أفلا يتدبرون القرآن: رحلة

محمد حسين آل هويدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم: … «23» أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا «24» … صدق الله العلي العظيم – محمد.

سنأخذك أيها القارئ العزيز في رحلة تدبر مع القرآن الكريم. وقبل أن تبدأ الرحلة، علينا جميعا الاتفاق حول مشتركات وأرض ثابتة، نستطيع الانطلاق منها:

  • القرآن كتاب الله.
  • تفسير القرآن ليس قرآنا (أي لا يمكن أن نعطيه قداسة فوق القرآن والتفسير مهما كان حسنا، لا نستطيع أن نحد به مكنونات القرآن).
  • نحن مطالبون بالتدبر في القرآن، وليس بالتأويل الذي لا يعلمه إلا الله.
  • فهمي للقرآن قد يختلف عن فهمك، ولكن كلاهما ليسا قرآنا.
  • القرآن بحاجة لمعرفة بالتاريخ والأحداث واللغة العربية. شخص لا يجيد اللغة العربية لا يستطيع أن ينقد لغة القرآن.
  • القرآن ليس ملكا لأحد، وفهمه ليس حكرا على أحد.
  • في القرآن قصص فيها عبر كثيرة، علينا أن نستخلصها. وليس مطلوب منا أن نجاهد في إثبات صحتها أو العكس. والله يضرب الأمثال.

سنبدأ رحلتنا بالتعرف على السلم المعرفي الذي يتكون من ستة مراحل (من يستطع أن يأتي بترجمات عربية أفضل مما كتبناه، لا يبخل علينا بالتصحيح):

  1. الزوجية (bit)
  2. البيانات (data)
  3. المعلومات (information)
  4. المعرفة (knowledge)
  5. الحكمة (wisdom)
  6. البصيرة (reflection)

الكون كله قائم على الزوجية (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ). البعض يظن أن الزوجية تعني ذكر وأنثى فقط، وهذا قصور في الفهم. الكون ابتدأ من نقطة الصفر التي انبثق منها مادة ومادة مضادة. كان رجحان المادة على المادة المضادة واحد في المليار. هذا يعني أن كل ما نراه اليوم من مادة في هذا الكون عبارة عن نصف من مليار من المادة الأساسية. ماذا حدث؟ اتحاد المادة والمادة المضادة يكون طاقة مهولة استخدمت في بناء الجسيمات الذرية وأنوية الذرات. لن نخوض في التفاصيل، ولكن التفاعلات النووية العصرية عبارة عن استخلاص تلك الطاقة البدائية مع الكون. الزوجية تعني أيضا حار وبارد، موجب وسالب، صح وخطأ (من ناحية منطقية)، حق وباطل، وهلم جرا. خاصية الزوجية نستخدمها في المنطق الرياضياتي؛ الذي من خلاله، انطلقنا من الثورة الصناعية الثالثة إلى الرابعة. كل هذه التطورات المتسارعة اليوم بسبب المنطق الرياضياتي الذي تم تصنيعه كآلة رقمية لا تعمل إلا بالزوجية (صفر و واحد) التي برهن فائدتها لصياغة كل شيء في هذا الكون العالم الرياضياتي الإنگليزي، ألان تورنگ. على من يرد معرفة التفاصيل أو مناقشتها السؤال، وإن شاء الله نجيب أو نستدرك إن بدا أي خطأ فيما نقوله ونكتبه.

البيانات عبارة عن حقائق أحادية أو إحصائية أو عناصر لمعلومات، غالبًا ما تكون رقمية في عصرنا الحديث. بمعنى أكثر تقنية، البيانات عبارة عن مجموعة من القيم للمتغيرات النوعية أو الكمية حول بشر أو جمادات أو غير ذلك، في حين أن البيانة (مفرد بيانات) عبارة عن قيمة واحدة لمتغير واحد. وعرف الماء بعد الجهد بالماء. اسمحوا لي بإعطاء بعض الأمثلة. في حال قياس الطقس؛ تزرع مجسات متعدد في أماكن مختلفة، في قمة جبل، في قعر وادٍ، في أي مكان، ونسجل بيانات تخص درجة الحرارة والرطوبة والضغط واتجاه الرياح، وما إلى ذلك. نحن في هذه الحالة نكون في طور تجميع بيانات، لا نحاول أن نفهمها.

عندما نعالج هذه البيانات نتوصل إلى معلومات. مثلا، اليوم الجو بارد، وغدا معتدل، وهكذا دواليك. لا نستطيع بناء بيانات إلا من خلال وجود زوجية. ولا نستطيع التوصل إلى معلومات إلا من خلال معالجة البيانات. كمثال آخر، عندما يبيع مطعم طبقا معينا بصورة ملحوظة ويتم تسجيل هذه البيانات من خلال عملية البيع والشراء، عندها يستطيع أن يعلم صاحب المطعم أن على هذا الطبق إقبال أكثر. وهذه معلومة مفيدة بالنسبة إليه.

المعرفة أرقى من المعلومة، وهي عبارة عن إدراك. مثلا، في عالم الحيوان، ترى السنور المسحوچ يلاحق قطة جرباء ليتزاوج معها. على حسب معلومات القط أن هذه فرصة له ليكثر من إنتاجه، ولكنه لا يعرف بأن هذه القطة جرباء قد تتسبب بمرض له، ومن ثم تموت ويموت، ولا يتسنى له نثر جيناته. الإنسان فقط يدرك هذا الشيء، ويتخير لنطفته، ويبتعد عما يسبب المرض. ولكن من المؤسف أن متعاطيي المخدرات يفقدون الإدراك والحس المعرفي بأن نهاية سموم المخدرات الموت أو الجنون أو الانحدار إلى أدنى المستويات.

الحكمة أعلى درجة من المعرفة، وهي القدرة على التفكير والتصرف باستخدام المعرفة، والخبرة، والفهم، والحس السليم، والرشد. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.

البصيرة عبارة عن القدرة على اكتساب فهم دقيق وعميق لمعرفة المرء وخياراته. إنها القدرة على تحويل معرفتك وقراراتك وأفعالك إلى عادة أو أسلوب حياة. إذا كانت المعرفة قوة، فإن الحكمة هي اختيارك لاستخدام تلك القوة، والفهم هو تنفيذ اختيارك لاستخدام تلك القوة – والبصيرة تنفيذ متسق لاختيارك لاستخدام تلك القوة. البصيرة مرتبطة بالمستقبل. إذا كانت لدينا بصيرة، أو إذا كنا نضع باستمرار معرفتنا وحكمتنا وفهمنا للأفعال، فإننا نصبح أكثر ثقة في مستقبلنا. ويصف البارئ عز وجل هذه المرحلة المتقدمة التي تفوق الحكمة: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا *  فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (63 – 68 الكهف).

نواصل موضوعنا في حلقات تابعة. من لديه اقتراح أو تعليق، فليتفضل مشكورا.

تعليق واحد

  1. الأخ الكريم .. السلام عليكم ..
    قرأت مقالتك ولي بعض الملاحظات المنهجية:
    – نحن مطالبون بالتأويل وهو المرحلة التي تأتي بعد التدبر ومن الخطأ استبعاد التأويل .
    – لم تحدد معنى اللغة العربية وفهمها.. فهل تعني النحو والصرف والبلاغة …؟ إن كان ذلك كذلك فإن تعاطيك مع القرآن سيواجه صعوبات لن تحل ..
    – إن تفسيرك للمصطلحات دون وضعها في سياقها أمر خاطئ.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×