شجاعة دموع البصل
نسيمة السادة
يكاد يكون من أهم المحاصيل وأكثرها استخداما في المطبخ، تلك الطبقات النسيجية الغضة المختزنة للحياة والملتفة حول نفسها على شكل طبقات تقاوم حد السكين، وتذرف دموع من يحاول كشف طبقاتها وتقشيرها، وقد نتفاجأ إذا علمنا ان هذه البصلات قد تنتج العديد من الأزهار الجميلة كالتوليب والنرجس والسوسن وكذلك الزنبق، فبصيلاتها الجافة تنتقل من موسم لآخر، ولن تخجل من إبداء كرمها حين تتكاثر نفس البصيلات تحت الأرض، فما تزرعه بصلة واحدة في سنة تحصده بصيلات عديدة في نهاية الموسم لتستخدمه في موسم زراعي جديد.
الجهد والدموع للكشف عن جوهر البصل وطعمه، يشابه ما يعانيه الإنسان من كشف حقائق ذاته ودواخلها، خصوصاً أننا نعيش حالة الانشغال التام عنها. تجاهلنا فيه ذواتنا فأصبحت غريبة عنا، لنفاجئ أنفسنا بردود فعل غبية عند الغضب من ناحية أو بتصرفات مسؤولة وحكيمة أو بصبر كبير عند نازلة شديدة بطريقة تتفاجأ نفسك من نفسك.
وما يميز ذاتنا أنها تقوى وتنمو مع كل تجربة وكل اختبار.
ويظل الانسان يبحث عن معنى لحياته طوال عمره، ويظل في رحلة الاكتشاف هذه مادامت روحه معلقة بجسده وعند كل منعطف أو ابتلاء، شدة أو رخاء يتكشف للإنسان مستوى أعمق من شخصيته، وعند كل نازلة ينزع عنها طبقة من طبقات شخصيته الملتفة حول جوهرة وصلب معدنه.
ان أصعب مرحلة يعيشها الانسان هي مرحلة البحث عن الذات وتقويمها ومحاسبتها حتى يصل الى الانسان الذي يتمناه، يحتاج فيها إلى أن يرسم خطاً زمنياً لحياته، ويحدد موقعه فيها ومن ثم ينظر في مرآة نفسه لحاسبها ويسألها السؤال الأهم ماهي رسالتي في الحياة؟ وماهي نقاط ضعفي؟
وكيف أروض نفسي لتسير في المسار المحدد؟ كيف أقاوم كل هذه الرغبات والشهوات؟ ماهي القيم والمعتقدات والمشاعر لشخصيتي الحقيقية؟ وهذا لن يتم الا في لحظات من العزلة والتركيز والتأمل والتي نحتاجها بين الفينة والفينة. لنحدد خطوتنا القادمة ونصحح ما يمكن تصحيحه من مسارنا، والمحظوظ هومن يصل الى هذه المرحلة في سن صغيرة، هذا بالضبط ما يحدث للعرفاء والمتأملين والنساك يلجؤون للعزلة لمعرفة ذواتهم فهم الأولى بمعرفتها لا الناس.
في كل هذا الصخب والضجيج نحتاج لوقفة شجاعة وعاجلة لننزع كل طبقات التكلف والزيف، ونبطء من عجلة الحياة المتسارعة لنصل للطمأنينة المنشودة بمعرفة ذواتنا، ونخرج من قوالب التبعية العمياء والتنميط الاجتماعي للبحث عن تلك الجوهرة التي ميزنا الله بها عن سائر مخلوقاته، والجسور هو الذي يملك الإرادة والقوة لتقشير هذه القشور وان ذرف الدموع.
الله يعطيك العافية