من هو الإعلامي…؟

حبيب محمود

لم يكتب خبراً واحداً في حياته؛ ومع ذلك يحمل صفة “إعلامي”. لا تفعل شيئاً سوى الترويج التجاري، ويخاطبها الناس “إعلامية”. ليس لديه أي موقف من شيء، ولم تفكّر في قضية تشغل همّ الناس. لا يمكنه ـ ولا يمكنها ـ أن “تزعّل” فرداً، أو مؤسسة. بل ينشر ـ وتنشر ـ ما يريدون نشره، دون إرادةٍ من أي منهما حتى..!

حسناً؛ ليس علينا أن نغضب، أو نستنكر، نحن الذين بدأنا من صحافة “ورق الدشت”، والكاميرات الفلمية، وأقسام الصفّ، والإخراج اليدوي، والتنفيذ بأشرطة الطباعة البلاستيكية، والتصوير الميكانيكي، ومونتاج الأفلام الأربعة..!

ليس علينا أن نغضب، نحن الذين كنا نحرّر خبر اليوم، ونكتب فيه “أمس”، ونتنافس في الوصول إلى “الصفحة الأولى”، أو على الأقل في “8 عمود” من صفحة داخلية، ونوفّر أخبارنا الخاصة والظريفة؛ لإرسالها يوم الجمعة؛ لتظهر في عدد السبت..!

ففي جيلنا، أيضاً، كان هناك “صحافيون” لا يفعلون شيئاً؛ سوى وضع أسمائهم على بيانات الفاكس. وكنا نحسدهم على شهرتهم، ونفوذهم، وعلاقاتهم الأخطبوطية مع مسؤولين كبار. اعتاد كثيرٌ منهم الذهاب إلى المناسبات برفقة مصوّرين، والبقاء حتى نهاية المناسبة، ثم يعود الواحد منهم إلى صحيفته منتظراً بيان الجهة المنظمة، لوضع اسمه على البيان..!

ولو كتب التغطية بنفسه؛ لاحتاج ما حرّره إلى محرّري ديسك لتحويل ركاكته و “خربطته” إلى مادة صحافية قابلة للنشر..!

وفي النهاية؛ لا تنشر الصحيفة من عندها إلا صور المصوّر…!

أو يستقبلون البيانات عبر أجهزة الفاكس؛ ليضعوا أسماءهم عليها، ثم يرسلونها إلى الصحيفة..!

في ذلك الجيل؛ كان بعض أساتذتنا يحذّروننا من مُشاكلتهم، مهما كانت الإغراءات. يوجهوننا إلى بناء أنفسنا بناءً مهنياً طبيعياً.

كانوا يقولون لنا: لا تضعوا أسماءكم إلا على مادة أنتم صنعتموها بأنفسكم. إنها النصيحة الذهبية التي أخلصها لنا صحافيون كبار في مهنيتهم، دون أن ينالوا عُشر معشار شهرة صحافيي الـ “بيانات” الجاهزة من إدارة العلاقات العامة.

الذين نشاهدهم الآن في يوميات التقنية الحديثة؛ هم امتداد لأمثال من كانوا في جيلينا القديم. كلُّ ما يملكونه هو الآلة، أما في داخلهم فلا يوجد شيءٌ من المهنية.. إلا من رحم ربي.

ومع ذلك؛ ليس علينا أن نغضب بتاتاً؛ لأن مفهوم “الإعلام” مُسخ بمفهوم آخر هو “الإعلان”. وعليه؛ فإن كثيراً ممن يوصفون الآن بـ “الإعلاميين”؛ إنما هم “إعلانيون” ناجحون. وتأثيرهم الواسع مُسخَّر لصالح “الدعاية”، سواءً كانت مدفوعة أم مجانية.

“الإعلان” هو قرين “الإعلام”، ولا يمكن للثاني أن يسير ـ تجارياً ـ إلا على قدمي الأول. ولا معضلة في اقترانهما ولا ضير. المعضلة هي ألا يكون لديك ـ من المحتوى ـ إلا “الإعلان” الذاهب صوب اتجاهٍ واحد. وقد يكون متعارضاً مع المحتوى “الإعلامي”.

إن تسوية “التعارض” بين الشقّين؛ حُلّت عند أسلافنا منذ زمن طويل جداً.

وخلاصة الحلّ هي أنني أنشر “لك” و أنشر “عنك”. وأنت تتحكم فيما أنشره “لك” بوصفه مادة تجارية مدفوعة الثمن مالياً، وهذه هي تجارتي “الإعلانية”.

لكنني أنا من يتحكم فيما أنشره “عنك”؛ لأن هذه هي رسالتي “الإعلامية”.. الفرق بين “نون” و “ميم”..!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×