الأوتكى.. تمرٌ منشؤه هجر والخطُّ وأوال انتقل إلى المدينة فسُمّي "العَجْوَة".. وإلى البصرة، فسُمّي "الشُّهْرِيْز"

كتب عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي

كانت البدايةُ في مطلع العام 312 للهجرة؛ حيث كانت قافلة الحجّ العراقية في طريق عودتها إلى العراق من مكة بعد أداء مناسك الحج، وعند وُصولهم إلى موضعٍ يُعرف بـ (الهَبيْر) الواقع جنوبي رفحاء بستين ميلاً فوجئوا بكمينٍ نصبه لهم أبو طاهر سُليمان بن الحسن بن بهرام الجنّابي القِرْمِطيّ؛ زعيمُ القرامطة الشاب الذي كان للتوّ قد تولّى الحكم في البحرين، فدارت بين جيشه وبين حامية القافلة معركة انجلت عن قتل الكثير من أفراد الحامية والحجاج، وأسْرِ الكثيرين منهم، وكان من ضمن من تمّ أسرُهمْ: العالم اللغويُّ؛ محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الهروي؛ المعروف بأبي منصور الأزهري؛ صاحب الكتاب الذائع الصّيت في اللغة؛ ألا وهو: (تهذيب اللغة)، وكان أسرُ هذا العالم اللغوي، والمجيء به إلى البحرين فالُ خيرٍ ونفعٍ لهذا الإقليم؛ حيث حفظ لنا بعض علومه ومعارفه وأحداثه، ولاسيما ما يتعلق منها بمفردات اللغة العربية التي كان الأزهري صاحب واحدٍ من أهمّ معاجمها، فكان أن دوّن في هذا المعجم، وفي كتابه الآخر المعنون بـ(الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي) بعض المعلومات الخاصة بهذا الإقليم، ومن ضمن ما دوّنه فيه هو ما يتعلَّقُ بهذا النوع من التّمور البحرانية الذي أتحدّثُ عنه، وهو (تمر الأوْتَكَىْ)، وقد كان ما قاله عن هذا التمر مفاجئاً لي في الواقع، وأنقلُ هنا نصَّ ما قاله عن هذا التمر في الجذر [وتك] من باب الكاف والتاء من كتابه (تهذيب اللغة) الذي يقول فيه:

ثعلبُ عن ابن الأعرابي: الأَوْتَكَىْ: الشُّهْريز“.

ثمّ عقٌّبَ الأزهري على ذلك بقوله:

قلتُ: والبحرانيون يسمونه أوْتَكَىْ“.

ثم ذكر بيتين لشاعرٍ لم يُسمّه، وهما قوله:

تُدِيْمُ لهُ فيْ كلِّ يومٍ إذا شَتَا

وَرَاْحَ عِشَارُ الحَيّ مِنْ بَرْدِهَا صُعْرَا

مُصَلَّبَةً مِنْ أوْتَكَىْ القاعِ كُلّمَا

زهتها النّعَامَىْ خِلْتَ مِنْ لَبَنٍ صَخْرَا“.

وقال في باب الصاد واللام بعد أن ذكر البيت الثاني مرّة أخرى، فقال في شرحه:

“أوتكى: تمر الشهريز ولبن: اسم جبل”.

وقال الصَّغانيُّ في الفصل الذي خصصه لـ(أجناس النخل والتمر) من كتابه (التكملة والذيل والصلة) نقلاً عن العالم النباتي الكبير أبي حنيفة الدينوري:

تمرٌ شهريز، وسهريز مأخوذ من حُمرَةِ اللون .. ويقال للشهريز القُطيعاء سميت بذلك لصغرها وهو الأوتكى“.

وقال ابن يسعون:

“الأوتكى مثل الشهريز؛ قال أبو حنيفة: والشهريز بالعراق نظير العجوة بالحجاز، وقال النوجشاني: إنما فرق بينهما البَلَدَان والهواءان”.

يعنون بكلامهم أنّ الأوْتكَىْ والشُّهْرِيْزُ والعَجْوَةُ متشابهة جداً؛ إلا من فروقات قليلة بسبب طبيعة البلاد التي تُزرع فيها وهوائها، وهذا يعني أنّ الصفات التي ذكرها المؤرخون واللغويون لتمري الشهريز والعَجوة ستكون هي صفات تمر الأوتكى البحراني، ولهذا يجبُ علينا أن نتعرَّف على أوصاف هذين التمرين الأخيرين لنعرف أوصاف تمر الأوتكى، فمما قيل في وصف التمرين المذكورين قول ابن وحشية في كتاب (الفلاحة النبطية):

“الشهريز تمرة حمراء تسْوَدُّ إذا نضجت وبلغت”.[1]

وقال أبو سهل الهروي:

“وأما تمر سهريز وشهريز – بالسين والشين – فهما بمعنى واحد، وهما ضربٌ من التمر بسرته أحمر، وهما فارسيّان معربان، وحكى أبو حنيفة؛ أحمد بن داؤود الدينوري – رحمه الله – في كتاب (النبات): الشهريز بالعراق نظير العجوة بالحجاز، وقال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه في (كتاب النخلة): يقال للتمر الأسود: سهريز وشهريز”.[2]

فهذه صفات الشهريز، وأما نظيره العجوة، فقد ذكر أبو موسى المديني في وصفها أنها خُنسٌ فُطْسٌ، يغيب فيها الضرس، وشرح ذلك قائلاً:

“شبَّه العجوة في اكتنازها وانحنائها بالآنف الأخنس”.[3]

وفاته أن يشرح لفظة “فُطس”، وهي أيضاً تشبيه بالأنف الأفطس، والأنف الأفطس هو الذي يغلظ وسطه وأسفله، وأما الأنف الأخنس، فهو انخفاض قصبة الأنف مع ارتفلطحٍ في طرفه، وهي من صفات أنف الزنجيّ.

وفي مادة [عجا] من باب العين والجيم من كتاب النهاية لابن الأثير؛ قال عن العجوة:

“هو نوع من تمر المدينة أكبر من الصَّيْحَاني؛ يَضْرِبُ إلى السواد من غرس النبي صلى الله عليه وسلم”.

وفي مادة [ لون ] من فصل اللام من كتاب الصّحاح للجوهري قال عن اللينة في قوله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموها):

“وتمْرُها سَمينٌ يُسَمَّىْ العَجْوَة”.

وقال ابن القيم:

“عجوة المدينة، وهي أحد أصناف التمر بها، من أنفع تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صنف كريم؛ مُلَزَّزٌ؛ مَتِيْنُ الجسْم والقُوَّة، من ألين التمر وأطيبه وألذه”.: (زاد المعاد؛ طبعة عطاءات العلم؛ ج4 – 504)

والمُلَزَّزُ: المُتَلاصِقْ؛ يقال: لاززته: أي لاصقته، وهذه الصفات المتقدمة تفيد بأنّ العَجوَة:

  1. تمرةٌ كبيرةُ الحَجْم متينة سمينة بحيث يغيبُ فيها الضّرس من سمنها.
  2. فطساء خنساء أي مستدقة الأعلى مفلطحة الوسط والأسفل
  3. لونها أحمرٌ إذا كانت بُسراً، وضارب إلى السَّوَاد إذا كانت تمراً.
  4. ليّنة المضغ؛ لذيّذة الطعم؛ طيّبة النكهة.

وقد يقول قائل إنّ عجوَة المدينة لا زالت معروفة حتى الآن، وتُباع في الأسواق، ويُتبرّك بشرائها لما ورد فيها من أحاديث تُنسب للرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في فضلها، ولكنّ صفاتها لا تتوافق مع هذه الصفات المذكورة في المصادر التاريخية، والجواب هو أنّ عجوة المدينة ليست هي ما يُباع الآن من تمرٍ على أنه هو العَجوَة، فهذا النوع تمّ فرضُه من تجار التّمور لتسويق هذا النوع على أنه هو العَجْوَة، والتي تذكر المصادر التاريخية أنّ أول غرس لها كان على يد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وأنّ ذلك كان في أرض العالية المعروفة الآن بـ(العَوالي)، وهو يعني أنّ أخبر الناس بالعجوة هم سكان العوالي الذين تمّ تهميش رأيهم في العَجْوة لأغراض تجارية وغيرها، وهم يرون أنّ عجوة المدينة التاريخية هي ما يُعرف الآن بـ(الحُلوة)،[4] وهو رطب مشهور بُسرُه كبير سمين؛ أحمرٌ شديد الحلاوة طويلٌ بعض الشيء، وتمره أسود لذيذ الطعم، وهي الصفات التاريخية المعروفة للعَجْوَة، فهل تنطبق هذه الصفات على تمر الشهريز نظير العَجْوَة الذي هو الأوتكى البحراني؟.

الجواب: هو نعم، فمن حسن الحظ، أنه يوجدُ نصّان للأصمعي وأبي حاتم السجستاني، وهما عالمان لغويان بصريّان متعاصران من القرن الثالث الهجري، والبصرة أقرب بلاد العراق إلى البحرين، فهي متاخمة لها، وثقافة التمر في البصرة والبحرين فيها من التقارب الشيء الكثير لأنّ كثيراً من سكان البصرة كانوا قد وفدوا إليها عند تأسيسها من البحرين؛ من قبائل ربيعة، ولاسيما عبد القيس، وقبائل اليمن ومضر التي كان تقطن البحرين وقتها كالأزد وتميم، وقد كان لعبد القيس دورٌ كبير في زراعة تمور البحرين في البصرة حتى أنّ ابن دريد ذكر في كتابه الاشتقاق أنّ بني عامر بن الحارث من عبد القيس كان يُقال لهم في البصرة: “بني عامر النخل”، ولا زال أحفادهم حتى اليوم يُطلق عليهم هذا الاسم أعني: (بني عامر).

وأما نصّا الأصمعي والسجستاني اللذان هما بمثابة الخيط الذي سيوصلنا إلى معرفة الأوتكى والشهريز، ويؤكدان تشابهما مع تمر العجوة، فالنصُّ الأول احتفظ لنا به أبو علي القالي في كتابه (البارع في اللغة)، وهو قوله فيه:

“قال الأصمعي: وبعض العرب يسمي الشهريز السُّوَّاْدِيّ بضمّ السين وشد الياء، وكذلك قال أبو زيد أيضاً”.[5]

وقال أبو حاتم:

“يُقال للسِّهريز من التمر: الأوْتَكَىْ، والُقُطَيْعَىْ، والسُّوادِيّ”.[6]

ويستفاد من كل ما تقدم أنّ صفات الأوتكى البحراني الذي هو الشهريز البصري هي كالتالي:

  1. تمرٌ مكتنز أي كبير الحجم
  2. أحمرٌ البُسر أسود التمر
  3. له أسماء ثلاثة؛ هي: (الأوتكى – الشّهريز – السُّواديّ).

ولحسن الحظّ، فإنّ الاسم الأخير لا يزال معروفاً في عُمان وهي شريك البحرين في كثير من أنواع التمور، والسُّوادي العُماني هو صِنفٌ متأخرٌ، ولذيذ الطعم؛ كثير الدبس جداً، وهو نادر فيها الآن،[7] وينطبق عليه صفات الشهريز (الأوتكى)، والحُلوة الحجازية التي هي العَجْوَة في طوري الرطب والتمر، وكبر الحجم، ولذة الطعم. (يُنظر الصور).

———————

[1] الدكتور صالح أحمد العلي: الخراج في العراق في العهود الإسلامية الأولى (بغداد: المجمع العلمي العراقي 1990م)؛ 112.

[2] محمد بن علي الهروي النحوي: كتاب إسفار الفصيح؛ شرح كتاب الفصيح في ضبط الألفاظ وتقويم اللسان لثعلب؛ تحقيق: محمد عثمان (بيروت: دار الكتب العلمية 2012م)؛ الصفحة: 148.

[3] محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى = أبو موسى المديني: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث؛ تحقيق: عبد الكريم العزباوي (مكة المكرمة: جامعة أم القرى 1986م)؛ ج1: 623.

[4] انظر جريدة الجزيرة السعودية؛ عدد يوم الجمعة 05 فبراير 2016م.

[5] إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي: البارع في اللغة؛ تحقيق: هاشم الطعّان (بيروت: دار الحضارة؛ 1974م)؛ الصفحة 698

[6] سهل بن محمد بن عثمان السجستاني = أبو حاتم السجستاني: كتاب النخلة؛ تحقيق: الدكتور حاتم صالح الضامن (بيروت: دار البشائر الإسلامية 2002م)؛ الصفحة: 85.

[7] انظر الرابط:

‫3 تعليقات

  1. الأخ الكريم.. خصبة العصفوا وفقّاح الإترجّ، وغيرهما من ملامح الطبيعة المحلية، كل ذلك جزء من هويتنا وثقافتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×