أيام تتذكّر تفاصيل رحلة صفوى إلى الرين سنة 1416

إهداء إلى بنات القطيف اللائي واجهن الصعاب، وذهبن إلى مناطق نائية من وطنهنّ، ليشاركن في أداء رسالة الدولة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات.

هذه قصة من قصص، تعمل “صُبرة” على توثيقها، احتراماً لذلك الدور الذي بذلته بنات القطيف.

صفوى: أمل سعيد

لم تكن محافظة الرين، التي تبعد 180 كيلو متراً عن مدينة الرياض، قبل 30 سنة تشبه الرين اليوم، فقد كانت مجموعة قرى ناشئة، تتبعها هجر كثيرة متناثرة في رمال هضبة جنوب غرب نجد.

و”لجع” هو اسم هجرة صغيرة تابعة لها. وقتها؛ كانت بيوت الهجرة كلها تُعدّ على أصابع اليدين، ومع ذلك كانت الدولة حريصة على أن توصل التعليم، والخدمات الأخرى إلى كل الهجر المشابهة في شرق المملكة وغربها وعلى امتداد ترابها.

وكان لمليكة الصادق معلمة مادة الكيمياء قصة جديرة بأن تروى، فرغم مرور السنوات الطوال على علاقتها بالهجرة الصغيرة إلا أن ما حدث كان عصياً على النسيان.

 

حنين البدايات

تروي الصادق حكايتها “رغم كل الصعوبات التي واجهتني في ذلك الوقت إلا أني أشعر بالحنين للبدايات والرفقة، ربما لأن كل ذلك يتحول إلى جزء أصيل منا، يتحرك فينا فتُنبش الذكريات الدفينة داخلنا بحلوها ومرها، ولأن المرارة يبهت طعمها مع الأيام، تتحول الصعوبات كما الأمور السهلة إلى ذكريات جميلة”.

وبدفء الذكرى تشتعل حماسة الكلام “تخرجت من كليات البنات بالدمام عام 1416هـ، وكباقي زميلاتي قدمت أوراقي للالتحاق بسلك التعليم، لم ننتظر طويلاً، فقد تم تعييننا سريعاً، وتوزيعنا على مناطق الاحتياج في المملكة. وكانت (لجع) نصيبي”.

طريق الرين القديم

تكمل “كان اسمها غريباً على سمعي، لكني تفاءلت بها كونها في المنطقة الوسطى، وفي اليوم الأول لي، ذهبت مع أخي في سيارته، الكابريس، استغرق الأمر 6 ساعات لنصل إلى القويعية، ومن القويعية انطلقنا في طريق معبد لمدة ساعة، وبعد أن انقطع الطريق المهيأ للسيارات دخلنا في طريق ترابي لساعة أخرى”.

تكمل باندهاش “نمشي في صحراء خالية من أي علامة أو دليل إلى تلك الهجرة، (طعوس) الرمل في كل الجهات، وكم كان الطريق طويلاً علينا، وحتى على السيارة المعروفة بقوتها ومتانتها، فما كدنا نصل مع الدليل المرافق إلى (لجع) حتى توقفت السيارة تماماً”.

طريق لجع بعد سفلتته

المدرسة

كان المبنى بسيطاً جداً، بناء مسلح، جدرانه ممسوحة بالإسمنت فقط دون أية أصباغ، أما الأرض فكانت مفروشة بالرمل، وفيها 5 أو 6 غرف تشكل الصفوف والإدارة، كل المعلمات من الدول العربية (مصر والشام)، وكنت أول معلمة سعودية تصل إلى تلك الهجرة، حتى أنهن أبدين اندهاشاً عندما أخبرتهن أني المعلمة الجديدة”.

تضحك من عمق الذكرى وتكمل “كان عدد الطالبات لا يسمح بتخصيص فصل لكل صف؛ لذا فقد كانت المدرسة تعمل بنظام ضم الصفوف، فالأول والثاني في فصل واحد، والثالث مع الرابع وهكذا، أتذكر يوماً أن إحدى المعلمات دخلت غرفة الإدارة وهي تقول: نصف الفصل غايب، وعندما استعلمت عن عدد الغياب أجابت واحدة..!”.

كهرباء متقطعة

تقول الصادق “رغم وصول الكهرباء إلى البيوت إلا أن فترات انقطاعها أكثر من فترات وجودها، ففي المدرسة كنا نعتمد على الإضاءة الطبيعية، وبعد أن تنتهي الحصة تصفق مديرة المدرسة بيديها بديلاً عن الجرس، وأحوال الناس في الهجرة كانت مشابهة لحال الطالبات في المدرسة، فلا شيء متوفراً هناك، لا سوق ولا صيدلية ولا حتى بقّالة صغيرة، لا شيء حرفياً، كان الناس هناك يموّنون بيوتهم بالمأكولات والمشروبات والاحتياجات الأخرى من القويعية، أما لياليهم فكانت تشبه المسلسلات البدوية التي كنا نشاهدها في التلفاز، فما إن تنقطع الكهرباء حتى يعود السكان إلى حياتهم الاعتيادية، وتجتمع الأسر على تلال الرمل، يتسامرون تحت قبة السماء الصافية جداً، والممتلئة حد التخمة بالنجوم”.

ضياع في الصحراء

“مرّ الأسبوع الأول رغم صعوباته، وعدت إلى الشرقية في نهايته، ولأن التجربة الأولى أثبتت أن الطريق يحتاج إلى سيارة مؤهلة لمواجهة الأمواج الترابية في الصحراء فقد اتفق أخي مع أحد الجيران لإيصالنا إلى (لجع)، فسيارته صحراوية/ دبل، انطلقنا أنا وأخي برفقة جارنا، ووصلنا إلى القويعية بسلام.

لكن المتاعب بدأت في الطريق الترابي، توغلت سيارتنا في الصحراء وكلما تقدمنا أكثر تهنا أكثر، فلا مَعْلم يدل على الاتجاه ولا خرائط “قوقل” تصاحبك فتدلك، ولم يعد بإمكاننا معرفة طريق الوصول، ولا حتى طريق العودة”. تكمل الصادق “أصبحنا وكأننا ندور حول أنفسنا، نتوقف حيناً للتدقيق في المكان، ونسير حينا وهكذا، مرّ الوقت بصعوبة بالغة، وبدأنا نشعر بالضيق، رمال في اتجاهاتك الأربع، وبدأ الخوف يخالج نفسي، لا أعرف كم بقينا في هذا المجهول، إلى أن لاحت في مدى الرؤية سيارة من بعيد، وما كدنا نراها حتى انطلقت سيارتنا في إثرها.

كانت تشكل لنا سبيل النجاة في تلك اللحظات، ورغم أننا لا نعرف سائقها ولا إلى أين يتجه؛ لكننا أيقنا أننا إن أردنا الخروج من هذه المتاهة فعلينا اللحاق به، وهكذا كان، اقتفينا أثر السيارة وبقينا خلفها إلى أن توقف عند خيمة في وسط الصحراء.

نزل أخي وجارنا وذهبا إلى الرجل ليستعلما منه عن الطريق، ولم يقصر الرجل في مساعدتنا حين علم أننا من الشرقية، فقاد سيارته أمامنا ولم نتوقف إلا عند الطريق المعبد”.

مندوبية الرين

“في اليوم الثاني ذهبنا إلى مندوبية الرين، وحكينا ما حدث لنا في الطريق إلى (لجع)، وحقيقة كان المندوب متفهماً ومتعاوناً، فكتب خطاباً بنقلي على الفور إلى مدرسة في الرين في نفس القرية التي تقع فيها المندوبية، وكم كان الفرق شاسعاً بين المدرستين، ففي الرين كانت المدرسة التي عملت فيها تقع ضمن مجمع مدرسي للمراحل الثلاث الإبتدائية والمتوسطة والثانوية بالإضافة إلى معهد للمعلمات”.

وتختم الصادق “شعرت براحة كبيرة بعد رؤية المدرسة، أخيراً مدرسة وطالبات تشبه المدارس التي أعرفها، وقرية رغم بساطتها مليئة بالناس، أخيراً عدت للناس وللحياة الطبيعية، وبقيت في الرين سنة كاملة قبل أن يتم نقلي إلى مدارس الشرقية عام 1417هـ”.

تعليق واحد

  1. يعطيكم العافية 🙏🏼
    ملف مهم يستحق أن يُسلّط عليه الضوء 👌🏼

    عجبتني المديرة وهي تصفّق بدل الجرس 👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼👏🏼🤣🤣🤣

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×