عادات منقرضة: تمثال خاص بالحاج يبقى في البيت حتى عودته من الحج قراءة "مولد" يوم عرفة.. وأراجيح تسلّي الأطفال
ذاكرة الشاعر العوامي تستعيد ما حدث في حج سنة 1366
ذكريات حاج صغير
الحقة الثانية
عدنان السيد محمد العوامي
مراسم المغادرة(1)
من التقاليد المرعيَّة في القطيف: بعد أن تغادر قافلة الحجاج البلد يَنصب ذوو الحاج المراجحين (الأراجيح)، في حجرته أو مندبيَّته (2)، إن كان من سكنة البيوت، أو في عشَّته، إن كان من سكان العشش.
وهذه الأراجيح تُسبَّل للأطفال والصبايا والفتيان يمضون في التأرجح عليها أوقاتًا مليئة بالفرح والبهجة، وكيفيتها أن يربط حبلٌ في قائمتين قويتين ثابتين، يوثَّق طرفاه في أعلى القائمتين، ويثبت في وسطه لوح، أو خصفة (سُفَّة من خوص)، أو أي شيء آخر يصلح للجلوس؛ وفي البيوت المبنية تنصب المرجحانة في اسطوانتي أحد الأروقة، أو الدهليز، وفي البساتين تنصب في نخلتين متجاورين، أو ما يقوم مقامهما، مثل قائمتي العريش.
تمثال الحاج
كذلك يعمدون إلى حجرة الحاج أو عشته فيزيِّنونها بسناحات (البنديرة) (3)، ويعلقون على جدرانها المناظر (مرايا الزينة)، وبَيض النعام (4)، ويصنعون شبيهًا (كرجوَّة) (5) يمثل الحاج، أو الحاجة يجلسونه في صدر الغرفة، تيمُّنًا وتفاؤلاً برجاء عودته أو عودتها سالمين.
وإذا كان مع الحاج زوجته، صنعوا لها – هي أيضًا – شكلًا يمثلها، وأجلسوه إلى جانب مثاله، والمثال يتَّخذ من جريد النخل، يشكلونه على هيئة صليب، يلبسونه الثوب والبشت والغترة والعقال، إن كان رجلاً، أو الثوب والمشمر (الوشاح)، والغشواية (الخمار) إن كانت امرأة، وتبقى هذه الدمى إلى حين انتهاء شعائر الحج.
مولد يوم عرفة
وفي يوم الموقف بعرفة يُحضَر قارئ إلى بيت الحاج لقراءة المولد النبوي، إن كان للبيت مجلس يسع المستمعين، وإن لم يكن ففي المسجد أو الحسينية، أما سكنة بساتين النخيل فالقراءة تتم في العريش، وبسبب قلة القرَّاء في تلك الحِقبة، فالمناسبة تكون موسمًا جيدًا لهم.
ولا ينبغي أن ننسَى – في هذا السياق – كتَّاب الخطوط (الرسائل)، فالمناسبة موسمٌ لهم أيُّ موسم! فحتى أولئك القادرون على توفير ثمن البرقية، لا يستغنون عنهم لكتابة مسودة البرقية قبل حملها إلى التيل (دائرة البرق والبريد).
آخر ما يتذكَّر الحاجُّ الصغير من تلك التقاليد؛ احتشادَ المستقبلين في استيشن (محطة) الدبابية، ومعهم ذوو الحجاج، وكتل المحاضن (العناق) قبل إنزال الأمتعة، وحين يعود الحاج إلى بلدته يجلس مدة ثلاثة أيام صبحًا وعصرًا، يستقبل فيها المهنئين بسلامة الوصول، تختم بمأدبة عشاء في الليلة الثالثة لوصوله، فإن كان مجلسه يتسع للمهنئين، وإلا فالجلسة جماعية في المسجد أو الحسينية.
———-
(1) انظر (الفولكلور الشعبي في القطيف – جذوره الحضارية)، عدنان السيد محمد العوامي، مجلة الواحة، العدد 39، الربع الأخير، 2005م.
(2) المندبية أو المندبانية جدرانها من الجص والحجر أو الطين والحجر، وسقفها من السعف والخوص أو السميم، والسمة، حصير كبير.
(3) السناح: قماش، أو حصر تغطى بها الجدران للزينة، وساتر مؤقت لستر النساء، والبنديرة قماش أحمر سميك تزين به الجدران.
(4)كرات من الزجاج الخفيف الملون.
(5)الكرجوَّة في الأصل: دمية على هيئة طفلة يلعب بها البنات. فارسية، عربيها: اللعين، وهو ما ينصب في الزرع على هئية رجل، لإخافة الطير والحيوان. انظر محيط المحيط، بطرس البستاني، مكتبة لبنان، ومؤسسة جواد للطباعة، بيروت، 1983م.