مسرفون.. مع سبق الإصرار

إبراهيم الزين

 

نحن نؤمن جميعاً، ولا أقل غالبيتنا أن أوضاعنا المالية تحتاج إلى غربلة وإعادة ترتيب، وأن مصروفاتنا تحتل الأولوية التي يتحتم علينا إعادة النظر فيها. علينا الإعتراف أننا لم نعد ننعم بذلك البذخ الذي عاشه البعض منا، وأن مواجهة الظروف الإقتصادية المؤقتة إن شاء الله تستلزم غربلة حياتينا المعيشية لتتوافق مع هذه الظروف.

للأسف نحن لم نغير شيئاً من سلوكياتنا الحياتية، وكأن شيئاً لم يكن، فقط نبدي التذمر والإمتعاض كل حين، وكأن ذلك سوف يغير من الأمر شيئاً. ونحن هنا نتسائل، وبعيداً عن الإجراءات التي اتخذتها دولتنا الرشيدة وقيادتها الحكيمة حفظهما الله تعالى، وهذا التساؤل نوجهه للذين يسافرون إلى الدول الغربية بالذات أغناهم الله من فضله: كيف هي المعيشة هناك؟ وهل تقارن بما نعيشه نحن هنا من حيث الغلاء الفاحش عندهم، والذي نحن بعيدون عنه تماما في بلدنا، وليسأل المتحسرون من السفر أمثالي لرؤية إحدى هذه الدول عن البون الشاسع بين غلاء المعيشة هناك ومعيشتنا والتي لازالت بمعدلها المعقول هنا، بغض النظر عن الإرتفاع النسبي في دخل الأجنبي مقارنة بدخل الفرد عندنا، ولكن ذلك لا يعفينا من تهمة الإسراف والتبذير، ولننظر لطريقة معيشتهم ومصاريفهم المقننة سواء على مستوى الفردي أو الجماعي، وأن ذلك لا يقارن بالمهايط والتفاخر بالصرف والإسراف والتبذير والهدر، في غير محله ومكانه.

 ثم في المقابل للنظر أيضاً للدول التي هي أقل منا دخلاً، وكيف هو الفارق الذي يجعلنا نشعر بأننا في نعيم مقيم ولله الحمد، فما بالنا لو نظرنا للدول الفقيرة والأفقر والأفقر؟

لنحمد الله عز وجل على ما نحن فيه، ولنتقِ الله في أنفسنا، فنحن موكلون على أرزاقنا التي وهبنا الله إياها سبحانه وتعالى، ولكنها تبقى أمواله وأرزاقه فوضنا الصرف منها على أنفسنا وأهلينا بما يرضيه، وبما ارتضاه سبحان لنا، وليس صحيحاً أن نتصرف بها كيفما نشاء، فالإسراف والبذخ من سوء التصرف كما هو البخل والتقتير أيضاً.

أضرب مثالاً على نفسي ودخلي المتوسط، والذي أصبح لا يفي حتى باحتياجاتي الأساسية، وهو من الأصل لم يكن كذلك، ولكن لتوالي التغييرات وارتفاع الأسعار في مختلف الحاجات والضرورات، وضح عندي العجز والذي بدأت ألمسه حقيقة، لأغير بسببه مسار حياتي، فاكتشفت أنني حتى ومن قبل التغييرات الطارئة كنت مبذراً، وأن ربع ما أصرف على أقل تقدير ليس من الضرورات، ولا حتى من الكماليات المعقولة المطلوبة.

وأعطي مثالاً أوضح، وهو أني وأظن أن كل واحد فينا من ذوي الدخل المحدود والمتوسط يصرف حين استلامه مرتبه من دون حساب، ثم يكتشف بعد صرف الجزء الأكبر أنه سيعجز أن يكمل الشهر بالباقي، فيبدأ التقليل والتقتير ويكتشف أن ما بقي والذي يمثل ربما ثلث راتبه قد كفى ووفى لنصف الشهر المتبقي، بل وزاد عن حاجته، وكل ذلك بسبب الحذر والترشيد بما يفي الحاجة.

إذا نحن نستطيع أن نفعل الكثير، حتى والأوضاع عادية.

وهنا نحن نتكلم على الذين يعتمدون على مرتباتهم ولا يدخرون شيئاً ، فهم يستطيعون أن يدخروا إذاً ، ويستفيدوا من هذا الإدخار الكثير ، فأولاً يقللون مصاريفهم الثانوية ، ويرشِّـدون استهلاكهم الشرائي ، سواء الغذائي أو خلافه . وهناك الكثير الكثير من الملاحظات ولكننا نوجزها باتلقول بأنه من الضروري الإهتمام بجنبة الترشيد في المشتروات وخاصة الغذائية منها والتي مصير نصفها وبدون مبالغة إلى سلال النفايات وهو أمر لا يرضاه الله سبخانه وتعالى ، فضلاً عن العرف والذوق واحترام النعم .

لنوفر من مداخلينا ، فسوف نجد لاحقاً أنه يمكننا السفر ويمكننا مساعدة المحتاج ، وإعطاء الصدقات ، وأخذ الحيطة للظروف الحياتية المفاجئة مثل العوارض الصحية أو الحوادث المختلفة لا سمح الله فضلاً عن حالات زواج أو احتياجات في أمور مختلفة .

لن يموت أحد من الجوع ، ولن يعرى إنسان من الملبس ، ولن تتعطل حياتنا من دون الموديلات الحديثة من السيارات ، أوآخر صرعات الجوالات ، ولن تقف الأعراس إن قلننا مصاريفها المنهكة والمهلكة ، وليس من الأهمية أن أغير ملابسي كل شهرين وثلاثة بملابس أخرى جديدة وأغلى قيمة ، فهذا التباهي والزهو لن ينفعني إلّا لمسافة قليلة ، ثم أكتشف أنني أصبحت بحالة أتمنى فيها أن لو أبيع بنصف ما اشريت لأسد به حاجتي وحاجة عيالي ، وأنا وإياكم ولله الحمد في غنى عن ذلك ، فلا زلنا بخير ، وعلينا أن نحمد الله ونشكره ونحافظ على ما أعطانا ووهبنا، وأن نؤدي حقوقنا الشرعية منها ، وأن نصرف بالقدر الذي يكفينا ويرضيه سبحانه وتعالى من متفضل منان .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×