تكسير الفخاريات.. موروث تركماني انتشر في العراق.. ثم انتقل إلى القطيف الطريقة القطيفية مأخوذة حرفياً من عادات وادي الرافدين ومعدّلة بمقاس المجتمع المحلّي
القطيف: صُبرة
الصور: فاطمة المحسن
قد لا تكون المرحلة التي وصلت فيها عادة تكسير “الفخاريات” إلى القطيف معروفة أو واضحة. لكنّها ـ على كلّ حال ـ ليست من موروث القطيف، وليست من عادات سكّانها الأصليين. هي، باختصار، موروثٌ عراقيٌّ اختلطت فيه مجموعة عاداتٌ أقدم من التاريخ الإسلامي وعاداتٌ أخرى ظهرت بعد الإسلام، فكانت الحصيلة هي ربط شهر صفر بالنحس والشرور، منذ بدايته إلى نهايته، وجعل شهر ربيع الأول إيذاناً بالتخلص من أثقال النحس وبدء حياة سعيدة..!
عادات كثيرة
وكثيرةٌ هي الموروثات العراقية (وغير العراقية) التي انتقلت إلى القطيف، وتغلغلت فيها بالتدرُّج، حتى أصبحت كأنها من القطيف أصلاً ومنشأً وممارسة. وأقرب دليل على نماذج من هذه الظاهرة هو “عباءة الرأس” التي يتمسك بها المحافظون في القطيف الراهنة ويتصارعون حول استمرارها ورفض ما عداها. والواقع هو أنها حجاب عراقيٌّ صرفٌ لم تعرفه نساء القطيف إلا في الخمسين سنة الماضية فقط.
وهناك قائمة طويلة من الموروث العراقي والإيرانيّ انتقلت إلى القطيف في مراحل زمنية قديمة، وتحوّل كثيرٌ منها إلى شكل ثابت لا يقبل كثيرٌ من الناس حتى النقاش حوله.
من العراق
وعادة تكسير الأواني الفخارية القديمة في مطلع شهر ربيع الأول؛ واحدة من هذه العادات التي نشأت في العراق، وتغلغلت في المجتمعات التقليدية. وتُشير بعض الدراسات الاجتماعية العراقية إلى أن هذه العادة ذات أصول تركمانية. من بينها دراسة للعراقي زاهد البياتي الذي يقول بوجود “علاقة وثيقة بين وداع شهر صفر وأبناء طوزخرماتو.. هذه المدينة الموغلة بالقدم.. بلدة الموروثات الشعبية ومهد الصناعات الطينية الشعبية في العراق، والمميزة بصناعة الفخار”. يضيف “فقد توارث التركمان عادة كسر الأواني الفخارية مع نهاية شهر صفر من كل عام ويسميها البعض “شرا شور”، ويبدو أنها تعويذة شعبية تعني وداع الأحزان والنحس “شهر الشرور” أو “شر الشرور”.
علاج إيحائي
البياتي يقرأ في العادة نوعاً من العلاج الإيحائي الذي يحاول المجتمع التداوي به؛ فوجد التركمان ذلك “من خلال كسر الأواني الفخارية كالشربة والأواني المنزلية المختلفة”.. وذلك “في تحدٍّ واضح للواقع المر والإصرار على صناعة “المناعة”، ضد كل أمراض العصور السوداء التي مرت على العراق المجبول على الحروب و الطغاة والنزوات والكوارث والزلازل والأوبئة والغزوات”.
تشاؤم
ورث العراقيون النظرة المتشائمة إلى شهر صفر عن أسلافهم العرب الذين كانوا يرونه “صفر الإصفار”، ومرّروا النظرة السوداوية إليه عبر أجيال متلاحقة. ثم رُبط الشهر بسابقه، شهر محرّم، الذي استشهد فيه الإمام الحسين وأصحابه في كربلاء. ومع تعاقب الزمن تحوّل محرم وصفر إلى شهرَيْ حدادً، يبدأ مع هلال شهر محرم وينتهي مع هلال شهر ربيع الأول. وبما أن المحرم شهر حزن، فإن صفر شهر نحس، وما إن يُطلُّ هلال ربيع الأول؛ حتى تستعيد الحياة حيويتها وبهجتها..
ولّدت هذه العادة آداباً شعبية في العراق.. بينها أهازيج، ومن أشهرها:
حرقناك يا صفر
يا بو المصايب والكدر
حرقناك يا صفر
على أعريس واحترق
حرقناك يا صفر
يا بو المصايب والكدر
اطلع اطلع يا صفر
شهر الشؤم والضجر
وتؤدَّىْ هذه الأهزوجة وسط أعمال حرق سعف نخل احتفالاً بفرح الشهر الجديد.. ربيع الأول..!
النسخة القطيفية
النسخة القطيفية مُشابهة لبعض النسخ العراقية؛ ففي اليوم الأول من ربيع الأول؛ تُخرج النساء أوانيها الفخارية القديمة لتكسّرها على أبواب البيوت، أو في أفنيتها. وكانت العادة سائرة على نطاق واسع، لكنها تراجعت وباتت تُمارَس بشكل رمزي يكاد لا يُلاحظ.
وغالباً ما تُكسَّر أواني “القدو”، لكنها كانت تشمل كل الفخاريات القديمة، أو “المبطوطة” أو التي تسرّب الماء. مثل “الشربة” و “المصخنة” و “البغلة”، و “الحِب”، وهي هي أوانٍ لشرب الماء.. كما أنهم يُحرقون بعض سعف النخيل، كما يفعل العراقيون..
أهازيج مقلّدة
والنسخة القطيفية لها أهازيجها أيضاً.. منها هذه المنقولة عن العراقيين والمعدّلة:
حـرقـنـاك يـا صـفـر
عـلى طوير واعتفر
كسّر ابغالك يا صفر
البين غالك يا صفر
و “طوير” هو الصوص، أما “البغال” فهي أواني الماء الفخارية. و “البين” هو الموت.
ومنها:
واصفيروه صفر
طلع من الحضار وطفر
و “الحضار” هو السياج الخوصي.
ومنها:
طلع صفر بشرّته وشروره
جا نا ربيع بفرحته وسروره
طلع صفر أميمتي سالمه
وعدوتي في المقبره نايمه
طلع صفر يا نبيّ الله
جانا ربيع يا نبيّ الله
طلع صفر
جانا ربيع
يا محمد يا شفيع
والإشارة إلى النبي (ص) لها صلة بذكرى ميلاد مولده.. في هذا الشهر.
كلام بلا دليل
كان الأحرى ان تقال الحقيقة فيما يتعلق بالاراجيز وهي مرة صعبة لانها خرافة وفيها إساءة لإخواننا اهل السنة علينا ان نكون اكثر شجاعة وجرأة في نقد مايصدر من أخطاء من جماعتنا