الفكرة القائدة… مثال “الواتساب”

توفيق السيف*

 

توخياً للإنصاف، ينبغي القول إنه لا توجد فكرة وحيدة، تشكل ما سميناه في الأسبوع الماضي «صاعق التفجير» للطاقات والعزائم والإرادة العامة الضرورية لإطلاق النهضة. ثمة أفكار كثيرة، يمكن لكل منها أن يحمل جنين النهضة. أما النهوض الفعلي فيبدأ عندما تتطور الفكرة، من حالة ذهنية مجردة إلى حالة عاطفية محركة، فتستحوذ على اهتمام الناس وتمسي نقطة التقاء وتجسيداً لآمالهم.

وفقاً لتعبير الصديق المهندس صادق الرمضان، فإن هذا العصر هو عصر الأفكار القائدة. انظر إلى تطبيق «الواتساب» الذي كان مجرد فكرة تداولها بريان أكتون وجان كوم، في خريف 2008. الفكرة ببساطة، هي ميكنة سؤال «إيش الأخبار؟» الذي يتداوله كل الناس يومياً. يقول أكتون: «كنا نريد أداة تجعل الناس قادرين على التواصل في كل لحظة ومن دون تكلفة»، ومن هنا جاء اسم التطبيق.

فكرة «إيش الأخبار» المغالية في البساطة، يستعملها الآن 1.5 مليار شخص في شرق الأرض وغربها. وفي 2016 دفعت شركة «فيسبوك» 19 مليار دولار للاستحواذ على التطبيق.

مثل «الواتساب»، هناك كثير من الأفكار المشابهة التي أسهمت في تغيير العالم. وهي معروفة لمن يتابع تيارات العلم والتقنية في العالم.

قد يحتج أحد القراء بأن فكرة مثل «الواتساب» لا تطابق مفهوم النهضة الذي في الأذهان. فهي مجرد حل لمشكلة جانبية في حياة الناس. وجوابي أن المقصود من ضرب المثل، ليس الغاية التي استهدفتها الفكرة أو المشروع. المقصود هو العوامل التي حولت الفكرة، خلال وقت قصير نسبياً، إلى نقطة التقاء بين عشرات الملايين من البشر في أنحاء العالم. إن أهمية «الفكرة القائدة» تكمن في قدرتها على تعبئة الناس، من مختلف المشارب والاتجاهات، وراء غاية محددة.

كي تكون الفكرة على هذا النحو، يجب أن تحمل صفات محددة، سوف أختار من بينها صفتين؛ أولاهما كون الفكرة بسيطة، قابلة للنفاذ بذاتها، أو بتجسيداتها ومعانيها، إلى عقول عامة الناس وقلوبهم دون جهد. أما الصفة الثانية، فهي أن تقدم الفكرة حلاً حقيقياً أو افتراضياً لحاجة قائمة، مادية أو نفسية. بالنسبة لفكرة «الواتساب»، فقد تمثلت الحاجة المادية في التواصل غير المكلف، أما الحاجة النفسية – وهي الأهم في رأيي – فتمثلت في تمكينها عامة الناس من التعبير عن ذواتهم. وهو ما سمّاه إبراهام ماسلو في نظريته المشهورة عن هرم الحاجات الإنسانية «الحاجة للتقدير».

زبدة القول، إن أبرز سمات الفكرة القائدة هي كونها مرنة، بحيث يمكن لعامة الناس أن يعيدوا إنتاجها ضمن الأطر التي تلبي رغباتهم وتلائم ظروفهم. ثم كونها قادرة على إشباع الحاجة الملحة في داخل كل إنسان لاكتشاف أو تحقيق ذاته.

ثمة أفكار تقود نهضة شاملة. وهذه لها شروط إضافية، أبرزها في ظني هو ارتباطها بتحديات يفهمها الناس تحديات لوجودهم. أما في الحالات الاعتيادية، فليس ضرورياً أن تكون النهضة حزمة كاملة شاملة. يمكن للمجتمع أن ينهض في جانب واحد. مثل الاقتصاد أو إنتاج العلم، أو التقنيات الجديدة، أو الصناعة، بل حتى في واحد من فروع هذه الحقول أو غيرها.

النهوض في جانب، سينعكس تلقائياً على جوانب الحياة الأخرى. فيعيد صياغة الثقافة وأنماط الإنتاج والعلاقات الداخلية، بحيث يتحول إلى محرك للنهضة في مختلف أرجاء الحياة.

_______

*صحيفة الشرق الأوسط، الأربعاء – 21 صفر 1440 هـ – 31 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14582]

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×