[2] امن هو الإعلامي…؟ المزارات وفتل الحبال..!
حبيب محمود
قبل سنوات ليست بعيدة؛ مُنحت جائزة في الإعلام لفائزةٍ عن عملٍ قدمته ليس له علاقة بالإعلام مطلقاً. كان ذلك ضمن مسابقةٍ رسمية. وكنتُ ـ وقتها ـ في صحيفة “الشرق”، وحين أخبرتني الزميلة المسؤولة عن تغطية الفعالية بالأمر؛ طلبتُ إليها الانسحاب من التغطية ومغادرة المكان.. فوراً..!
ولم نُغطِّ الفعالية بحرف واحدٍ..!
أسرد القصة القديمة نسبياً؛ للإشارة إلى قائمة ليست قصيرة من المشكلات، بل الإشكاليات التي ترقى إلى مستوى “الظواهر” التي يُمرّرها المجتمع. وللدقة ـ والموضوعية ـ فإننا لا يمكننا وصف شيء بـ “الظاهرة”؛ إلا في حال تواضع المجتمع عليه، ومرّره..!
المهم..
أسلافنا من دارسي تاريخ الأدب العربي يمكن أن يساعدونا على فهم “الانحطاط المعياري”؛ بمقياس “التكاثر” و “الوفرة”؛ إلى الحدّ الذي يُعبّر عنه المثل الشعبي القائل “كـِلْ من اعْمِيْ فتَل احْبال”..!
المثل يُشير إلى حرفةٍ برع فيها بعض المكفوفين من أسلافنا في القطيف، هي صناعة الحبال، وهي حرفة تحتاج إلى “بصر”، إلا أن “بصيرة” بعض المكفوفين؛ ميّزتهم. والحقيقة هي أن ليس كلّ مكفوف بارعاً في ذلك. فتلك “مواهب” من الوهّاب، سبحانه.
وهذا هو مربط الفهم بين “التكاثر” و “التمايز”. ولا يمكن لشيء أن يتكاثر إلا بنوع من تمرير البيئة والمحيط. ولهذا يمكن وصف ما هو واقع بـ “الظاهرة”. ولأن المجتمع يمرّر ما هو رديء وفجّ ونيّيء، مخدوعاً بضعف فهمه، فإنه يظن أن “كل قبة مزار”؛ كما يقول المثل الشعبي أيضاً.
وعلى هذا يُصبح موظف العلاقات العامة إعلامياً، وهو لا يفعل شيئاً سوى العمل في وظيفة كل مسؤولياتها حماية صورة الجهاز الذي يعمل فيه، وإنتاج أخباره، وتقاريره، وبياناته، وردوده على الإعلام. وهذا نجاح يُحسب له بالتأكيد “موظفاً” في إعلام العلاقات العامة، لا “الإعلام”. وهناك فرق؛ عند من يفهم الفرق بين طبيعة الموقعين..!
نعم؛ هناك موظفون في العلاقات العامة؛ يمارسون الإعلام خارج المؤسسات التي يعملون فيها. وهم كُثرٌ، وكثيرٌ منهم ناشطٌ أكثر من “المتفرغين” للإعلام. وهؤلاء يستحقون الصفة المهنية بالتأكيد. ومساواتهم بـ “الموظفين” فيه غبنٌ واضح، علينا تمييزه.
ونعم أيضاً؛ هناك إعلاميون لم تُفرّغهم مؤسساتهم للعمل، ومع ذلك؛ تميزوا بصناعة المحتوى أكثر من المتفرغين. وفي سنوات الصحافة الورقية؛ كنتُ أرى أن من نصفهم بـ “المتعاونين” هم صُنّاع لـ “المانشيتّات”، والقادرون على الحصول على المعلومات “الموثوقة” والأكثر مرونة في الوصول إلى مواقع الأحداث..!
الفارق الجازم يكمن بين “وظيفة” و “مهنة”.. ولكلّ منهما ميزات.. وعيوب.. ومشكلات.
اقرأ أيضاً