[فيديو] صفوت أبو السعود.. المس الرياضيات.. وتذوقها معلّم كسر الحواجز.. ونادى طلابه بأسماء أمهاتهم.. وحوّل المنهج إلى تسلية يومية

شاهد الفيديو

إعداد: حسين العطل، ليلى العوامي

تحرير: ديسك صُبرة

في البداية كسر الحواجز بينه وبين طلابه.. صار يناديهم بأسماء أمّهامهم، وقد ينادونه باسمه مجرداً “صفوت”، أو يمازحونه باسم أمه، أو اسم زوجته.. من دون أن يفقد هيبته ومحبته معلّماً ومربّياً. كانت غايته ألا تكون مادة الرياضيات التي يعلّمها جامدة، مصمتة، مجردة، جافة.. بل ربطها بحياة طلابه، وهواياتهم، واهتماماتهم.

وحين سنحت له الفرصة؛ صمّم معملاً في متوسطة ابن كثير، الواقعة وسط مدينة القطيف، ليجعل من الرياضيات أشياء ملموسة، ليست مجرد أرقام، ورموز، ومعادلات، ولغة ذات ألغاز.. بل أشياء يمكن أن تراها العيون، وتلمسها الأيادي، وتتعامل معها الأذهان بسهولة..

هذا هو المفهوم الذي صنعه المعلم صفوت عادل أبو السعود لطلابه طيلة 35 سنة من عمله، محاولاً إخراج المادة العلمية من المناهج إلى واقع واضحٍ ومفهوم.. وملموس..!

بنى المعمل الخاصّ بالمادة واستغلّ فصلاً في المدرسة مُحاولاً تغيير مفاهيم التدريس التقليدية، فكانت الحصيلة؛ مساعدة أجيال متعاقبة على دراسة الرياضيات في المعمل الذي غادره، هذا العام، بإحالته إلى التقاعد.

المعلم.. الصغير

بداية قصة العشق، عندما كان أبو السعود صغيراً، يجمع الأطفال حوله، ويتقمص دور المعلم، ويشرح لهم مبادئ الرياضيات، وطرق حل المسائل، واكتملت فصول القصة عاماً بعد آخر، بتأسيس معمل وغرفة وشارع للرياضيات، تساعده في تدريس المادة بكل يسر وسهولة.

بدأ صفوت أبو السعود حياته العملية مدرساً للمادة عام 1409، في مدرسة تحفيظ القرآن في الدمام، ثم انتقل إلى جالوت المتوسطة، فمدرسة الجش المتوسطة، وبقي فيها 8 سنوات، قبل الانتقال إلى مدرسة عطاء بن أبي رباح لمدة 4 سنوات، وصولاً إلى مدرسة ابن كثير، التي بقي فيها 22 سنة. قال عنها أبو السعود “عشت فيها  أجمل أيام حياتي، وأجمل قصص النجاح”.

أبوالسعود من مواليد عام 1387، نشأ في أسرة مكونة من 3 أولاد ومثلهم بنات، متزوج ولديه 5 أولاد، تخرج في مدرسة الحسين بن علي الابتدائية ومدرسة القطيف النموذجية المتوسط ومدرسة القطيف الثانوية.

أبناء القطيف

استشعر أبو السعود تفوق طلاب القطيف في مادة الرياضيات، وإمكانية أن يخرج منهم جيل بدرجة، مُبدع في المادة، فأخذ على عاتقه دعم الطلاب، حتى يكونوا موهوبين وعاشقين للرياضيات منذ الصغر.

ويحمل أبو السعود سيرة ذاتية، تشعره بالفخر والتطور في الإلمام بمادة الرياضيات، فحينما انتهى من المرحلة الثانوية، انتقل إلى مركز العلوم والرياضيات، ليجلس على مقاعد الرياضيات متخصصاً فيها.  ويرى أنه من جيل المحظوظين على مدى 35 عاماً مضت، حيث مرّ بجميع مراحل تطور المادة، فقد دَرَسْ الرياضيات القديمة، والرياضيات الحديثة، والحديثة المعدلة، والحديثة المطورة، إضافة إلى  التدريسَ في الفصلين الدراسيين، والثلاثة فصول الدراسية لمدة عام كامل عبر منصة مدرستي.

ويوضح “مررت بثلاث دفعات في حياتي العملية؛ الدفعة الأولى هي التي درست فيها في مدرسة ابن كثير عام 1420، والثانية دفعة الرياضيات المطورة عام 1430، والثالثة هي دفعة التعليم عن بُعد في عام  1442.

شعارات مهمة

وعن معمل الرياضيات، يتحدث أبو السعود بحب. ويقول “جاء حصيلة أعوام في تدريس المادة، وهو يحكي قصة عشقي لها دون سواها، ويتضمن المعمل فصلاً تعليمياً، وضعت فيه كل لمساتي التعليمية، والحياتية”.

وأثناء شرح المادة للطلاب، يتسلح أبو السعود بشعارات، يؤمن بها، جعلت منه محباً للرياضيات، أبرزها “أتعلم أتغير أتقدم”، و”حب ما تصنع حتى تصنع ما تحب”، و”غير طريقة تفكيرك تغير حياتك”.

 داخل المعمل

وأصر أبو السعود أن يصطحب “صُبرة” إلى معمل الرياضيات، وكان يمشي نحوه بخطوات بطيئة، وهو يتحدث عن سنوات حياته التي قضاها بين جدرانه الأربعة. والمعمل عبارة عن غرفة، تشم فيها رائحة الذكريات، وتعب السنوات.

أحد جداران المعمل يحتوي على أجهزة كمبيوتر وكاميرا تراجع إلى العام 1976، ثم مشي قليلاً، ووقف أمام  قصاصات صغيرة، تحمل مفاهيم ومعلومات من مادة الرياضيات.

وفي زاوية المعمل، يوجد دولاب أبيض، ذي أبواب سفلية مغلقة، وأبواب زجاجية من الأعلى، تحتوي على أرفف، صُفت عليها  مواد محسوسة لنقل الرياضيات من “المجرد إلى المحسوس” على حسب قوله.

وأشار أبو السعود إلى ملفات يعتز بها كثيراً، ترجع بين العامين 1410 و1430، كما يحتوي المعمل على ألعاب ذكاء، وأرفف تحمل جميع مناهج الرياضيات في الدول العربية، ومراجع لها، وكتاب يعتز به، بعنوان “تدريس الرياضيات باليدويات”. ويقول أبو السعود إنه أنفق 20 ألف ريال على تأسيس المعمل.

كلمة “لا ” علمتني

لم يكتف أبو السعود أن يكون معلماً للرياضيات، وإنما قرر أن يكون مصمماً لمطويات المادة، ولهذه الملكة قصة، يحكيها “طلبت من أحد أصدقائي أن يعمل لي مطوية لعدم خبرتي بذلك المجال، وقلت له سأعطيك المادة العلمية وأنت تصمم لي المطوية، فاعتذر وقال “لا”، هذه الكلمة حفزتني، وجعلت مني مصمماً مجتهداً للمطويات، فصممت 103 مطويات، ولو كان صنعها لي هذا الصديق، لما كنت سأتعلم التصميم، ما جعلني أوجه له الشكر له على اعتذاره كلما رأيته، ولا أخجل أن أقول له “أنت قلت لي لا، وهذه الكلمة نفعتني ولم تضرني”.

ساعة وكرسيٌ

في يمين السبورة المدرسية، يوجد كرسي رفيع قليلاً، فسر أبو السعود وجوده في هذا المكان قائلاً “أتكئ عليه أثناء الشرح، فأضع قدمي عليه، ويدي فوق ركبتي، فأنا أعاني من ألم في العمود الفقري، فإذا تعبت ارتحت عليه واقفاً”.

في وسط الفصل، وعلى جسر يتوسط السقف، هناك ساعة لا يراها الطلاب، ولكن أبو السعود هو الوحيد الذي يراها. ويقول “أنا مهتم بالوقت كثيراً، ولا أتعدى 45 دقيقة للحصة، وهذه الساعة تنبهني إلى الوقت، وضعتها منذ أول يوم لي في هذه القاعة عام 1431، وهي باقية في مكانها حتى اليوم”.

شارع الرياضيات

وفي المدرسة، ممر بطول 30 متراً، أطلق عليه أبو السعود “شارع الرياضيات”، يبدأ بلوحة تحتوي على مطويات مهمة، ومثلثات تعليم، يستغلها لتوصيل المعلومة، وأخرى مصطلحات للرياضيات.

ويحتوي الشارع أيضاً على صندوق سماه “مقبرة الأقلام”، يحوي أقلام السبورة التي كان يستخدمها طوال رحلته في التدريس لمدة 13 عاماً، وتركها، ليبدأ رحلة التعليم الإلكتروني، إضافة إلى الأقلام الحمراء، ومساحات السبورة.

المعلم الصديق

ويتعامل أبو السعود مع طلابه باعتبارهم أصدقاء. ويقول “لا أمانع أن يناديني الطلبة بإسمي أو حتى اسم أمي، وأنا أناديهم بأسمائهم أو أسماء أمهاتهم. وأتذكر يوماً، لعب فيه الطلاب مباراة في وقت الفسحة، وفازوا فيها، وحينما صعدوا إلى الفصل في الحصة الرابعة، وكانت تحت إشرافي، هنأتهم بالفوز بعبارات تحمل أسماء أمهاتهم، وقلت لهم “حنانكم كان واضحاً في المباراة، وانتصاركم أيضاً”.

مكونات الغرفة

وفي غرفة الرياضيات، ضمنها أبو السعود أشياء قديمة وعتيقة، يعتز بها، أبرزها حصى، كان قد جلبها جده من صحراء الربع الخالي منذ أكثر من 50 عاماً، حينما كان موظفاً في شركة أرامكو، وكرة أرضية، أشتراها والده منذ 45 سنة، إلى جانب حوض سمك هدية نجاح زوجته من الصف الثالث الثانوي، حرص أبو السعود أن يكون ضمن مقتنيات الغرفة.

وفي الجانب الآخر من ركن مقتنيات في الغرفة، أشار صفوت إلى حجرة حصل عليها من المعمل الذي كان يدرس فيه ابنه، وأخرى من أول حديقة حيوان في أمريكا، وحجيرات موثقة عمرها أكثر من 20 مليون سنة.  

وفي الغرفة أيضاً، يحتفظ أبو السعودي بهدايا طلابه، بالإضافة إلى خطة الجدول المدرسي، وجدول توزيع الحصص والأسابيع، كما يحتفظ بلوحة تحتوي على مسيرة السنة الدراسية، التي تساعد الطالب على معرفة المنهج كاملاً خلال العام الدراسي. إلى جانب لوحة مليئة بكتب تعزيز الذات، أوعز بها لأبي السعود، الدكتور محمد فقي، حتى تساعده في تقسيم الطلاب إلى 3 مستويات أثناء التعامل معهم؛ المستوى البصري والسمعي والإحساسي.

شريط الذكريات

وبعيداً عن عالم الرياضيات، تختزن ذاكرة أبو السعود ذكريات كثيرة، وشخصيات أكثر، يشعر نحوهم بالدفء والجميل والعرفان، ومن بينهم محمد سعود المسلم. ويقول عنه “أعتز به، ولولاه، لم أكن صفوت أبو السعود، ومدير مدرسة الجارودية سابقاً، وثانوية سيهات منصور سلام، وهو من الداعمين لي، ورفيق دربي في ابن كثير، حسين علي آل مدن مدرس الصف الأول الابتدائي في مدرسة الحسن بن علي في تاروت، وزميلي في مادة الرياضيات سيد علي الجراش”.

ويتذكر أبو السعود أيضاً طلابه في متوسطة الجش، وكيف أصبحوا اليوم. ويقول “أكثرهم تواصلاً معي الدكتور محمد إبراهيم آل درويش، وحسين مهنا مدرس الموهوبين في سيهات، وهناك بدر عبداللطيف أبو السعود، والدكتور مقداد حميد آل سيف”.

 شهادات بحق أبو السعود

ويصف مدير متوسطة ابن كثير فراس آل عبد المحسن، المعلم صفوت أبو السعود بـ”الشخصية المتميزة لمادة الرياضيات في المدرسة”. ويقول “لا أتحدث عن شرح معلم، بل عن طريقة استقطابه لأبنائه الطلبة، وتوجيههم وتنمية مواهبهم في المادة”. 

ويضيف “لقد ساهم في تطوير مهارة الطلاب في مسابقة الكنجارو، وبفضل الله، ثم فضله، حصلت المدرسة على الميدالية الفضية والبرونزية” 

وأكمل “هذا المعلم لم يكتسب حب طلابه فحسب، بل حب أولياء الأمور على مدى 35 عاماً تقريباً، لم يبخل على طلابه حتى خارج الدوام الرسمي، فكان يعطيهم الواجبات الإثرائية التكميلية، لينمي مواهبهم، لذا نحن نرى نتائج الطلاب وتميزهم”.