ابرخ السفينة يا بحّار..!
برَخ
البرخ في اصطلاح النوتية (البحَّارة): دفع السفية بالمردي، إذا رأى النوخدة فتورًا في البحارة الموكل إليه دفع السفينة: إبرخ، أي ادفع. ووالبرخ في اللغة: النَّماءُ والزِّيادة، والرَّخِيصُ من الأَسعارِ عُمَانِيّة، وقيل هي بالعِبْرَانِيّة أَو السُّرْيَانِيّة.
يقال: كيف أَسعارهم؟ فيقال: بَرْخٌ، أَي رَخيص. والبَرْخُ القَهْرُ ودَقُّ العُنُقِ والظَّهْرِ. وأظنهم استعاروها من هذا المعنى، أي أهنها (السفينة) بدفعها بقوَّة، كما يقولون لمن يعالج شيئًا صعبًا بعنف: >عندك اياه، العن أباه!<. قال العجاج:
وَلَو رَآني الشُعَراءُ دَيَّخوا
وَلَو أَقولُ بَرِّخوا لَبَرَّخوا
لِمارَ سَرجيسَ وَقَد تَدَخدَخوا
وَدُستُهُم كَما يُداسُ الفَرفَخُ([1])
الفرفخ، نوع من الحشائش، سيأتي الكلام عنها في محله.
برد
لهذا الفعل عندهم اشتقاقات وتصاريف عدة، منها:
1 – برَدَه، إذا أرادوا التعبير عن سحل الحديدة، كالسكين ونحوِها بالمبرد لترقيقها، فمن المبرد، قول ابنُ نباتة السعدي:
يَهَابُ الفتَى فقدانَ ما هو واجدٌ
ولو لم يجد؛ ما هابَ ما هو فاقدُ
أَرى المرءَ فيما يبتغيه كأَنما
مداولةُ الأيامِ فيهِ مَبَاردُ([2])
وقول معروف الرصافي:
لعمرك لو كانت حديداً جسومنا
لأبلته، من كرّ الليالي، مبارد([3])
وقال وديع عقل:
وأني إذا الظُلَّامُ القوا حديدَهم
تلقَّته أقلامي وهنَّ مباردُ([4])
ومنها البُرادَة، وهي ما تحاتَّ من الحديدة بالمبرة، قال ابن اللبانة الداني:
والطلُّ مثل بُرادة من فضة
منثورة في تربة من عنبر([5])
وقال ابن قلاقس:
كأنّ الشُعاعَ على متنِه
فرنْدٌ بصفحةِ سيفٍ صَدي
يحاكي إذا درجَتْهُ الصَّبا
بُرادةَ تِبرٍ على مِبرَدِ([6])
وقال السري الرفاء:
ورَوْضٍ كَساهُ الغَيثُ إذ جادَ أرضَه
مَجاسِدَ وَشْيٍ من بهارٍ ومَنثورِ
به أبيضُ الوردِ الجَنيِّ كأنَّما
تَبسَّمَ للناشي بمِسكٍ وكافورِ
كأنَّ اصفراراً منه فوقَ ابيضاضِهِ
بُرادةُ تِبرٍ في مَداهِنِ بَلُّور([7])
الطريف أن البرَّادة، بتشديد الراء، كان يطلقونه على إناء يعلقونه في البيت؛ لتبريد الماء، قال ابن المعتز:
حَتّى أُقيمَ في جَحيمِ الهاجِرَه
وَرَأسُهُ كَمِثلِ قِدرٍ فائِرَه
وَجَعَلوا في يَدِهِ حِبالاً
مِن قُنَّبٍ يُقَطِّعُ الأَوصالا
وَعَلَّقوهُ في عُرى الجِدارِ
كَأَنَّهُ بَرّادَةٌ في الدارِ([8])
2 – البريد، وهي زُوَّادة من طعامٍ بارد يحملها البحار، أو الزرَّاع طعامه. قال أبو مسلم العماني:
وُجودُك يا ذا الجود أوثق حيلةِ
وجودك يا ذا الجود غيث محيلتي
وجودك رَوحي في الكروب الجليلة
وجودك إذ عز الشفيع وسيلتي
وجودك، إذ عز البريد، بريدي([9])
3 – ابرِد
ابْرِد: دعوة يدعون بها في حال التضايق أو الغضب على من لا يحبون إيذاءه، فيقولون: >ابرد، بَرَدْ بَدَنْك!<، كأنهم يدعون له بالهناء وصفاء البال. وجدت هذا المعنى لدى عبدالله بن محمد بن فرج المسعري الدوسري، الكويتي، من قصيدة مطلعها:
يراعتي في الهوى دلَّت على هِمَمي
حين استهلَّت دموع العين كالعنَم
ومنها في المعنى قوله:
إن الغَزالَةَ غارَت من تلفُّتِهِم
فَاستَخدَمت نورَ حُسْنٍ من جينِهِم
هزلت لما رأيت الخِصر في هزلٍ
منِّي، وقلت: ابْرُد، لريقهم([10])
———–
([1])ديوانه، تحقيق د. عبد الحفيظ السطلي، سبق ذكره، جـ2/ 178 – 180.
([2])ديوانه، دراسة وتحقيق عبد الأمير مهدي حبيب الطائي، وزارة الاعلام، بغداد، 1397هـ، 1977م، جـ2/567، وموقع بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/QenGKT.
([3])ديوانه، مراجعة مصطفى الغلاييني، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014م، جـ2/467.
([4]) موقع بوابة الشعراء، شعراء الفصحى في العصر الحديث، لبنان، الرابط: https://goo.gl/1z2Erh.
([5])ديوانه، مجموع شعره، جمع وتحقيق أ. د. محمد مجيد السعيد، دار الراية للنشر والتوزيع، عمَّان، الأردن، الطبعة الثانية، 1429هـ، 2008م، ص: 71.
([6])ديوانه، راجعه وضبطه، وأعده للطبع خليل مطران، مطبعة الجوائب، القاهرة، 1323ه، 1905م، ص: 36.
([7])ديوانه، تقديم وشرح كرم البستاني، مراجعة ناهد جعفر، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 2996م، ص: 238.
([8])ديوانه، طبع دار صادر، بيروت، د. ت، ، ص: 494.
([9])ديوانه، وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان، 1407هـ، 1987م، ص: 142.
([10])القصيدة ليست في ديوانه، وهي في الموسوعة الشعرية.
[يُتبع الاثنين المقبل]