[4 ـ 6] ثلاثية الذات والشعر والوطن قراءة في ديوان الحقيقة أمي والمجاز أبي، للشاعر ياسر آل غريب

محمد منصور

حين نرجع لتعريف مفهوم الانزياح الذي “هو: سير الكلام في غير الاتجاه الطبيعي للغة لتشكيل صورة أدبية غير نمطية يستثار من خلالها إحساس المتلقي. وبتعبير آخر: هو اختلال المكون الدلالي من مكونات البنية العميقة، حسب تعبير تشومسكي.”(1)

نجد أن لغة الشاعر انزاحت من الاتجاه الطبيعي لها، إلى اتجاه آخر هو الشعرية القائمة على الإخلال بالمكون الدلالي العميق؛ حتى تشكل صورة شعرية أدبية، فتتوالد عند الشاعر عبارات مثل:

تنفست عيناي، مفردات الشمس، الأمل المضارع، امتلاء الوعد، رحيق بياني، غاب هواجس، مرآة البلاغة، بوح النخيل، منطق الصفصاف، ثرثرات ظلامي، لغة السماء، معجم الأجرام، رقصة المزمار، صلت عيوني، سلال المعاني، يانع البوح، عيون الزمان، غرام الزيتون، اخضرار الأفراح، احمرار الشجون، ثمرات القرآن،

مرايا المعاني تقطر اللون عسجدا

وقنينة التهيام تذكي التشهدا

وذاكرة المصباح فيك تنفست

فموجت الأضواء رقما مخلدا

وإن كان في اقتطاع هذه العبارات من اللحظات الشعرية التي جاءت فيها أو حتى من النصوص التي وردت فيها تجنيا عليها، فيشفع لي ما أوردته من جمالها وجلالها.

بقي أن نعرف أن هناك “…أربعة أنحاء من مستويات الانزياح:

المستوى الأول: وهو القريب من درجة الصفر، حيث لا ترتفع الألفاظ عن الأرضية المعجمية، بل تشف عن معانيها من دون أي جدل ذهني أو تعمُّل، فلا دلائل عائمة أو خدشا في جسد اللغة…

المستوى الثاني: وهو المستوى الذي يهدر العلاقة بين المفردة والمعجم إلا أنه سرعان ما نصل إلى الدلالة من دون عناء، فلا تطول جدلية التلقي للوصول إلى أفق النص…

المستوى الثالث: وهو: المستوى الذي يعتمد على إيحاء اللغة وظلال المفردة من جهة، ويستهدف خلق الحالة والإثارة من جهة أخرى…

المستوى الرابع: وهو: المستوى الانزياحي الذي يقف على حافة الفردية، ويطل على اللامعقول والرؤية المنغلقة…”.(2)

والشاعر ياسر آل غريب في كل ديوانه الحقيقة أمي والمجاز أبي نجد أن نصوصه تتأرجح ولا تراوح المستويين الأول والثاني من مستويات الانزياح.

لكن الخرق الذي جاء في الديوان كاسرا هذه القاعدة هو الإهداء، إذ يقول الشاعر:

يا من سألت عن الهوى وهويتي

ظلي تموج في انعكاس حقيقتي

ما زلت أبحر باتجاه آخر

مذ أصبحت شمس الوجود سفينتي

فالشاعر ياسر آل غريب يرسم لنا صورة شعرية رائعة هنا، تكشف لنا مقولة سيمونيدس: “الشعر رسم ناطق، والرسم شعر صامت”.(3)

لكن هذه الصورة الشعرية البديعة لا تكشف ولا تفضي ولا تشف عن أي معنى مهما توقفنا أمامها وأمعنا النظر بجمالها.

وهذا “… التعقيد المعنوي، فقد نجد له حظا في بعض النصوص الحديثة إذا كان النص لا يعبر عن أي شيء سوى حالة من الاهتزاز الشعوري…”.(4)

………………

(1) تكوين البلاغة، ص 221.

(2) تكوين البلاغة، من ص 229 إلى ص 232.

(3) النقد الأدبي الحديث، ص 56.

(4) تكوين البلاغة، ص 61.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×