صفوى.. رائحة الفرن تتوقف من مخابز الداوود مشروع الثمانينيات "الحديث" لن يقدم فطيرة القارب بعد اليوم

صفوى: أمل سعيد

كما كل شيء في الحياة، كل ما ولد لا بد أن يموت، كذلك كل ما ابتدأ يوماً لا بد أن ينتهي، هذه السنة الكونية تجري من غير توقف ولا اعتبار لما نريد وما نأمل وما نتمنى.

واليوم الجمعة بتاريخ 3 مارس سنة 2023م، وصلت مخابز الداوود إلى محطتها الأخيرة، فأغلقت أبوابها فلا تفتح من جديد.

قرابة 40 عاماً لم يغلق المخبز بابه سوى أيام وفيات النبي محمد وآله، وعدا ذلك كانت رائحة خبزه وما يقدمه من فطائر وكعك وحلويات تعبق في محيطه.

تأسس مخبز الداوود عام 1406هـ، علي يد المرحوم قاسم محمد حسن آل داوود، وسانده، في ذلك الوقت، أخوه صالح آل داوود.

كانت بدايات المخبز بسيطة، ومخرجاته صنفاً واحداً فقط، يقول حسين قاسم الداوود، الابن البكر للمرحوم قاسم الداوود “في مدينة العمال كانت بدايتنا، وكان المخبز ينتج خبز التنور فقط، وشيئاً فشيئاً تطور العمل”

المرحوم قاسم الداوود

سيد قصر الحلويات

يكمل الداوود “كان أبي يسعى لاستقطاب الكفاءات لإنجاح مشروعه لذا تعاون مع السيد هاشم صاحب مخبز قصر الحلويات (لاحقاً)، كان السيد وقتها يعمل في مطبخ أرامكو، وأكسبه العمل هناك خبرة ممتازة في صناعة الكيك والمخبوزات، واستفاد المخبز من خبرته، لكنه لم يمكث معنا طويلاً، مفضلاً أن يكون له عمله المستقل”.

خطة التطوير

كانت أولى خطوات التطوير في المخبز هي انتقاله إلى مركز المدينة، فمن مدينة العمال الطرفية إلى قلب البلد النابض، يقول الداوود “في غضون سنوات بسيطة انتقلنا من مدينة العمال إلى موقعنا الحالي عند التقاء شارع المروة بطريق الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام”، ويضيف “كان هذا المكان قبل أن ننتقل إليه يحوي مخبزاً لصناعة الخبز المعروف بـ (الفرّان)، ويديره المرحوم عبدالله الصادق، ويشتغل فيه عدد بسيط من العمال من الجنسية اليمنية”.

لم تقتصر خطة التطوير على تغيير الموقع إنما أُتبع ذلك بتحسينات وتعديلات على المستوى الفني أيضاً، ويشرح الداوود التحول التدريجي في المخابز “بعد أن عملنا على توسعة المخبز وتغيير شكله أردفنا ذلك بشراء معدات حديثة وخطوط آلية متطورة، بحيث يكون تدخل اليد البشرية فيها محدود جداً، وبهذا يكون على العامل أن يعجن الدقيق ويسلمه للآلة لتعطيه الخبز جاهزاً، فلا فرد ولا تقطيع ولا تهيئة للخبز، فكل هذي المهام تحولت للآلة”.

أقسام المخبز

يتكون مخبز الداوود من عدة أقسام لصناعة منتجاته المعروفة في مدينة صفوى، وربما كان المعرض ذو الواجهات الزجاجية والذي تُعرض فيه نماذج من المنتجات اليومية، ويستقبل العملاء والمتسوقين، هو القسم الأصغر بينها، فخلف هذا الجزء الصغير مكان مهيأ للعمل اليومي الذي لا يهدأ حتى وقت متأخر من الليل، ليعود للعمل بعد الفجر مباشرة، وفي تفصيل تلك الأقسام يقول الداوود “يوجد في المخبز عدة أقسام، فقسم للخبز الآلي، وآخر للخبز الصامولي، وثالث للكروسان والمخبوزات والفطائر، وقسم أخير للكيك والبقسماط وما يشبهها”، يضيف الداوود “في غضون 7 سنوات وصل المخبز إلى شكله النهائي، واكتملت معداته، ووصل عدد العاملين فيه إلى95 عاملاً”.

عمال المخبز

وعن الأيدي العاملة في المخبز يقول الداوود “بدأ العمل بعدد صغير من العمال، وتقاسم أولاد البلد العمل مع الأتراك، وبعد مدة دخلت الأيدي الفلبينية والهندية وأخيراً البنقلاديشية، أما الإدارة فقد كانت محلية خالصة، ففي البداية كان والدي رحمه الله وعمي هما من يديران المشروع، ثم أدخلني أبي للعمل معهم وقد كنت صغيراً لم أتجاوز الـ 16 من عمري، لكني أحببت العمل وتشربت الصنعة بسرعة، فأشركني  في الإدارة وصناعة القرار”، ويكمل “توفي والدي رحمه الله قبل 12 سنة تقريباً، ورغم أنني تسلّمت إدارة كامل المخبز في حياته إلا أنني كنت أستأنس برأيه ومشورته”.

نقاط التوزيع

بدأ المخبز في صفوى وكانت صفوى هي سوقه الوحيد، لكن الأمر تطور واستطاع مخبز آل داوود أن يكوّن لنفسه سمعة وصيتاً في البلدات المجاورة، وعليه تعددت نقاط البيع والتوزيع وتنوعت وغطت كل من صفوى المركز ثم راس تنورة وأم الساهك وأبو معن وطريق الجبيل من جهة الشمال، أما من الجهة الجنوبية فقد شملت الناصرة والخويلدية والجش والجارودية والقطيف والنابية وسيهات، وغيرها من البلدات والقرى وبجملة جامعة أخذ المخبز نصيبه من السوق المحلية في كامل محافظة القطيف.

فطيرة القارب

اشتهر مخبز الداوود بعدد من المنتجات التي تفرّد بها عن سواه من المخابز الأخرى وربما كانت (كيكة أرامكو) و (فطيرة القارب) هما الأكثر شهرة، ويحكي الداوود سر فطيرة القارب فيقول “هي نتاج تراكم خبرات، فلم تكن فطيرة القارب في بدايتها تشبه ما وصلت إليه اليوم سوى في الشكل فقط، أما الطعم فقد مرّ بتحولات عدّة، وأستطيع أن أقول أن السر في المقام الأول هو في نوعية الجبن المستخدم، فعلى مدى أعوام طويلة كنا نُغير في الجبن، وذلك إما إجباراً كأن ينقطع النوع المستخدم من السوق، أو اختياراً لتجربة الطعم والجودة”.

أسعار منافسة

وفي حديثه عن المخبز ومنتجاته عرّج الداوود على أسعار السلع “يعتبر مخبز الداوود هو الأقل سعراً بين المخابز، احتفظنا بأسعارنا المنخفضة مع تمسكنا بجودة المنتج، حتى مع ارتفاع المواد الأولية كالدقيق والأجبان وغيرها، فحاولنا تقليص هامش الربح قدر المستطاع، وكنا نعتبر ذلك مساهمة منا في رفع ثقل تكاليف الحياة عن الناس، ودعما للمجتمع، وكنا نسأل الله البركة في الربح القليل”.

حسين الداوود

نهاية الرحلة

وصلت مخابز آل داوود إلى محطتها الأخيرة، وقرر مالكها حسين آل داوود إغلاق المخابز نهائياً، وعن ذلك يقول “هناك عدة عوامل أدت إلى اتخاذ هذا القرار، لن أقول أهمها؛ فبعضها يتزاحم مع بعضها في الأهمية، ولكني سأسردها تباعا، وأولها أن الأرض المقام عليها المخبز ليست ملكاً لنا، وقد أعطانا صاحبها مهلة 6 أشهر لإخلاء المكان، وحقيقة لقد راعى الظروف التي نمر بها، وهاقد انصرمت المهلة، وكنا نؤمل في أن ينتهي العمل في عمارتنا الجديدة للانتقال إليها ولكن ما باليد حيلة فالعمل مازال قائماً وأمامه وقت طويل، والسبب الآخر أننا لحد الآن لم نستطع تحصيل مبالغ مالية كانت جائحة كورونا سبباً في تأخير تحصيلها، وهذا ما أدى إلى التأخر في الانتهاء من المبنى الجديد، كما أن اشتراطات البلدية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، والالتزامات المالية التي تراكمت أثناء الجائحة أيضاً أثقلت كاهل الميزانية، كل هذه العوامل دفعتنا دفعاً للوصول إلى قرار الإغلاق”.

آلات جديدة

جاء قرار إغلاق المخبز بعد قرارات بإعادة تشكيله من جديد، ليخرج بحلة جديدة زاهية، وفي سبيل ذلك بنيت العمارة المقابلة له للانتقال إليها فور جاهزيتها، كما تم شراء معدات جديدة بقيمة مليونين و200 ألف ريال، وبعد ذلك كله جرت الرياح بما لم تشته سفينة مخابز الداوود، وعن إمكانية التراجع عن قرار الإغلاق أو عودة المخبز بعد استقرار الأوضاع يقول الداوود “هو قرار نهائي، فحتى لو تجاوزنا عن كل الأسباب السابقة التي أدت إلى الإغلاق، هناك سبب مهم أيضاً ولا يقل أهمية عما ما ذكرت وهو أن وضعي الصحي لم يعد يحتمل الضغوط المتزايدة يوماً بعد يوم، حيث أصبت بجلطة قلبية قبل 3 شهور، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة الضغط والسكر، وأنا وحدي في قبال ذلك كله، لذا فالقرار قطعي ولا رجعة فيه”.

‫5 تعليقات

  1. خروج الشركات الوطنية من السوق المحلية هي خسارة إقتصادية للمنطقة!
    اتسائل ما إذا كان بالإمكان تحويل المخبز لمساهمة مغلقة تقتصر على عدد محدود من الأهل و الأصدقاء و يتم حوكمتها!

  2. اقتراحنا وشكرا
    تكاتف العايلة مع بعضها البعض وافرادها من اخوة واخوات
    وايضا طلب عون ومساعدة من اهل الخير لاستمرار
    المخبز ونهوضه واخذ خبرة من المخابز الأخرى حتى
    لاينتهي المخبز بعد ان دام طويلا وعرف عنه الكثير
    وبالتوفيق

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×