الوجيه عبدالله آل نوح.. شكرًا على هديتك
زكريا أبو سرير
يروى حديث عن رسول الله (ص) يقول فيه عن الله سبحانه وتعالى: “وإني قد آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه”.
عُرفت أسرة آل نوح المكرمة في مجتمعها القطيفي والتاروتي بسمعة طيبة، وبالأخص من عرفهم عن قرب، فقد لمس حقيقة ما أدعيه في حق هذه الأسرة الكريمة، وبتمدد خطها الأسري المشرِّف وما خلفته من بصمات اجتماعية مشعة في الماضي والحاضر.
نالت هذه الأسرة الكريمة في محيط مجتمعها وفي خارجه وسام الشرف بأخلاقها العالية وكرمها المتميز غير المحدود مع مختلف شرائح المجتمع وعلى جميع مستوياتهم وطبقاتهم الاجتماعية، حتى استطاعت أن تشكِّل شبكة علاقات اجتماعية واسعة في داخل مجتمعها وخارجه؛ ووالدهم أبو شاكر (رحمه الله) كان يعد أحد رجال الأعمال في المنطقة، ما ساعد على انتشار معرفة هذه العائلة.
وأياديهم البيضاء لامست غالب مؤسسات المجتمع بدعمهم لها روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا، وكان لهم السبق في فعل الخير، فالمبادرات الاجتماعية والإنسانية لهذه الأسرة الكريمة كانت شاهدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، مناسبة الإفطار الرمضاني السنوي والسحور الرمضاني الذي كان يجمع أقطاب المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته الاجتماعية، دعمهم المستمر لمؤسسات المجتمع كجمعية تاروت الخيرية ولأنشطتها الاجتماعية المختلفة المتنوعة، دعمهم واهتمامهم لنادي الهدى الرياضي وتحفيز الرياضيين والإداريين ورفع معنوياتهم الروحية والبدنية، فضلًا عن مساهماتهم ودعمهم للفعاليات الاجتماعية والوطنية الأخرى، كما تكفلت أسرة آل نوح أخيرًا وليس آخرًا ببناء مشروع المركز الصحي
لجزيرة تاروت بطراز متطور وحديث وعصري، يقع هذا المشروع الإنساني والوطني على مساحة عشرة آلاف متر مربع وبتكلفة مالية تقدر بخمسة وعشرين مليون ريال، وهذا العمل الوطني الجبار لهو كافٍ عن كل ما نريد أن نذكره عن العمق الإنساني والوطني الذي تحملها هذه العائلة الوطنية الكريمة.
ولذا؛ فإن بروز شخصية اجتماعية بسمات إنسانية واجتماعية ووطنية من رحم هذه الأسرة ليس غريبًا، بل هو الطبيعي، وليس من المستغرب أن يكون عكس ذلك، إذ إن هذه العائلة دأبها تنشِئ أجيالًا تزرع فيهم القيم والمبادئ الدينية والوطنية والاجتماعية العريقة.
الوجيه الأستاذ عبدالله بن أحمد آل نوح من مواليد جزيرة تاروت أحد أغصان هذه الشجرة النوحية الطيبة والمباركة والعريقة والموقرة، عرفناه منذ نعومة أظفاره حين زاملناه في الدراسة عن قرب، فكان يتمتع بشخصية فريدة وجميلة في كل أبعادها الإنسانية والاجتماعية، ومع صغر سنه وقلة خبرته الحياتية حينها إلا أنه حمل سمات الرجولة مبكرًا، وهذه الأخلاق التي كان يتمتع بها الأخ أبو أحمد هي انعكاس لأخلاق أبيه الوجيه المرحوم أحمد آل نوح أبي شاكر رحمه الله، حيث رأينا ولمسنا هذا الصنع من نفس المرحوم أبي شاكر مباشرة، فعندما كان يرانا ونحن برفقة ابنه عبد الله كان يبادرنا بالتحية والسلام والابتسامة الجميلة التي تملأ عارضيه، علمًا بأنا كنًّا صغار السن وهو يعد من طبقة الأعمار الكبيرة، ولكنه رحمه الله بالفعل كانت أخلاقه هي الكبيرة والمميزة، وما كنا نراه إلا ملاكًا يتعامل معنا ويعلمنا قيمة التواضع.
فما ورثه الأخ الفاضل عبدالله آل نوح وإخوانه من أبيهم أبي شاكر رحمه الله من هذه السمات النبيلة لهو في الحقيقة ثمرة طيبة من ثمراته التربوية لأبنائه الرائعين والطيبين.
وما أحدثه من إعادة تجديد لإحياء ذكرى والده رحمه الله لهو في قمة البر بالوالدين، وهذه واحدة من أبرز مظاهر البر بالوالدين عندما يخلد ذكرى والده بسيرة عطرة وزكية في نفوس أبناء المجتمع وتذكيرهم بتلك البشاشة التي يحملها، والتي ورثها من أبيه وهي لا تفارق محياه مع الآخرين.
كما أن سمة الكرم والسخاء التي يحملها ويتصف بها الأخ الفاضل عبدالله آل نوح هي سمة مترسخة فيه منذ الصغر، فلم تكن ناشئة له في الكبر بل هي كانت متجسدة في كيانه، فضلًا عن الجوانب الأخلاقية والنبيلة الأخرى التي يتمتع بها، فهو بالفعل يحمل شخصية وقورة ومحترمة، بل هو محل إعجاب عند الجميع.
ضمن مبادراته الاجتماعية الرائعة والجميلة والمميزة عندما أعاد، وعلى نفقته الخاصة، بناء صرح كبير في المجتمع وهو “مسجد عزيز” الواقع قرب قلعة تاروت الأثرية الذي تأسس في القرن الثاني عشر الهجري. المدهش عندما فكر في إعادة بنائه وتصميمه وهندسته لم تكن طريقة تقليدية حداثية، بل اختار طريقة تراثية خرافية تتواكب مع أبعاد تراث المنطقة تمامًا، حيث استطاع أن يجعل منه تحفة معمارية من الطراز الأول، وأعاد نبض قلب المسجد بنبض قلب شاب في عنفوان شبابه وقوته وحيويته وجماله، وهذا الشعور الجميل انعكس شعوريًّا عند أهالي المنطقة وبالخصوص كبار سن الذين عاصروا جزءًا من هذا التراث الأصيل، كما أنه أصبح محل اهتمام وإعجاب السائحين في هذا الصرح التاريخي، إذ أصبح المسجد عبارة عن تحفة معمارية من الخارج والداخل قل نظيره في وسط المعالم الأثرية في هذه المنطقة التاريخية والعريقة، وبان فيه عمقه التاريخي والروحي وشيء من تفاصيل الماضي الأصيل، وأخذ يذكرنا بأيام زمن الأجداد والآباء، وكأنما أعاد ذلك الزمن الذهبي الذي نحكي الآن للأبناء قصصًا تعبر خيالهم بنسمات من الحنين والحب لرؤية ذلك الزمن الجميل، ويعد مسجد عزيز في جزيرة تاروت أحد المساجد التي تتمتع بمكانة رفيعة في قلوب الأهالي، كما أن مؤسسه الأول العبد التقي الشيخ عزيز رحمه الله كان شخصية دينية روحية محبوبة في نفوس أبناء المجتمع، وكما أنه يوجد العديد من المساجد المنتشرة في مناطق القطيف وخارج الوطن كمملكة البحرين باسم “مسجد عزيز”، وهذا يدل على أن هذا العبد الصالح كان رحالة، ويبدو أنه زار أوطانًا مختلفة بوصفه مبلغًا وواعظًا ومرشدًا دينيًّا، وكثرة هذه المساجد التي أنشأها في أماكن مختلفة واليي أطلقت فيما بعد باسمه، فيه دلالة واضحة على أنه كان كثير العبادة وكثير المكوث فيها فهو يشكل قبلة للناس في أمور دنياهم وآخرتهم.
وما هذه الأعمال الخيرية التي يسوقها الله لبعض عباده إلا توفيقات إلهية، وهبات ينعم به الله على بعض من عباده الصالحين، لأن فيها إعمار الداريين وكسب محبة العباد، وتخليدًا لذكراهم الطيب عند كل الأجيال ، فهنيئًا للأخ والأستاذ الوجيه أبي أحمد على مثل هذا التوفيق الإلهي والمبارك، وهنيئًا لنا كذلك به وبأمثاله أصحاب الأيادي البيضاء والنبلاء، فهو يعد ابنًا وفيًا لوطنه ومجتمعه ودينه، وهنا نستشعر دورنا اتجاه مثل هؤلاء الكرام؛ بأن نتوجه لهم بالشكر والتقدير والاحترام والمحبة والمودة على هذه الأعمال الثمينة والغالية التي قدموها للوطن والمجتمع، وأن لا ننساهم من صالح دعواتنا في صلواتنا وأينما كنا، وأن يكونوا بإذن الله مخلدين في قلوبنا وفي قلوب الأجيال القادمة وفي صفحات التاريخ المشرق.
نسأل الله تعالى، لك يا أبا أحمد، طول العمر والصحة والعافية وأن يزيدك من خيره الواسع المبارك حتى ترضى.
عن الإمام زين العابدينَ عليه السلام: “يقولُ اللَّهُ تباركَ وتعالى لِعبدٍ مِن عَبِيدِهِ يَومَ القِيامَةِ: أشَكَرتَ فُلانًا ؟ فيقولُ: بَل شَكَرتُكَ يا ربِّ، فيقولُ: لَم تَشكُرْني إذ لَم تَشكُرْهُ”.
وعن الإمامُ الرِّضا عليه السلام: “مَن لَم يَشكُرِ المُنعِمَ مِنَ المَخلوقينَ لَم يَشكُرِ اللَّهَ عَزَّوجلَّ”.
ومن منطلق القاعدة الاجتماعية الذهبية التي تقول: من لم يشكر المخلوق، لم يشكر الخالق؛ نحن نقول لك: شكرًا.. شكرًا، أبا أحمد.
في ميزان حسناتكم رحم الله والديكم جميعاً