[مقال] نادر الخاطر: فقدان الهوية وضياع الفكر

نادر الخاطر

 

 

شاهد الناس كثير من فيدوهات الانتحار الفردي، أو عمليات انتحارية هدفت ألى إفناء بشر لا ذنب لهم، واستهجنوا ذلك، لكني بنحو شخصي شاهدتها قبل العرض الختامي حين كانت تجرى تجاربها في ميادين الفكر وأزقة الصراع النفسي الرهيب حول الحضارة.

شاهدت ذلك في تفاصيل جدل المبتعثين بشدة حين تعلق الأمر بأي حضارات على الفرد منهم أن يتمثّلها، هل يتمسّك بسمته الشرق أوسطي المحافظ وعقيدته الإسلامية، أم هل يذوب في بحر الحضارة الغربية المنفتحة؟

دائما يخرج الشباب العربي من أوطانهم إلى الغرب مدفوعين بحب التطور التقني وطبيعة الحياة في الغرب، لكن أخطر التحديات التي يواجهونها هناك هي مسألة التحرر داخل الأسر، ونمط الحياة الفردية القاسية على طبائعهم التي تربوا عليها، فكثير من الذين تماهوا معها وتخلوا عن عقائدهم أو ثقافاتهم؛ جاهلون تماما بأن الغرب بُنى على تنوع الثقافات واحترام الآخر، وأن التماهي لدرجة الذوبان والتنكر للجذور والهوية غير محترم لدى الغربيين.

وقد أدى ذلك إلى ردة عظيمة عن إيمان البعض بالحضارة الغربية حينما تعلق الأمر بالسمت الثقافي في الملابس أو الزواج أو الصداقات بين الجنسين، وقد تجد أن الكثير من الاتهامات التي واجهوها من الغربين تركزت حول تحولات سريعة في تبنها العربي متنقلا من ثقافته الشرقية إلى الغربية ومن ثم عودته للشرقية بعدوانية مدمرة للغربية.

بين المبتعثين أنفسهم، بلغ الجدل مداه، يوم طفت على السطح أفكار التخلي عن الإسلام والهوية العربية، لكن الملاحظ – وهو شئ إيجابي- أن الجدل مؤخرا خرج من زاويته التقليدية الضيقة بشأن النصوص: يُقتل لأنه ارتدّ، أم يُعفى لأنه حر..! وانحصر هذه المرة في نواحٍ تتعلق ببناء الفرد لشخصيته واعتداده بهويته ومكوناته الثقافية التي شكلته.

أكثر الأسئلة التي كنت أثيرها بين ثنايا النقاش مع زملاء أو من جمعتني معهم سنوات الدراسة في الخارج هو لماذا لا يتأثر الغرب بالثقافة الشرقية مثلما يفعل الشرقيون؟

ولقد وجدت من ضمن ملاحظات متعدد، أن الأمر تعلّق بالتربية بنحو كبير، وليس كما هو شائع عندنا أنه ناتج عن الفقر والغنى، أو التقدم والتأخر التقني، فالثقافة في مضمونها الكبير ليست مرتبطة بالثراء المادي، بقدر ما أنها تتعلق بالمعتقدات والقيم المتوارثة فى بلاد ما، وفي الغالب يشتد ارتباط الفرد بثقافته أو دينه لأنه يجد إيمان المجتمع بتلك القيم الثقافية شديد الرسوخ.

ثمة فوارق شاسعة بين حضارتي الشرق والغرب، لكن الذي يجب أن يخضع للدراسة والبحث هو: مدى تأثير الصدمة الحضارية على أولئك الذين تخلوا عن ثقافاتهم وأديانهم لمجرد الانتقال من بلاد لبلاد، كما لا يجب أن تسقط تلك الدراسات بأي حال من الأحوال عمق التربية التي تشرّبها أولئك (المتحولون)، ثم مدى التزامهم لاحقا بالتماهي مع الحضارة الغربية والإلتزام بقواعدها.

لقد قادت التحولات غير الممنهجة والناتجة عن الجهل بتسمية الأشياء ومعانيها، الكثير من الشباب الى الإنتحار الفكري قبل الجسدي، إن مهمتنا الآن تتعلق بنزع فتيلة الانتحار المدسوسة بين ثنايا الفكر التربوي، مهمتنا ألا نرى الهوية أو الأجساد وقد تناثرت إلى أشلاء.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×