العبادي في تكريم زرع: هكذا أنت!
زكي اليحيى
ضمن المشاركات المتنوعة المقدمة في حفل تكريم الشاعر الشيخ عبد الكريم زرع، قدم الشاعر شفيق العبادي نصه الشعري “هكذا أنت” ضمن النصوص التي نُشرت في صحيفة صبرة بعد حفل التكريم. وكان الاجمل (طبعاً ويا للأسف) لو كانت هذه المشاركة من ضمن برنامج الحفل وقرأها الأستاذ شفيق بصوته المتميز بحنجرته المبحوحة!
ولكن وقبل ملامسة النص نفسه، فلهذه المشاركة رمزيتها الرائعة، بالذات لمن عرف الأستاذ شفيق وعلاقته بالشيخ عبد الكريم وما يجمعهما مع باقي أسرة منتدى الغدير من نشاط مميز انطلق في منتصف الثمانينات، وأفرد له الأستاذ حبيب محمود مقالة نشرت في صبرة عام ٢٠١٨ ذكر فيها وبكل تفصيل وتشويق جميع أعضاء تلك المجموعة وأمزجتهم الأدبية ونكهاتهم الثقافية.
وبنفس الوفاء لا ينفك الأستاذ شفيق العبادي عن ذكر منتدى الغدير كلما سنحت له الفرصة ضمن الفعاليات الأدبية والثقافية، كاشفا عن حب ووفاء عميقين، لتلك المرحلة ولتلك النخبة التي بدأت بمجموعة من شعراء العمود وانتهت بموزاييك لامس الشعر بكل أجناسه واخترق الرواية والتاريخ والصحافة، بل أن أحد أهم عناصره هو من قدم وأخرج مشروع القطيف الجيني.
أما أن يعنون الأستاذ شفيق نصه بهذا العنوان “هكذا أنت” فلا أدري إذا كان يقصد بقاء الشيخ عبد الكريم على نَفَسه الكلاسيكي في كتابة الشعر أم أن يقين الشيخ عبد الكريم هو الحركة كما أحب الشاعر العبادي أن يقدمه في نصه واصفا إياه بـ”الراقص (دوما) على حبال الشك”. فالبقاء هنا لا يعني السكون. أظن أن الاسلم هنا هو القفز على هذه الخيارات لنصل للمعنى الكلي للشاعر والذي متى ما تحققت كينونته وصاغ رؤاه مخترقا بها الأزمنة تحطمت كل الأطر التي يحاول المنظرون تسييجه بها.
ولكن إذا تجاوزنا العنوان، وارتضينا أيا من فهمنا لثنائية البقاء والحركة، صُدمنا بان النص نثري (الشكل) أولا، وثانيا أنه مشبّع بجينات الحداثة، من تركيب ومفردة وصورة، بل وحتى مآلاته ومفاعيله، كلها طافحة حد الاستفزاز بالذات إذا ما رُوعيت القوافي والاوزان المحيطة بالمناسبة، والمتوقع من نوعية المشاركات المعتادة في مثل هذا التكريم الخاص بشاعر هو أيضا من طلبة العلوم الدينية. لا يعني ذلك اختفاء النصوص غير العمودية في مشاركات شبيهة وانما القصد هو الإشارة الى السائد. هذه (المشاكسة) الجميلة من الشاعر العبادي تعبر عن سلوك تجربة منتدى الغدير والذي ما أن تبلورت تجاربه حتى شهد هذا النوع من (المشاغبات) الى أن استقل أعضاءه بمشاريعهم الثقافية وبرؤاهم الأدبية. هذه المشاغبات وهذه الاختلافات بين عناصر الغدير، والتي صنعت من شفيق العبادي فارسا عابرا للأشكال – من العمود الى باقي الأشكال الشعرية – لم تكن كلها حادة كما لم تكن سلسة، أو كما أحب هو أن يعبر: “لم تثنه مناكفة القافلة، مخاتلة البياض”. الأكيد ان شفيق مدرك لهذه المفارقة وعبر عنها في ختام النص: “ليكمل كل منا لعبته بالطريقة التي يراها”.
قد نختلف في مدى سكون وحركة الصورة الشعرية عند شاعر كبير بحجم شفيق العبادي، الا ان الصورة تظل حاضرة بالمعنى الفوتوغرافي وكأنه يصر على رصد الزوايا وتسليط عدساته متخففاً من أدوات الرسم لحين وضع رتوش على الصورة معبرا بها عن الخلاقية الشعرية التي تنقلها من الانطباع الى الحياة. وبنفس هذا المزج بين العدسة والفرشاة كانت الكثافة تراوح بين مجازات وانزياحات هي من صميم لغة شفيق، ولكنها شفّت لتكشف غايته من هذا النص، وليصل المتلقي للصور قبل أن يغادر أجواء المناسبة – فيما لو كتب لهذا النص أن يكون ضمن برنامج الحفل!
اقرأ ايضاً