[1 من 3] الموسيقى بين الإباحة والتحريم
محمد السنان
قضية الغـناء والموسيقى وموقف رجال الدين المتشـددين منها أصبحت الشغل الشاغل لكثير من الناس على مدى أربعة عقود مضت. وهي الفترة التي أطلق عليها تجاوزاً بـ “زمن الصحوة”، وفي الحقيقة كانت “زمن الكبوة” التي بلغت فيها الحركات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية في العالم العربي أوج مدها الدعوي الإرهابي. كما أن الموضوع قد أثير بشكل فج وهسـتيري عبر أجهزة الإعلام المكتوبة، وفي المساجد التي كانت تخضع لسيطرة هذه الفئات المتطرفـة.
وبما أن هذه الحركات كانت منظمة تنظيماُ متماسكاً، ويتم تنسيق كل أنشطتها عبر قنوات في غاية الدقة، الأمر الـذي مكّنها من بسط نفوذها وسيطرتها على الكثير من الأنشطة الاجتماعية والأكاديمية، والسياسية، وبالتالي تمكنت من السيطرة على عقول الشباب والولوج إلى مختلف طبقات المجتمع باختلاف أنواعها، وقامت بطبع كتبها وتسجيل أشرطتها وتمكنت كذلك من الضغط لتسخير الأجهزة الإعلامية مثل الإذاعة و التليفزيون، وعبر منابر المساجد والتجمعات الأخرى لبث ولنشر أفكارها والسيطرة على عقول الناس.
وقد تفجرت هذه المشكلة بشكل أكبر عندما اعترض بعض طلاب جامعة القاهرة المؤسـلمين سـياسـياً في عام1988م على إقامة حفلات غنائية بها، الأمـر الـذي دفع بالصحـافـة للتصـدي إلى هـذه الظاهـرة المناهضة لفن الموسيقى والغناء وتسابقت في تهويل الواقعة معـتبرة أن كراهية الغناء والموسيقى ردة حضارية خطيرة. وعلى إثر ذلك ارتفع اللغط واتخذها الخطباء المرتبطون بتلك التنظيمات التكفيرية فرصة للهجوم على الفن والفنانين ووصفهم بأقدح الأوصاف، وأصدروا لهم تأشيرات الدخول إلى جهنم وأوصدوا في وجوههم أبواب الجنة، وكأنهم وكلاء الله على عباده.
وقد كانت لتلك الحملة الموتورة والمتشنجـة التي قادتها ودبرتها بعض التيارات الإسـلامية التكـفيريـة التي خرجت من رحم تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي نتائج خطيرة، حيث إن تأثيرها امتد إلى فروع الفـن الأخرى، مثل المسرح والسينما، وكلنا يعلم كم من الفنانين والفنـانات اعتزل الفـن وأعـلن توبته، وكأن الفن إحدى الكبائر التي يستوجب على مرتكبها التوبة وإلا خلد في نار جهنم.
وقد اعتمد هؤلاء الدعاة في أساليبهم الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، متخذين من سور القرآن الكريم حججاً لـدعم ادعاءاتهم بعد أن فسروا الآيات وفقاً لمنظورهم الضيق والعسير.
إن أهم ما يميز ديننا الإسلامي الحنيف أنه دين اليسر وليس العسر، دين غرس الحب والجمال والمشاعر الشفافة والرقيقة في أعماق المسلم. والقرآن الكريم مليء بالآيات العظام التي تلفت الأنظار وتنبه القلوب إلى الجمال الذي أبدعه الله سبحانه وتعالى في كونه من طبيعة ومن سماء تتلألأ في كبدها النجوم والأقمار، وغناء الطيور من حولنا..
إن عمر ابن الخطاب وعليــاً (ع) وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المســائل – وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي (ص) – فكانوا يجمعون أصحاب النبي (ص) ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، أما علماء زماننا هذا فإنهم يتســابقـون في إصدار الفتيــا. بدلاً عن أن يقولوا إننا نكره كذا ونرى كذا عوضاً من أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام…؟
ولكن ما هو حكم السلف في الغناء والموسيقى؟؟
سؤال يتردد على ألسنة الكثير من الناس، وقد زاد تعدد الإجابات عليه من حيرتهم وبلبلة أفكارهم. فمنهم من عـده حلالاً وأنه من طيبات ما أحل الله، ومنهم من اعتبر الغناء مزمار الشيطان، وأنه لهو الحديث وبخاصة إذا كان المغني امرأة، فالمرأة عند هؤلاء الناس صوتها عورة بغير الغناء، فما بالك بالغناء.
أما الأمور التي اتفقوا عليها فهي تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية. إذا كان الغناء ليس إلا كلاماً فحسنه حسن وقبيحه قبح، وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام. وقد اتفقوا على إباحة ما دون ذلك من الغناء الفطري الخالي من الإثارة وذلك في مناسبات السرور المشروعة كالأعراس والاحتفاء بقدوم الغائب وأيام الأعياد وغيرها.
ولكنهم اختلفوا في أمور كثيرة.. فمنهم من أجاز الغناء بآلة وبغير آلة، أي الغناء مصحوباً بموسيقى، وقد اعتبره بعضهم مستحباً. ومنهم من أباحه بغير آلة فقط، ومنهم من منعه منعاً باتاً سواء كان بآلة أو بغير آلة وعده حراماً.
وللحقيقة نقول بأن موضوع الغناء بآلة أو بغير آلة قد أثير الجدل فيه بين علماء الإسلام منذ العصر العباسي، وهو العصر الذي ازدهرت فيه الثقافة والفنون في المجتمع الإسلامي، وقد اتفق العلماء في مواضع واختلفوا في مواضع أخرى.
وقد جند المحرمون للغناء كل طاقاتهم لإثبات موقفهم من التحريم بالاستناد إلى بعض الآيات القرآنية تارة، وإلى بعض الأحاديث تارة أخرى. فمثلاً تعلق بعضهم بقوله تعالى في مدح المؤمنين “وإذا سمعوا اللغـو أعرضوا عنه” لقد اعتبروا الغناء نوعاً من أنواع اللغـو فوجب الإعراض عنه. ولكن الظاهـر في الآية الكريمة بأن اللغـو هو سفه القول مثل السب والشتم وغير ذلك، وبقية الآية تنطق بذلك: قال تعالى “وإذا سمعـوا اللغـو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين” القصص 55 ، وهي شبيهه بالآية التي تقول “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” الفرقان 64
كما أن بعضهم استدل على التحريم بالحديث الذي رواه البخاري عن النبي (ص) أنه قال: ” ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف”. والمعازف هنا هي آلات العزف. والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من المعلقات لا من المستندات المتصلة، ولذلك رواه ابن حزم بانقطاع سنده.
كما أنهم استدلوا بما روى نافع “إن ابن عمر سمع صوت مزمار راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول يا نافع أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا.. فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق، وقال “رأيت رسول الله (ص) يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا” رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه. والحديث قال عنه أبو داوود: حديث منكر ولو صح لكان حجته على المحرمين لا لهم. فلو كان سماع المزمار حراماً ما أباح النبي (ص) لابن عمر سماعه ولو كان عند ابن عمر حراماً ما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير المنكر، فإقرار النبي (ص) لإبن عمر دليل أنه حلال.
يُتبع غداً
ننتظر غدا بفارغ الصبر ، واشكرك على البحث الرائع ، و أتمنى أن تتحفنا في ثنايا الموضوع برأي علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام حول موضوع الغناء والموسيقى ،بالرغم من عدم تحبيذي شخصيا مناقشة أي موضوع من الناحية الدينية وترك هذه المواضيع ليناقشها ( أهل الاختصاص ) في حوزاتهم ومجامعهم العلمية ، نحن من حقنا نقاش رغباتنا وتأثير هذه الرغبات على الفرد والعائلة والمجتمع ، الاثر الاقتصادي ، التنشيط السياحي ، اما رؤية الدين فندعها لأهل الدين فهم أولى بتوضيحها ، لك كل الحب والاحترام 😂