بالقطيفي.. لا تضربْ “بَخْصْ”…!
بخت
البَخْتُ، لغةً: الحظ، فارسية معربة (انظر محيط المحيط)، وقد ترددتْ كثيرًا في الشعر العربي، قال ابن المعتز:
اشرَب بِكَأسٍ مِن كَفِّ طاوُوسِ
مُدَلَّلٍ في النَعيمِ مَغموسِ
طالَ وُقوفي عَلَيهِ مُنتَظِراً
لِمَوعِدٍ في المِطالِ مَحبوسِ
ما في يَدي مِنهُ غَيرُ عَضُّ يَدي
وَرُبَّ بَختٍ في الحُبِّ مَنحوسِ([1])
وقال إبراهيم الرياحي:
على قَدَرٍ وَافَتْكَ عَالِيَةَ القَدْرِ ويا طالما حنّت إلى وجهك البدري
وساعدها بَخْتٌ، ولولاه ما اهتدت إلى أن ترى شمسًا على صفحة الدّهرِ([2])
بخَّ
بخَّ، لُغةً: أعجب بنفسه، وسكن من غضبه، وفي النوم غطَّ، والمعنى الأخير من لهجة أهل القطيف، ولكنهم يصرفونه لصوت النائم غير الشخير، ويتوسَّعون فيه لمعنى آخر هو: رش الماء قليلاً، قال أبو حيان الأندلسي:
عجِبتُ لَهُ مِن جِلدَةٍ لانَ مسُّها
وَيَقوى عَلى قَلعِ العَظيمِ مِن النَخلِ
وَيَملؤُه ماءً يبخُّ بِهِ الوَرى
كَأَنَّهُم قَد رَشَّهُم مِنهُ بِالعطلِ
وقال سليمان الصولة:
أنمساويَّة الجدَّين إني
أرى بخدودك الوردَ العجيبا
يَبُخُّ على قلوب الناس ناراً
أصار الورد في الدنيا لهيبا؟([3])
البخت
جاء في تاج العروس: >البَخْتُ: الجَدُّ، والحَظُّ، مُعَرَّبٌ، أو مُوَلَّد، وفي العِنَايَة، في الجِنِّ: أنّهُ غيرُ عربِيٍّ فصيح. وفي المصباح: هو عَجَمِيٌّ، وفي شِفاءِ الغَليلِ: إنّ العرب تكلَّمَت به قديماً، ومثلُه في لسان العرب، قال الأزهريّ: لا أدري أعربيٌّ هو، أم لا ؟<([4]).
تردد ذكر البخت بمعنى الحظ في الشعر العربي، قال ابن الرومي:
وفارِسُ الأحرار بالبَذْنَخْتِ
قضى عليه بقضاءِ بَتِّ
مِن آكلِ الناسِ لخبزٍ بَحْتِ
يلُتّهُ بالريق أيَّ لتِّ
أحسبَ حُسَّابِ بني نَوْبختِ
بأنه نحسٌ شقيُّ البختِ([5])
وقال ابن رشيق القيرواني:
ورأَيتُ حَظِّي منه أَعـ
ـرضَ جانباً فوضعْتُ جَنبي
ورأَيتُ شَرَّ البخْتِ أَصـ
ـبحَ حاجبي، فهتكتُ حجْبي([6])
وقال ابن عطاء الله المصري:
والذي قد ذُبتُ من وَجدٍ به
وغرامٍ ليس يدري الخَبرا
لَيتهم لو سامَحوني ساعةً
بحبيبي فاختَلستُ النَظَرا
ليس بَختي في الهوى البختَ الذي
أجتنى البرد به والزَهَرا([7])
وقول المفتي فتح الله:
لَها اليُمنُ حُضنٌ وَالسّعودُ حَواضِنٌ
لَها فَوقَ رَأسِ الفَرقَدينِ مَراتعُ
لَها السَّعدُ خدّامٌ عَلى هامَةِ السّهى
وَفَوقَ ثريّا البختِ وَالحظِّ تابعُ([8])
بخص
البخَص: لحم باطن القدم وفرسِن الجمل، هذا في اللغة، وله عند أهل القطيف معانٍ تفصيلها:
1 – بفتح الأول والثاني: لحم باطنِ خُفِّ البعير (الفِرسن)، وكان الجزَّارون يطبخون، وله موسم يبيعونه فيه في سوق الجبلة، وهذا المعنى ورد في الشعر. قال أبو حية النمري:
حتى أتتْكَ وقدْ رَمَتْ بجَنينِها
ومشتْ على بخْصِ اليدَينِ الأحمرِ
آلتْ إذا ما حُلَّ عنها رَحلُها
جُعِلتْ تُضيفُ منَ الغرابِ الأعورِ([9])
وقال الفرزدق:
فَما بَرِحَت حَتّى تَقارَبَ خَطوُها
وَبادَت ذُراها وَالمَناسِمُ رُعَّفُ
وَحَتّى قَتَلنا الجَهلَ عَنها وَغودِرَت
إِذا ما أُنيخَت وَالمَدامِعُ ذُرَّفُ
وَحَتّى مَشى الحادي البَطيءُ يَسوقُها لَها بَخَصٌ دامٍ وَدَأيٌ مُجَلَّفُ([10])
2 – بسكون الأول وفتح الثاني، يعنون به الضرب المؤلم، تسمع أحدهم يقول لممازحه: >ضربك بخْص واجد، لا تبخص، ما هو زين!<
فكأنهم استعاروا المعنى من: بخص عينه: قلعها بشحمها، وهو أشد الألم. قال الصنوبري:
فَيُمْكِنُ القبضُ مِنْ نداهُ وما
يُقْبِضُ فهو الحريُّ أَن يُقْبَض
به عيونُ الصُّروفِ قد بُخِصَتْ
وهي أحقُّ العيونِ أنْ تُبْخَص([11])
وقال محمد شهاب الدين المصري:
مهلاً، ستسمع ما يسوؤك من أذىً
وترى بعينك ذاك إن لم تُبخَصِ
طيشُ الفراشة جرَّها لهلاكها
ما كان ذو حِرص كمن لم يحرُصِ([12])
3 – المعنى الثالث، وهو الأخير، يأتون به على وزن أفعل التفضيل، فيقولون لمن استنكر أمرًا من ذي جاه أو نفوذ: >لشيوخ أبخص<، أي إن الشيوخ أدرى وأبصر بالأمور<. والشيوخ هم ذوو النفوذ والسلطة.
لم أجد في هذا المعنى شعرًا، لكنه – في رأيي المتواضع -عربي، كأنهم أخذوه من: تَبَخَّصَ؛ حدَّق ببصره، كناية عن التدقيق والتفرس.
————–
([1])ديوانه، دار صادر، بيروت، د. ت. ص: 270.
([2])ديوانه، تحقيق محمد اليعلاوي، وحمَّدي الساحلي، دار الغرب الاسلامي، بيروت، د. ت، ص: 61.
([3])ديوانه، دار المعارف، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ 1894، ص: 27.
([4])انظر تاج العروس، والمعجم الذهبي.
([5])ديوانه، شرح أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1423هـ، 2002م، جـ1/265.
([6])ليست في ديوانه، وهي في الموسوعة الشعرية.
([7])موسوعة الشعر العربي، الرابط: https://goo.gl/XVPw4b.
([8])شعراء الفصحى في العصر الحديث، الرابط: https://goo.gl/iQDAAZ.
([9])شعر أبي حية النمري، جمعه وحققه د. يحيى الجبوري، منشورات وزارة الإرشاد القومي، دمشق، 1975م، ص: 59.
([10])ديوانه، شرحه وضبطه وقدم له أ. علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1987م، ص: 383.
([11])ديوانه، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م، ص: 203.
([12])ديوانه، طبعة الشبراوي المطبعجي، حجرية، القاهرة، 1277هـ، ص: 66.
[يُتبع غداً في الثامنة صباحاً]