النور بزغ من “معهد” في القطيف عام النكسة احتضن أوائل المتعلمين المكفوفين لـ 36 سنة قبل الدمج قبل 21 سنة
القطيف: ليلى العوامي
قبل 56 عاماً، كان ميلاد معهد النور في القطيف، وأماكن أخرى في المملكة، وكان بمثابة الجامعة التي تؤهل المعوقين، وبخاصة المكفوفين، وتنقلهم من عالم الإعاقة واليأس، إلى عالم بناء الذات، والثقة في النفس.
واستمر المعهد في تحقيق رسالته أكثر من 3 عقود، قبل أن يأتي قرار بإغلاقه نهائياً، بسبب تراجع عدد الدارسين فيه، وبجانب قرار الإغلاق، صدر قرار آخر بضم الدارسين المعوقين، إلى المدارس العادية، في تجسيد حقيقي لدمج المعوقين إلى نظرائهم المبصرين.
البداية
وكانت بداية المعهد في منازل استأجرتها الدولة من مواطنين. وتنقسم الدراسة في المعهد إلى قسمين؛ مهني ودراسي.
وأثبت معهد النور في القطيف، نفسه بين أفرع المعهد، بعدما شهد تخرج الكثيرين فيه، ممن أبدعوا، وخطا بعضهم خطوات في التحصيل العلمي، بحصولهم على الماجستير، ومنهم من بدأ مشوار الحصول على الدكتوراه. ورغم إغلاق المعهد أبوابه منذ 21 عاماً، إلا أن ذكرياته مازالت حاضرة في أذهان من عملوا وتعلموا فيه.
حي الشماسية
ويقع المعهد في حي الشماسية في القطيف، بالقرب من حي القلعة في بيوت مستأجرة، ويتألف من قسمين؛ أحداهما دراسي للطلبة المكفوفون الراغبين في الدراسة، والآخر علمي مهني، للراغبين في تعلم مهنة ما، أو قضاء وقت فراغهم بدلاً عزلتهم، إضافة إلى الاستفادة من المكافأة التي تُعطى لهم، وكان مبنى المعهد قريباً من الدفاع المدني في القطيف، وكان مجاوراً لمدرسة أبي ذر الغفاري الإبتدائية.
ذاكرة الماضي
حسن الفارس أحد المعلمين الذين درسوا في المعهد، ذكر بعضاً مما تستحضره ذاكرته عن المعهد والمراحل التي مر بها.
وقال الفارس لـ”صُبرة”: “المعهد تأسس عام 1387 هـ (1967)، وفي عام 1418 بدأ دمج المكفوفين تدريجياً في المدارس العامة، ثم توقف التدريس فيه، وتحول إلى مركز للخدمات التربوية، قبل إغلاقه نهائياً عام 1423هـ”.
وكان أول مدير للمعهد هو حمد عبدالعزيز الحميد (من المؤسسين)، ثم أحمد حسين الجار، ثم عبدالرؤوف أحمد العبدالواحد، وآخرهم محمد العمير.
منازل مستأجرة
ولأن المعهد بدأ في منازل مستأحرة، كان قسم الإدارة والمرحلة الدراسية في منزل الشيخ عبدالكريم الخنيزي، ثم استُئجِر منزل أحمد الشيخ محمد صالح المبارك (رحمه الله) في السنوات الأخيرة، أما القسم المهني، فكان في بيت الحاج مبارك أبو السعود (رحمه الله) في منطقة الشماسية.
ويركز القسم الدراسي على تدريس الطلاب المواد المعروفه، التي تُدرس في المدارس العامة، أمَّا القسم المهني، فإلى جانب الدروس والثقافة العامة، كان الطلاب فيه يتعلمون بعض المهن، مثل صنع الكراسي، ومكانس النظافة، والحنابل للجلوس، وهي سجاد مصنوع من الصوف للجلوس.
إغلاق المعهد
وعن ذكريات الإغلاق، يقول الفارس “رأت الوزارة، ممثلة في المسؤولين في الإدارة العامة للتربية الخاصة، ضرورة دمج الطلبة المكفوفين في المدارس العامة، ليتعرف المبصرون على المكفوفين، والعكس”. وتابع “المعاهد كانت في الواقع مكاناً انعزل فيه المكفوفون عن البيئة الاجتماعية، فرأت الوزارة أن تدمج المكفوفين مع العامة، بعد إغلاق الأقسام المهنية، وذلك لعدم لقلة الطلاب”.
بداية الدمج
بدأ الدمج أولاً بالمرحلة الثانوية في الأحساء، ثم الدمام، وتحديداً في ثانوية المدينة، ثم توسع الدمج، ليشمل جميع المراحل، وبدأت المرحلة الابتدائية من ابتدائية جعفر بن أبي طالب، وفتحت المدارس بعد ذلك في الخبر والدمام ورأس تنورة، ليدرس أبناؤها في مناطقهم.
ويضيف الفارس “كان المعلمون في القسم المهني أكثر عدداً من القسم العام، وهو السبب الذي دعا إلى إغلاق القسم”.
ويتذكر الفارس، الحارس الأمين للمهد نصيب سرور الشامسي، كما يتذكر المعلم إبراهيم سعد البدنه، الذي لا ينكر فضله، وتوجيهاته. ويقول “أستفيد بهذه التوجيهات في حياتي العملية”.
قبل الدمج
ويسترجع محمد عبد العزيز محمد العمير المدير الأخير لمعهد النور في القطيف قبل الإغلاق والدمج، الكثير من ذكريات الماضي في المعهد. ويقول “كان للمعهد دور كبير في دمج المكفوفين مع طلبة التعليم العام، وهي نقطة مهمة كان لها أثر كبير في حياة المكفوفين ومستقبلهم”.
محمد العمير
والعمير من مواليد الأحساء، وسكان مدينة الدمام، حاصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي، ودبلوم من جامعة “أدنبرة” في التربية والدراسات في التربية الخاصة، حضر مؤتمرات عدة، في السويد، وهولندا وأمريكا ومصر، تتعلق بالتربية الخاصة، خصوصاً المعاقين بصرياً”.
وتسلم العمير العمل في المعهد في تسعينات القرن الماضي، وبدأ وكيلاً لعبد الرؤوف العبدالواحد.
ويواصل العمير “في ذاك الوقت، كان المعهد ينقسم إلى قسمين؛ واحد دراسي، وآخر مهني”. وأوضح “الدراسي يختص بتعليم الطلاب المواد التي تدرس في المدارس العامة، ولكن أحياناً بشيء من الإختصار، وبعض المواد تحتاج إلى تعديل لتناسب المعوقين بصرياً، سبب صعوبة طباعة الكتب التي تدرس في المدارس العامة بطريقة بريل”.
وتابع “القسم المهني كان للطلاب الذين تأخروا دراسياً، ولكن الهدف من تعليمهم هو تأهيلهم وشغل وقت فراغهم وحصولهم على مكافأة بسيطة”.
وعمل العمير مع الكثير من موظفي المعهد. وقال “أتذكرهم منهم حسن الفارس، شاكر الخنيزي، أنور النصار، سيد طاهر، فايز الهاشم، فاضل أبو شومي، فؤاد الحمود، عبدالرسول أبو السعود، وفيصل آل حماد (رحمهما الله)، وأشخاصاً كثيرين، وأعتذر لو أغفلت ذكر أحد منهم”.
المتوسطة والثانوية
ومن الطلاب الذين عملوا معه مدرسين، قال العمير “منهم رميح وابن الهاجري، وكانا من طلابي في المرحلتين المتوسطة والثانوية، حينما كنت أدرس في فرع المعهد في الأحساء، قبل انتقالي إلى معهد النور في القطيف”.
ويتذكر العمير طلابه الذين مازالوا يسألون عنه إلى اليوم. ويقول “منهم أبناء الجميع من الأوجام”. ويضيف “عمل معنا مجموعة من المساعدين، من ضمنهم علي العلق، والمسؤول عن الطباعة حامد الرهن وحسين الغازي”.
وعن المواد التي تُدرس في المعهد آنذاك، يقول العمير “هي نفسها مواد مدارس التعليم العام، ولكن بإجراء تعديل عليها لتخفيفها، عبر إغفال الجانب العملي في المواد العملية، والاكتفاء بالجانب النظري، مع اختصاره، نظراً لصعوبة طباعة كل ما تحتويه كتب المبصرين”.
وساهم العمير في دمج المكفوفين. وعن هذا الدور يقول “قمت بالمساعدة، وذلك بإيعاز وتشجيع من الجهة المسؤولة عن التربية الخاصة في الوزارة، من أجل دمج المبصرين مع طلاب التعليم العام، وكنت أنا من دعا إليه وأفتخر به”.
رحم الخال السيد طاهر كان معلما ومربيا وأبا