التكفير عن الذنوب.. بالتدمير

عقيلة الخنيزي

﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ 

“تجاوز مستويات الوعي” كتاب مهم للفيلسوف الشهير ديفيد هاوكينز. وفي هذا الكتاب استعراض لافت لما يمكن وصفه بـ “المستويات الروحية” صنّفها الى 17 مستوى. وقد قسمها في سلم للصعود الروحي، بادئاً بأول 8 سلالم، على حدّ توصيفه.

هذه السلالم تنتمي الى المستويات الدنيا من الوعي الروحي الذي يبدأ بمرحلة “العار”، وهي مرحلة يصبح فيها الجسد أرخص بكثير أمام المال، فلا ذمة ولا ضمير ولا شرف.

تليها مرحلة تكاد تكون مثيرة أكثر فأكثر؛ هي مرحلة الشعور بالذنب. وحسب رأيه؛ فإن هناك 70 بالمئة من سكان العالم يعيشون في أسفل سلم الوعي الروحي.

في هذه المرحلة يكون الإنسان كارهاً لنفسه.. يشعر بالذنب ويلومها على الخطأ، ويكون مستعداً للانتقام بجسده والتضحية من أجل فكرة دينية زُرعت فيه من قبل جماعات دينية وسياسية متطرفة، ويمكن أن يتحول إلى أداة يتم التحكم بها، وقد يصل الأمر مع هذه المرحلة إلى حدّ أن تكون التضحية جزءاً كبيراً من مراحل الغفران الإلهي.

هنا؛ لابد أن يتضرر الجسد ويتعذب من أجل التخلص من الذنوب والخطايا التي لحقت، ووسيلة التخلص غالباً ما تكون طقوساً وما أشبه ذلك.

في هذه المرحلة؛ يتم تشويه صورة الإله ووصفه بالمنتقم والمعاقب والمبعَد عن الرحمة لأفعال تندرج تحت مسمى “الخطيئة”، حيث يُعزّز فيها المتشددون الخطأ ويصوّرونه على أنه فادح صعب الغفران حتى وإن كان أفضل الحلول الممكنة في الماضي.

وتحت هذا الشعور بالذنب واليأس؛ يصبح المرءُ أنانياً وقاسياً تجاه نفسه، وقد يلجأ إلى محاولة إسقاط ذنوبه على العدو او أي شخص يكرهه، فهو يرى أن هذه الذنوب تستحق العقاب والموت، وبالتالي يهرب من الموت بإسقاط تلك الذنوب على غيره، فبهاجمه بأخطائه التي ارتكبها.

وبسبب مستويات الوعي المنخفضة يصبح ضحية في يد جماعات متطرفة باسم الدين، فيدخل في حروب وينفذ مخططات غيره، بعد برمجته على فكرة كون الآخرين لا يستحقون المسامحة، تحت ضغط شعوره المتشدد ودخوله بمرحلة اختزان المظالم والشعور بالتظلم والمعاناة في القلب والعقل. وهذا التفسير للفيلسوف هاوكينز.

بيد أن الحقيقة ـ في نظري  ـ هي أن الحب والخوف لا يجتمعان. الحب هو السلام والأمان والطمأنينة، ولا يجب أن نمارس العبادات من باب الخوف من العقاب، بل من باب الحب والشكر على النعم، والامتنان والشعور بالأمان.

إن ما يحصل هو تجنيد للحشود باسم الأديان والمذاهب واستغلال العاطفة من أجل التكسب الربحي من وراء الطقوس والشعائر التي تقام والاموال التي تقدم كتبرعات باسم الدين.

وعليه تبدأ هذه الجماعات بوضع الكثير من الأساطير والقصص، لتصبح مخلدة ومعترفاً بها كتراث يرمز للدين أو الجماعة أو المذهب. بل وتسعى إلى محاربة التنوير والوعي الاجتماعي الذي يُخسّرها الكثير من الأموال، خصوصاً حينما يتم وضع تقويم سنوي للمناسبات الدينية، على الرغم من كونها ذات ذكر ضعيف في المصادر الصحيحة.

في اعتقادي القاصر؛ أن تكون مثقفاً دينياً لا يعني أبداً أن باقي العلوم هامشية وليس لها اساس من الصحة، حتى وإن كانت مقدمة من مذاهب وأديان أخرى.

الحقيقة ليست ذات وجه واحد دائماً، بل حاملة وجوه أحياناً، ولا يمكن أن نراها إلا حينما نبحث ونفتش في الاتجاه الآخر. والبحث هو أحد أسس تثبيت العقيدة ولابد منه.

نحن لا نرى الأشياء على حقيقتها، بل نراها كما نحب ونتمنى، والأمنية مرتبطة بالعاطفة بشكل كبير، وحين ترسخ الأمور بطرق عاطفية فإنها تنغلق على ذاتها بحيث لا يكون للعقل مجال للحديث أمام القلب.

والثقافة ليست بالضرورة انفتاحاً فكرياً، فلا فائدة من ثقافة منغلقة في اتجاه واحد، العلوم يُكمل بعضها بعضاً. وهنالك من الشواهد الكثيرة التي يدل على أن الثقافة ليست أساساً للانفتاح الفكري، بل وسيلة له. أما الانفتاح الفكري؛ فإنه يبدأ بالتسامح وتقبل الآخر، كما هو، واحترام ما لديه من علوم، وليس باستغلال الثقافة من اجل التطرف وخلق النزاعات الدولية أو المذهبية.

يجب على الفرد أن يكون واعياً جداً في البحث والتفتيش عن صحة بعض المقولات الشهيرة التي تم استغلال العالم بها، باسم الدين تكسباً.

خاتمة

اذا بدأ الانسان بقناعات فسوف يصل إلى شكوك، أما اذا بدأ بشكوك فسوف يصل إلى قناعات.

فرانسيس بيكون

فيلسوف ورجل دولة وكاتب انجليزي

‫2 تعليقات

  1. سبحان الله كلام مجرد سرد بدون حقائق واتهامات الطقوس الدينيه مغايرة الحقيقه كما أن هذا المقياس يتناقض مع ما ذكر في القران الكريم من الاستغفار وتوبه وما ورد عن الرسول الاعظم صل الله عليه وآله وسلم وأهل بيته من الروايات والاحديث الشريفه واستغرب من استدلالك بكتاب فلسفي لا يتناسب مع معتقداتنا الدينية وتتركي كتب التي تشرح لك فلسفه الدين والمعتقدات واتعجب بلامس القريب قلتي كلام وتراجعتي عنه ويدل على الشجاعه لكن الواضح من كلامك انك لازلتي تعتقدين أن في الدين يوجد فيه خرافات أو أن رجال الدين يستغلون العواطف وجهالت المجتمع المسلم وهذا خلاف ارض الواقع مثلا قيام المسلمين بالحج الي بيت الله الحرام قد يراه الطوائف الغير مسلمه من الغرب وبعض من من يدعي الثقافه اضاعه للمال والى الوقت كيف يقوم ببعض الطقوس مثل الطواف والسعي وقد يموت الحاج أو يمرض بال الاعظم من ذالك قيامهم بجمع بعض الحصوات لضرب حجر اخر قد يراه بعض الناس من الغرب من يمتلكون عقائد أخري أن هذا عبث محض إلا أنه شعيره ذكرت في كتاب الله الكريم وأمر بها سيد الرس والمرسلين محمد صل الله عليه وآله وسلم وكذلك أهل بيته وكما أمرنا بالحج كذلك يوجد روايات وأمرنا بفعل الشعائر الدنيه حسب معتقداتنا وليس كما تدعين أنه شعور بالذنب أو خلاف ذلك والكلام يطول ولكن اسال الله لي ولكم والي المومنين والمومنات الهدايه والتوفيق

  2. يوجد بعض الملاحظات في اعتمادك على مقياس هاوكنز، ونشير هنا إلى أن هاوكنز يميل لتوجه حزب (يميني سياسي) وهذا مهم لأنه في نتائجه من مقياسه يميل للتحيز والتوصيف بناء على ذلك التوجه، وأعتقد أن ذلك ما أوصلك للتحيز في تعميمك كذلك لوصف حالة تخويف الناس المتدينين، وإرجاع هدف التبرعات للشعائر هو التكسب الربحي وهذا بدوره ينحاز ليكون تفكير رأس مالي في استبعاده لحقيقة الشعائر الدينية لدينا، كان يفترض أن تخصصي حديثك على فئة متجاوزة إن كنت تريدين الدقة.

    هذا من ناحية، من ناحية أخرى أختبارات هاوكنز تعتمد على اختبار العضلات، والخطأ والنقص فيها وارد لأن التحيز لدى المختبرين يأثر ويوجد من يخالفونه في استخدامه لذلك المقياس.

    قمتي في المقال بانتقاد التطرف من جهة ووقعتي فيه من جهة أخرى بقولك أن العبادة يجب أن تمارس من باب الحب، وتركتي جانب الخوف في حين أننا نلاحظ في القرآن الكريم وفي تعاليم أهل البيت عليهم السلام حث على حالة وسطية، أن نجمع الخوف والرجاء..

     (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب)

    عن الإمام الصادق (عليه السلام): ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة)

    لا أن نحمل شعور الطمأنينة الكاملة بإسم الحب الذي قد يوقعنا في الغفلة عن مكائد الشيطان، أو الغرور بأعمالنا ،لذلك يمكن النظر لأعمالنا وعباداتنا بهذه الطريقة أن يجعل من الحب والخوف يجتمعان وذلك لنظل دوما متعلقين بالرحمة والعون الإلهي.

    أما في الحديث عن الحقيقية فقد أشبعتها بحوث السيد منير الخباز حفظه الله وقد ذهب في بحوثه آفاق تتعدى ما يطرحه هاوكنز!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×