بشِّر النخلَهْ بأكـّارٍ جديدْ..! قصة مثل
صُبرة: خاص
المعنى القديم المحدّد تطوّر من الدلالة اللغوية المعنية بـ “الحرث” و “الزراعة” إلى دلالة اصطلاحيّة في الاقتصاد الزراعي في الريف الخليجيّ
في مقامَي الجدّ والسُّخرية؛ يُضرب هذا المثل في استقبال المستجَدّ من الأمور. الأحداث التي تقع، والوجوه التي تأتي، والتغيُّرات التي تطرأ.. كلّ ذلك يستحيلُ ـ في الصورة المُتخيّلة ـ فلّاحاً جديدأ سوف يتولّى شأن النخلة. وعلى الفهم أن يضَع “الأكـّار” على النحو الملائم، وينظره بمنظوره..!
أكـّار
صيغة المثل في القطيف تستخدم “الأكـّار”، فيما يستخدم الأحسائيون “الكدّاد”، وغيرهم يستخدم “فلاح”. وعلى ذلك؛ فإن صيغة المثل وردت في ثلاثة أشكال، كأنّها ـ جميعها ـ شطرُ بيت من الشعر على وزن بحر الرّمل*:
بشّر النخلهْ بأكـّارٍ جديد.
بشّر النخلهْ بكدّادٍ جديد.
بشّر النخلهْ بفلاحٍ جديد.
وجميعها تتقارب في الدلالة. لكنّ الصيغة القطيفية تحتفظُ بصيغة المصطلح الزراعيّ الذي بقي صامداً لقرونٍ طويلة في اللغة العربية الفصيحة.
تطور دلالي
الأكـّار؛ هو الحرّاث، هو الزرّاع، طبقاً لمعاجم اللغة**. لكنّ هذا المعنى المحدّد تطوّر من الدلالة اللغوية المعنية بـ “الحرث” و “الزراعة” إلى دلالة اصطلاحيّة في الاقتصاد الزراعي في الريف الخليجيّ، لتأخذ بُعداً تعاقدياً في أعمال الزراعة عموماً، وأعمال النخيل على وجه أدقّ.
غالباً ما ينحصر عمله في الأوقات المتباعدة لرعاية النخلة، من أواخر الشتاء في “الترويس”، حتى أواخر الصيف في “الصّرام”.
الأكـّار، في اصطلاح المزراعين القطيفيين، هو الطرف الثاني في عقد إيجار البستان أو المزرعة. أي أنه الفلّاح المستأجرٌ الذي يتعاقد معه المالك على “عمَار” بستانه أو مزرعته ضمن الشروط التي يعرفونها بـ “الصُّبرة”***. وهذا يعني أن “الأكّار” اصطلاح رديف لـ: المتضمن، الشريك، المستأجر، الفلّاح، النخلاوي.
والأكـّار، أيضاً، هو الفلّاح المحترف الذي يبيع خدماته على أصحاب البساتين، أو مستأجريها، في المواسم. وغالباً ما ينحصر عمله في الأوقات المتباعدة لرعاية النخلة، من أواخر الشتاء في “الترويس”، حتى أواخر الصيف في “الصّرام”. إذ لا يمكن لمستأجر بستان أن يقوم بكلّ المهمّات وحده. النخلة شجرةٌ متطلّبة****، وكلّما زاد عدد نخيل البستان؛ كان ذلك أدعى إلى التعاقد مع “أكّارين” لبيع خدماتهم، وإنجاز الأعمال قبل فوات الأوان.
شراكة
الأكّار الأول شريكٌ له امتياز في الأرض وما تُنتج. أما الأكّار الآخر؛ فهو أجيرٌ.
وكلا الاصطلاحين له بُعدٍ تعاقدي يجمعُ طرفين، أو أكثر. ما يعني، في النهاية، أن “الأكّار” متغيّرٌ غير ثابت. وهذا هو المغزى الذي استلّهُ المثل من نمط حياة النخلة، وحياة الفلاحين.
الأكـّارُ الجديد مفعمٌ بالحماس، حريصٌ على تقديم خدمة عالية الجودة، على خلاف سلفه الذي أدّى آخر أعماله متململاً بإحساس نهاية العقد..!
وسواءٌ أكان الأكار شريكاً أم أجيراً؛ فإن ما يهمّ النخلة هو روح الإقبال عليها من “الأكـّار الجديد”.. من هنا جاءت البشارة.. بشارة الأكّار الجديد..!
—————–
* يبدو إيقاع المثل موزوناً على التفاعيل التالية: فاعلاتن فاعلاتن فاعلان. وهذا وزن عروضي معروف. وربما يدل ذلك على أن المثل آتٍ من بيت شعرٍ لم يصلنا كاملاً، أو من قصيدة عامية ضائعة.
** لسان العرب، مادة “أكر”. وفي مادة “خبر” يأتي “أكّار” بمعنى “خبير” أيضاً. وفي جاء في الحديث أنّ أبا جهل قبل قتله قال “فلو غَيْرُ أَكَّارٍ قتلني”، أَراد به احتقاره وانتقاصه، كيف مِثْلُه يَقْتُلُ مِثْلَه.
*** الصُّبرة: مقدار ما يقدمه الفلّاح للمالك من إنتاج الأرض كلّ عام. ويتركّز ذلك على عدد قلال التمر، فيُقال: صُبرة البستان 200 قلة، أو 300 إلخ.
**** تبدأ رعاية النخلة أواخر الشتاء بالترويس (التنظيف)، وفي أول الربيع التنبيت (التأبير، التلقيح)، وفي آخر الربيع التحدير (إنزال العذوق وربطها) وقد تحتاج إلى تغليق (قطع سعف وتهذيب كرب)، وقصّ الفگـَلْ (الخف)، والخَراف (جني الرطب)، وأخيراً يأتي الصرام (قطع العذوق). وهناك أعمالٌ أخرى إذا اقتضت الحاجة.