الخطيبة معصومة الحداد.. سافرت إلى سيناء على جمل لتصلّي ركعتين عند جبل موسى أدّت 29 حجة.. ووضعت شرط الأسطوانات الأربع لبناء حسينية
القطيف: ليلى العوامي
حين تقدّم بها العمر؛ كاشفت أبناءها برغبةٍ غريبة، هي أن تصلّي ـ ولو ركعتين ـ على جبل موسى في شبه جزيرة سيناء. امرأة من القطيف السعودية؛ تطلب السفر إلى جمهورية مصر، من أجل ما لا يزيد على 5 دقائق يمكن أن تؤدّيها في أي مكان..!
لكن رغبة “أم سيد حيدر”؛ حُملت على محمل الجدّ، فسافرت معها بناتها إلى مصر فعلاً، وتدبّرن الاتفاق مع سائق ليتكفّل بالرحلة. وهذا ما تمّ، فساروا من شرم الشيخ إلى داخل سيناء لمدة ساعتين، حتى وصلوا إلى منطقة لا يمكن أن تسير فيها السيارات.
استأجروا جمالاً، وانطلقن في رحلة بدأت في الساعة 12 بعد منتصف الليل، وسرين برفقة السائق وجمّال، وسط ظلام دامس، ولم يصلوا إلى الوجهة إلا قبيل مطلع الفجر. وهناك أسبغت أم حيدر وبناتها الوضوء، وصلّين على جبل موسى.. وتحقق حلم مكث طويلاً في نفسها.
رحيل عام
يوم الـ 8 من شهر محرم الماضي 1444؛ كان آخر عهد “أم حيدر” بالحياة، حين قبض الله روحها في أحد مستشفيات العاصمة الرياض، بعد علاج طويل أنهك جسدها، لتكون أولى خطيبات القطيف اللائي رحلن في العام نفسه.
معصومة بنت الملا رضي الحداد، المكنّاة بـ “أم سيد حيدر”، زوجة السيد حبيب بن السيد هاشم بن السيد صالح بن السيد حسين الصنَّاع، ووالدتها فاطمة عبد الله بن محمد حسن بن محمد علي بن درويش بن محمد بن عبد النبي بن زائر بن الزاير.
ولدت في قرية “المدارس” التي اندمجت مع مدينة القطيف، وفيها نشأت، وتعلمت في منزل والدها “الملا رضي”، الشخصية المتصلة بأهل العلم والورع في القطيف. ولذلك ربّى أبناءه على نهج حياته، لتسبقها أختها “الحاجة خديجة” إلى “الخطابة”، وتبني لنفسها شخصية “ملاية” ذات صيت في مدينة القطيف.
طفلة المجاميع
وبحسب ما تذكره بناتها وابنها السيد سعيد الصناع؛ فقد بدأت “أم سيد حيدر” حياتها في عمر 7 سنوات، كانت تأخذ “مجاميع” والدها وتقرأ له منها.
وفي عمر التاسعة؛ أهدتها والدتها كتاب “مراثي” جلبته معها من العراق، فكان ذلك الكتاب نواة اهتمامها بالخطابة، وبالتأليف أيضاً. وفي السبعينيات طبعت كتاب “مراثي” من 5 أجزاء، ثم أضافت جزين مازالا مخطوطين. وقد راج استخدام الجزئين السادس والسابع بين الخطيبات، بعد تصويره ونشره في نطاق محدود، وتم تداوله وقُريء في المجالس الحسينية في القطيف والأحساء والبحرين.
كما طبعت ديوان شعر من إنتاجها حمل عنواناً ساجعاً هو “تحفة الباكين في رثاء ومدح الميامين”.
خطيبة واعدة
انضمت إلى ركب الخطيبات وهي في عمر 12 عاماً، وفي البداية كانت تقرأ في مجلس أختها “خديجة أم سيد ماجد” التي رعتها، فكانت تقرأ في منزل اختها في الحي المعروف بـ “الجراري”، فكانت السند لأختها حتى بعد وفاتها. وقد استمرت في الحفاظ على مجلسها. لكنها حين انتقلت للعيش في المنطقة الرابعة وضعت لنفسها مجلس بمنزل أختها زهراء، وكان موعده صباح الخميس، من كل أسبوع.
كما تزوّجت وهي في عمر 12 سنة وأنجبت 3 أبناء و5 بنات.
وعلى الرغم من أن تعليمها كان تقليدياً؛ فإن كانت متابعة لمجريات الأحداث المحلية والعالمية، وكانت تتمتع بقوة الحافظة والذاكرة القوية، والقدرة على سرد القصص والحكايات والأحداث بطريقة مشوقة.
دربت أجيالاً من الخطيبات اللواتي برزن في القراءة الحسينية، وما زالت “وليداتها” يذكرن فضلها وتفانيها في تعليمهن. كما استفاد الكثير من مجالس القطيف من مؤلفاتها ورثائها.
4 أسطوانات
كانت تطمح إلى تأسيس حسينية خاصة بها، فاقترح عليها ابنها ـ السيد سعيد ـ شراء قطعة أرض في حي المجيدية الحديث، وشرح لها أن مساحة الأرض 600 متر، وبإمكان إنشاء حسينية في الدور الأرضين وشقق سكنية في الدور الأعلى، ليعود ريع الشقق على الحسينية.
لكن رغبتها كانت لا تريد أن تبتعد عن قلب القطيف القديمة، فاشترى لها منزلاً في الحي المعروف بـ “المدني”، وتمّ هدمه ومن ثم إنشاء الحسينية، كما أحبّت. وكان لديها شرط فني أيضاً هو إنشاء بناء الحسينية على 4 أعمدة دائرية “أسطوانات”. وقد تحقق لها ما أرادت.
وبعد تمام البناء؛ ظهرت الصورة، فعن يمين حسينية “أم سيد حيدر” تقع حسينية أختها “أم سيد ماجد” وخلفها حسينية أختها الأخرى زهراء “أم عبدالحسين”.
29 حجة
أدت فريضة الحج 29 مرةً، وكانت تتمنى إكمالها إلى 30 حجة، وكانت جملتها المتكررة على لسانها هي “أجمل يوم في الدنيا هو يوم عرفة”.
تقول بناتها “لم يكن عشقها والدتنا لصلاة الليل عادياَ ابداَ فقد كانت تتهيأ وتستعد ويأخذها الحماس للمناجاة والذكر في دجى الليالي حيث كانت تلهج بالدعاء ليلاَ دون كلل او ملل.
وحينما كنا في مشهد كانت والدتي تتخذ زاوية من زوايا المكان وتحديداً في الصالة وتظل مستيقظة طيلة الليل لا تنام بل تقضي وقتها في الدعاء والصلوات، كانت توصينا دائماَ بالصلاة في كل مكان وتقول: صلوا في أي بقعة من بقاع الأرض تتاح لكم فرصة الصلاة فيها حتى لو ركعتين فكل بقعة من الأرض التي تصلون عليها ستشهد لكم في الآخرة”.
جرحان
فقدت في حياتها اثنين من أبنائها في حادثي مرور، في الأول ذهبت ابنتها “ناهد” ضحية حادث دهس، ووقتها كانت في زيارة النبي (ص) في المدينة. ولم يُخبرها أحد من مرافقيها، ولم تعلم بالخبر المؤلم إلا بعد عودتها.
أم الثاني فهو وفاة ابنها الأكبر “سيد حيدر” في حادث أيضاً.
وعلى رغم الألمين الشدين حافظت على صبرها واحتسابها.
اقرأ ايضاً