شاهد] مرارة قائد أُموي ما زالت تضرب “المروانية” في حلة محيش عين جوفية خسيفة اختلط التاريخ والخرافة والطعم في مائها

حلة محيش: معصومة المقرقش

تحرسها سلحفاة كبيرة.. وماؤها مرّالطعم، ومن يشرب منه يُنعت بصاحب القلب القاسي، وضَرب الناسُ بها مثلاً  في الغدر “شارب من عين مروان”، ولا تقترب منها النساء لا جماعات ولا فرادى. عين جوفية في قرية “حلة المحيش” الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة القطيف.

المروانية.. عين جوفية مثلها مثل مئات العيون التي كانت تروي بساتين القطيف في السابق. وحولها اختلط التاريخ بالخرافة بالسرديات الاجتماعية المعقولة وغير المعقولة. فتارة تُربط باسم الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان الذي طارد الخوارج من العراق إلى القطيف، ونكّل بهم، ودفن العيون..!

وتارةً تُربط باسم “المَروى” الذي يعني الريّ. وتارة تُربط بما شهدته من حالات غرق وموت.. وهناك تاراتٌ أخرى بقيت في مرويات الناس وأحاديث القرية إلى ما قبل انخسافها وجفاف مائها.

عيون مرة

وعلى على الرغم من صغرها مساحةً وعمقاً، فإنها كانت كثيفة الماء، صعبة على السباحين. وبعض عيون القطيف القديمة كان ماؤها مرّاً، ولا يُشرب منه، ولا يُستخدم في طبخ ولا شاي ولا قهوة، بل يُكتفى بريّ النخيل والغسيل.

ولهذه الصفة ولقرب عين “المروانية” من مدفن حلة محيش القديم؛ استُخدم ماؤها في تغسيل الموتى.. وابتعد عنها الأحياء، وعُدّت من العيون السيئة السمعة جداً بين أوساط أهلٍ خبروها جيداً كما خبروا عيوناً أخرى كانت أكثر وفاءً وجوداً …؟

العين الصغرى

المروانية هي صُغرى عيون القرية، تقع في الجهة الغربية منها، في موقع يتوسط – تقريباً- ما بين عينيْ أم عمار والخليلية، وهي غرب مصلى المغتسل، وملاصقة البستان المعروف بأرض الدالية من الجهة الجنوبية، وهي آخر أثر متبقٍ من العيون الجوفية.

وجودها تاريخياً

ويبلغ قطر العين 7 أمتار، وعمقها الأقصى 8 أمتار تقريباً، وكان تروي الكثير من البساتين وعدداً من المزارع، ويصل ماؤها إلى بساتين القرية من جهة الشرق، وطبقاً لباحث من القرية هو علي سعيد الشعلة الذي يحمل البكالوريوس في التاريخ؛ فقد وثقتها سجلات العهد العثماني عام 959هـ.

قليلة “اْمْرُوَّهْ” ـ مروءة..!

يقول الحاج عبد الرحيم الدرويش إنه لم يسبح فيها سابقاً، ولا يعلم سبب تسميتها بهذا الاسم، وربما يعود تسميتها لقلة “مُروّتها” بمرتاديها، لأنها عرفت بغدرها، شاع في أحاديث القرية أنها أغرقت “سَيْدةْ” ذهبت لتغتسل وحدها ولم تعد، وحين توجس زوجها خوفاً وهرع للبحث عنها في العين، وجدها طافية على وجهها. 

تنورها يخوف

“تنورها يخوّف ما نروحها”.. هكذا بدأت الحاجة فاطمة عباس الدرويش حديثها عن “المروانية” واصفةً تنورها بالشديد الصعب؛ حيث كانت النزول فيها لِما شاع عنها من أخبارٍ سيئة جداً؛ جعلها تختار ضحاياها بعنايةٍ وتجرهم نحو قاعها دون رحمة غير آبه بجنسه أو عمره سواءً رجلاً أو امرأة أو حتى طفلاً. لهذا حرّمت بعض نسوة القرية على أنفسهنّ وأولادهنّ الذهاب إليها مكتفينّ بالاغتسال في عين أم عمار القريبة منها.

وتؤكد ذلك التوجس والخوف الحاجة شيخة بنت الملا محمد الباقر التي لم تذهب إليهاً هي ونساء عائلتها يوماً ولم تعرف الطريق إليها، ولم تشرب من مائها لما شاع عنها من غدر، مختصرةً حديثها: ما عرف طريقها في وينه يقولو أهلنا من يشرب من مايها يصير مرواني.

معسكر مروان …!

أما الحاج موسى صالح عبد الله المادح فلديه رواية شفاهية أخرى سمعها من أجداده، مفادها أن عبدالملك بن مروان خيّم بجيشه في هذا المنطقة، وكان يسقي جيشه وخيوله منها، لهذا نسبت إليه.

وهناك رواية أقل معقولية، تقول الرواية إن سبب تسميتها هو أن أهل القرية  كانوا يروون ويسقون نخليهم من مائها لهذا سميت بهذا الاسم.. من الريّ والمروى.

ويؤكد تنورها كان خطيراً جداً، لهذا هابها الكبير والصغير، وهو ذاته لم يسبح فيها إطلاقاً.

قلة من سبح فيها

وبحسب المادح فإن المزارعين المجاورين للعين كانوا لا يهابون النزول عند مائها سواءً للسباحة أو لسقي مزارعهم، ولكن كانوا قلة قليلة. ومع مرور الأيام بدأت تجف رويداً رويداً حتى أحاطت بها الأشجار الكثيفة والحشائش واهملت.

حارسة العين

شاع في الحكايات الشعبية أيضاً بين الجدات وفقاً لما روتهنّ بعض نساء القرية، تخويف أولادهنّ من الاقتراب منها، بسبب وجود سُلحفاة كبيرة جداً كانت تحرس العين، وهي تنزل بمجرد نًزول الناس فيها، وتختار من تغرقه بعد أن تجثو على صدره، كما شاع عند من شرب منها أنها تميل للمرارة لا حلوة الطعم.

سيئة سمعة…؟

ويبدو أن العين اشتهرت بسُمعة سيئة عند الناس، خاصة المتضررين الذين فقدوا عزيزاً عليهم فيها غرقاً، وطبقاً للشعلة فإن العين صغيره جداً أولاً، وضخ – دفع- مائها من التنور قوي جداً بالنسبة إلى حجمها، وثانياً مما يتولد منه حلقة حلزونبة تشبه الإعصار البحري إلى حدٍّ ما، وتحتاج إلى سباح ماهر للنزول فيها.

حفرها .. أم نزل عندها ؟

عبد الرسول الغريافي الباحث التاريخي والمهتم برصد عيون محافظة القطيف له تفسير مطول في شأن تسمية العين، إذ يقول إنّ الشائع بين الناس في سبب تسميتها بـ “المروانية” نسبة عبدالملك بن مروان الذي حفرها مع جيشه، بينما ينسب البعض هذه التسمية لسبب نزوله عندها وتخييمه حولها، فإن كان أحد الأمرين يمت بصلةٍ لهذا الشأن فمن المرجح أن يكون الثاني وهو -النزول- هو الأنسب والأكثر منطقية

عين قديمة

ويعلل  الغريافي بقوله إن من المستحيل أن يكون حفرها، لعدة أسباب منها أنّ هذه العيون المعروفة بعيون السيح مجملاً سواءً عيون القطيف أو عيون ما جاورها من المناطق هي قديمة جداً يرجع تاريخها لآلاف السنين.

هل حفرها الأماليق ؟

ويضيف الباحث الغريافي أن من الشائع سواءً أكان نقلاً عبر الأجيال أم أنه مجرد أساطير متداولة عند الكثير، هو ذلك الأمر الذي ينسبونه إلى أن حفر جميع هذه العيون في هذه المنطقة يرجع إلى العمالقة، غير أنه من المؤكد أن هذا الاسم هو اسم محرف من اسم آخر؛ حيث أن هناك شعوب تعرف “بالأماليق” وأن هذا الاسم قد حُرِف إلى العماليق، ومن ثم أصبح الكثير يظن أنهم العمالقة، وأنهم بشر لهم أجسام عملاقة وهم الذين حفروا هذه العيون لمقدرتهم على ذلك علماً بأن الأماليق هم شعب أو قبائل امتازوا ببعض الصفات، وهي أنهم شعوب حضارية تتصف بالاستقرار، وكانت من أشهر أعمالهم حفر الآبار وامتهان الزراعة فبذلك لعلهم في الأصل استدلوا بأن الأماليق هم من حفر تلك العيون.

كواكب موحدة

ويتابع “مع أن هناك آثار واضحة يلاحظها المختصون، مثل فوهة كوكب العين المعروفة في علم الجيولوجيا بـ aquifer والمقصود بها الطبقة الصخرية المائية التي تتدفق منها المياه، فمن الملاحظ أن الأغلبية الساحقة لفوهات كواكب عيون القطيف تأخذ شكل مربع دقيق الزوايا والأبعاد وأن هذا المربع موحد الأبعاد تقريباً بين جميع عيون القطيف، إذ يبلغ طول ضلع كل مربع ما يزيد عن الثلاثة أمتار بقليل، وهذا لا يمكن أن يحدث مصادفة في مجموعة من العيون يتجاوز عددها الأربع مئة عين في منطقة واحدة، ما لم يكن للإنسان تدخل في تعديل فوهاتها، كما أن له أيضاً تدخلاً في توسيع وتعديل جالاتها التي تعلو تلك الكواكب الملامسة لسطح الأرض.

أما شكل العيون إجملاً فأغلبه دائري، بالإضافة إلى أن أغلب تلك الجالات قد بنيت بطوب مصفوف، وهي منحوتة من صخور جبلة وبعضها من صخور فروش البحر (حسب موقع العين) وعلى شكل متوازي مستطيلات ذات ابعاد تصل تقريباً إلى عشرين في عشرة في ثمانية سنتيمترات وبعضها ذات أبعاد أكبر من ذلك. وكذلك طرق شق مجاري المياه التي تتدفق منها وهي ذات أبعاد وأعماق منتظمة ما يدل على تدخل الإنسان فيها.”

تفجرت من ذاتها

ويشير إلى أنه رغم كل هذه الدلالات الواضحة على تدخل الإنسان في تشكيل تلك العيون إلا أن ذلك لا يعني أن الإنسان هو الذي حفرها بشكلٍ مباشر وأن أغلب العلماء المختصين في هذا الشأن يؤكدون بأن تلك العيون قد تفجرت من ذاتها والبعض يرجع تاريخ تلك التفجرات المائية حسب دراساتهم إلى زمن الطوفان ولديهم استدلالاتهم في هذا المجال، ومن ابسط تلك الاستدلالات هو كثرة عدد العيون في مساحة صغيرة بينما تفتقر منطقة واسعة لوجود عيناً واحدة وهذا ما يستدلون به على تفجر المياه تلقائياً وبشكل طبيعي حسب ضغط المياه من أسفل قشرة الأرض.

الإنسان هذب شكلها

ويبين أنه فيما يبدو أن هذه العيون قد تفجرت في منطقتنا بشكل طبيعي ومنذ زمن سحيق، ولكن الإنسان تدخل في تهذيب شكلها وخصوصاً في الطبقة الجبلية منها، وبذلك تستدل أنه ليس لزيد ولا لعمر يداً في حفر تلك العيون بشكلٍ مباشر وأنه إن افترضنا ذلك -جدلاً- فلابد ان موقع كل عين من تلك العيون كانت به مؤشرات لنبع المياه بشكلٍ طبيعي.

شاهد

 

موقع العين القطيف – حلة محيش.

عبر قوقل ماب: هنا

شاهد

‫5 تعليقات

  1. ماشاء الله
    الموضوع جدا شيق لطالما كنا من متابعيك وافتقدناك وافتقدنا مواضيعك الجميله

    الحمد لله على عودتك مرة ثانيه
    مشتاقة جدا إلى موضوعك الجديد وماذا سوف يكون
    اهلا وسهلا بعودتك ام خالد 💞

  2. طرح رائعة من إستاذة قديرة، إبداع في الطرح، وذكاء في المحتوى. و مواضيع لا مثيل لها بل مبتكرة لا يشابهها أحد.

    وفقكم الله يا أ.معصومة

  3. ماشاء الله عليك دائماً مبدعة في طرح موضوعاتك
    وإن شاء الله نشوف موضوعات أخرى منك التي تبين تاريخ القطيف
    فعلاً موضوع رائع أم خالد وخاصة للمهتمين بأرث القطيف
    أبدعتي في سرد المعلومة
    وبارك الله فيك 🌷

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×