التشدُّد القاسي “قد” يربّي ملحدين.. مستقبلاً
عقيلة الخنيزي
تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل
فيكتور هوجو
يُصنّف كتاب “الأحلام والجنس في نظريات فرويد” لعالم النفس الأمريكي جوزيف جاسترو؛ عقل الإنسان الى 3 أقسام رئيسة “الهُوَ” و “الأنا” و “الأنا العليا”.
“الهُوَ” تحتلُّ الجزء الأكبر من العقل، وتُسمى “العقل اللاواعي”، وهي تعبر عن الجزء البدائي الغريزي في الإنسان الذي يشمل احتياجاته الرئيسة في الحياة، من الطعام والشراب والجنس. ولذلك يتحكم هذا القسم ـ بشكل غير مباشر ـ في التصرفات والسلوك، ويسميه بعض العلماء “شيطان القبو”؛ لأنه يكون في عمق العقل، ويجمع الكثير من الترسُّبات العاطفية والتجارب والرغبات المكبوته التي تبني شخصية الإنسان وسلوكه اللاحقة.
إن الطفولة القاسية الميلئة بالخوف والعنف والقهر والإرضاخ؛ كلها عوامل تجبر الإنسان على اتخاذ آليه التاقلم، كنوع من أنواع الدفاع عن النفس التي تُختزن ـ بدورها ـ في العقل اللاواعي “الهُوَ”. وحين تفشل المنظومة النفسية في التأقلم مع الواقع المُر يظهر ما يُسمّى “العُصاب”، وهو أحد الاضطرابات النفسية، وقد يكون مصاحباً للاكتئاب والقلق والوهن العصبي ربما.
وحسب العلماء؛ فإنه يتمثل في أمور كثيرة؛
بينها الشعور بالتعب والخمول، وضعف القدرة على الانتباه والتركيز، والحساسية الزائدة ، وسرعة التهيج، واضطراب في دقة العمل، وبطء في الإنجاز، وضعف العزيمة والإرادة، وعدم تحمل المسؤوليات، والشعور بالإحباط.
أضف إلى ذلك المشاكل الجنسية والهضمية والاضطرابات الهرمونية لدى النساء والرجال على حد سواء، وكما هو واضح؛ فإن ذلك من مشاكل العصر الرائجة.
أما حين يزداد الوضع سوءًاً؛ فإن الأمر يدخل في مراحل وشخصيات مختلفة في المجتمع، مثل الشخصية المعادية للمجتمع، أو المصابة بالرهاب الاجتماعي، أو الواسواس القهري، والخوف المستمر.
في واقعنا المجتمعي منذ زمن ليس ببعيد؛ لم يكن العلم منتشراً. كان الأسلوب الشائع في التربية؛ هو العنف والقمع والتخويف بشتى الأنواع.. تخويف من الناس والجن والعواقب وغيرها. وهذا بدوره يؤدي إلى خلق شخصيتين: معادية قاسية متمردة، وهشّة ضعيفة تشعر بالعجز والوهن العصبي وعدم الثقة.
ولم يكن ينجو من ذلك إلا القليل من الناس، ليصبحوا منفتحين على العالم ذوي شخصيات طبيعية.
هاتان الشخصيتان تولتا دور الأبوة من بعد زمن قاسي مرّ عليهما نتيجة للظروف المعيشية السيئة التي اضطرت الكثير منهم إلى أن يترك العلم والثقافة ويتجه نحو العمل ليتمكن من العيش هو وأسرته. وهذا ما جعل منه منشغلاً عن الجانب العاطفي الأسري.
وبعد زمن قاسي تظهر جميع ترسبات العقل اللاواعي “الهُوَ” في سلوكياتهم الاجتماعية والأسرية، خصوصاً شعور النقص المادي والعاطفي الذي يتمثل في تعلق وهوس المرأه بزوجها ومن تحب، وهوس الرجل بجمع المال والنساء، وتباهي الاثنين بالممتلكات المادية تعويضاً عن الماضي.
مثل هذه الظواهر صنعت فئةً اجتماعية أخرى مجرمة؛ تسرق أو تنصب أو تروج الممنوعات بسبب شعورها بالنقص أيضاً.
إن الأسلوب الممنهج المتطرف المتبع في قمع الأفكار والسلوكيات باسم الخصوصية يربّي جيلاً متمرداً، تتداخل عنده القيم العُليا، وترتبك المقاييس، خاصة مع بروز ثقافات لم تكن معروفة مثل الإنسان.
بل قد يتمادى الكثير إلى حد الإلحاد؛ بسبب التناقضات التي يتفحّصها الفرد في تصرفات من حوله من المتشددين. وهي قد تبدو مثالية اجتماعياً، بينما هي ـ في الواقع حادة وقاسية أسرياً.
قد يهرب الكثيرون من ضحايا التطرف من دائرة القمع الى العزلة، ومن ثم الاستجابة إلى أفكار تيارات أخرى، بعضها شيطاني إلحادي، وبعضها ذو طابع ديني مخالف للدين الذي نشأ عليه الفرد في مجتمعه.
وقد تصل الاتجاهات إلى المثلية، خصوصاً في المحيط الاجتماعي الذي يكون الوعي أقل من غيرها.
وهناك من يروج لمؤلفات ذات طابع إلحادي، وهناك من يتلقّف مثل هذه الكتب، خاصة لدى الفتيات يتمّ إيهامهنّ بدمج الدين والمذهب في مواضيع الطاقة. ونتيجه للحالة النفسية من اكتئاب وغيرها يبحثن عمن يعزز لهن فكرة القوى الخارقة المانعة من الحصول على الحب والثراء.
إن كثيراً منهن وقعن ضحايا استغلال جنسي ومادي تحت شعارات فك السحر والتابعه والجن وإخراج الطاقة السلبية.
ومثل هذا الوضع يتحتم علينا الحفاظ على أمننا الفكري والاخلاقي عبر وضع حد لتلك الكتب من التسرب اكثر في مجتمعاتنا، لان بعضهم ذهب إلى حدّ الإسراف والسفر والتشبع من ثقافات وثنية، باسم التحرر من الطاقات السلبية. وبعضهم ترك الصلاة لأن التأمل واليوغا يقدمان الشعور ذاته.. على حد ما يزعمون.
علينا أن نبدأ عصراً جديداً من اللحمة الوطنية المتمثلة في الوسطية، ونبذ كل الشعارات المتشددة التي لم تُربِّ الا أجيالاً تعاني اضطرابات نفسية.
أخيراً
الكثير يفهم الحرية تمرداً وخروجاً عن دائرة الأدب، بينما هي مساحة ثقة تُعطى للذات. سيغموند فرويد
وليتعلموا أن الإنسان الأغنى ليس من يملك الأكثر؛ بل هو من يحتاج الأقل. جبران خليل جبران
اقرأ أيضاً لعقيلة الخنيزي