الهلال في الأرض..؟ أم في السماء؟! أهمية الرجوع إلى أهل الاختصاص
ناجي عبدالله العيثان
تطرقت قبل سنتين تقريباً الى الهلال الواقعي والهلال النسبي، ووقتها كنت في بداية اهتمامي بموضوع الهلال، ولم تكن الصورة واضحة لي تماماً بالمصطلحين؛ لقلة تداولهما.
كذلك لم أجد شرحاً واضحاً لهما؛ فاعتقدت أن المقصود هو الهلال الفلكي والهلال الشرعي (على الترتيب). وكان هذا الاعتقاد هو السائد أيضاً لدى من أشكل على هذا المبنى (اذا استثنينا السيد السيستاني دام ظله) كما هو واضح لي على أقل تقدير من اشكالاتهم.
وفي الفترة الأخيرة؛ كنت أبحث عن تبرير للإشكالات المستفيضة على مبنى وحدة الأفق؛ لأزيل استغرابي واستغراب الكثيرين؛ حيث إنه مبنى نصف المراجع المعاصرين تقريباً. وبعد مراجعتي لبعض المصادر، مرة أخرى، اتضحت لي الصورة الكاملة للهلال الواقعي ويسمى أيضا الهلال الطبيعي، وهو أساس مبنى وحدة الأفق؛ فوجدته معنى مختلفاً تماماً ونظرية فلكية جديدة لم تخطر على بالي أبداً.
وقبل البدء بتوضيح الهلال الواقعي (النظرية الفلكية الجديدة) أورد لكم هذه النصوص:
- “… وهذا بخلاف الهلال، فإنّه إنّما يتولّد ويتكوّن من كيفيّة نسبة القمر إلى الشمس من دون مدخل لوجود الكرة الأرضيّة في ذلك بوجه، بحيث لو فرضنا خلوّ الفضاء عنها رأساً لكان القمر متشكّلاً بشتّى أشكاله من هلاله إلى بدره وبالعكس كما نشاهدها الآن… وهذا كما ترى أمر واقعي وحداني لا يختلف فيه بلد عن بلد، ولا صقع عن صقع، لأنّه كما عرفت نسبة بين القمر والشمس لا بينه وبين الأرض، فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الكونيّة في جوّ الفضاء”. (المستند في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي – ج١٢ – ص 118
- ” حتى ولو قّدر أن لم تكن الأرض بآفاقها، وكان الناظرون في الفضاء كما هم على الأرض، يحجبهم كوكب عن الشمس، فيبدو عليهم الليل، يرون الهلال”. (من ضمن أجوبة السيد الخوئي في كتاب “رسالة حول مسألة الهلال لسماحة العلامة الراحل آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني ص 180” وهو مكاتبات بين السيد الطهراني والسيد الخوئي)
من المصادر أعلاه يتضح القمر الواقعي (نظرية السيد الخوئي)
القمر الذي نشاهده من الأرض من هلاله إلى بدره هو قمر واقعي حقيقي أي أن هذه الأطوار موجودة في السماء. وبمعنى آخر أن الجزء المرئي للقمر من الأرض هو فقط الجزء المضاء بواسطة الشمس.
وأما النظرية الفلكية
القمر عبارة عن جرم سماوي كروي مظلم، وما الضوء الذي نراه منه إلا انعكاس لضوء الشمس عن سطحه، وللقمر دائما نصف مضيء (المواجه للشمس) ونصف مظلم إلا في حال الخسوف، فلو نُظِرَ إليه من فضاء متوسط بينه وبين الشمس لا من الأرض لرُئِي في حالة البدر دائما مالم ينخسف، وتختلف أطواره التي نراها تبعا لموقع النصف المضيء من القمر بالنسبة للأرض.
فالهلال نسبي وخلقه الله تعالى ميقاتا لأهل الأرض وهو في الأرض وأما الموجود في السماء فهو القمر بنصف مضيء ونصف مظلم.
ومن هنا تأتي أهمية الرجوع إلى أهل الاختصاص وعلم الفلك من العلوم الأساسية للفقيه ولا أحد يستطيع أن ينكر دور الفلك في تحديد مواقيت العبادات، فقد يصل الفقيه إلى نتيجة خاطئة في حكم شرعي أو في تشخيص مسألة دينية بسبب عدم الرجوع إلى أهل للاختصاص، قال تعالى “هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب” فمن يستطيع تحديد منازل القمر وبكل دقة؟
في جزء من حلقة مخاطر تقديس العلماء حصاد الفكر يتساءل الدكتور طارق السويدان، لماذا يتشنج بعض الناس عندما ينتقد بعضهم عالم من العلماء وهو يؤكد وجوب احترام العلماء في القديم والحديث ووجوب الأدب معهم مهما خالفناهم وأن المخالفة ليست هي الهدف ولا الرد على الرد على الرد هو الهدف بل للوصول للحقيقة التي تنفع الأمة وتصحح مسار فهم الدين والحقيقة نسبية، الحق المطلق هو لله وحده. كذلك قال لا يجوز الحجر على الرأي ولا مهاجمة الأشخاص بحجة عدم الاختصاص بل الرد على الأفكار.
ولتغطية الجانب الروائي في وحدة مبنى وحدة الأفق أورد الروايات التي استدل بها السيد الخوئي على مبناه:-
- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله ( ع ) أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين قال: ” إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما ” .
- صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله ( ع ) أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال: “لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الامصار فإن فعلوا فصمه”.
- صحيحة اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبدالله ( ع ) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال : ” ولا تصمه إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه” .
- صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال ” لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه “
ويمكن الرد على هذه الروايات وغيرها أن العبارات التي وردت مثل “أهل مصر” و “جميع أهل الصلاة” و “أهل بلد آخر وفي رواية أخرى “أهل القبلة” جميعها تدل بوضوح على الاطلاق وتقييدها بالبلدان المشتركة في الليل يحتاج إلى دليل.
وفهم هذه الأدلة لايحتاج إلى متختصص بعكس من يؤسس لنظرية فلكية جديدة
الخلاصة:
- الهلال موجود في الأرض وليس في السماء.
- مبنى وحدة الأفق نتاج اجتهاد بالرأي حيث لا توجد روايةٌ واحدة -ولو ضعيفةٌ- تجعل الملاك في التفريق بين بلد وآخر بمعيار اشتراكهما واختلافهما في الليل.
- الذي توصلت اليه أن السيد الخوئي (قدس سره) فهم من الروايات أن بداية الشهر القمري تكون لجميع بقاع الأرض واعتقد جازماً أن فهمه صحيح فأسس نظرية كونية فلكية جديدة توافق فهمه للروايات وبعدها تراجع جزئيا إلى الاشتراك في الليل فأصبح مبنى وحدة الأفق بلا دليل.
مع احترامي للكاتب. لكن استغرب من صحيفة صبرة كيف تأتي بكُتّاب لا يعرفون الكتابة وينقلون تجاربهم وقراءتهم المنقوصة والتي لا تُفهم. يعني بلهجتنا ، يجيبوا جهال ما يعرفوا ويش يكتبوا ، وينشروا مقالاتهم وبس . ما تعرف بداية المقال من نهايته . اذا كان بغرض التشجيع ، فالمفروض ما يكون في موضوع ديني او علمي. بغض النظر عن اتفاقي او اختلافي مع الكاتب وقناعاته