هذا الطفل لا يدخل المسجد … الرهان الخاطئ أوقفهم منظم الحركة وقال: هذا الطفل يرتدي "شورت"
عبدالإله التاروتي
أحب قبل عرض الموقف أن أثبت ما يلي:
- علينا الفصل بين السلوك والموقف، ومصدر السلوك وهو (الشخص)، فالسلوك الذي نتحفظ عليه شيء، والشخص الممارس للسلوك شيء آخر.
- لا نعمم الموقف بل نقرأه في ظرفه الزماني والمكاني الخاص.
- لا أحد يرفض، معايير ضبط السلوك في الأماكن العامة ومنها المساجد، فهي مطلب أساسي وحضاري.
عبارة صادمة
بقانون المسجد لا يدخل هذا الطفل، هي نص العبارة التي سمعتها وأنا على بعد خطوات من البوابة الرئيسية للفناء الخارجي لمسجدٍ في إحدى الأحياء السكنية الجديدة، وعلى ذات المسافة كانت تلك التي تبعدني عن شاب في مقتبل العمر وبصحبته أربعة من الأطفال في عمر الزهر، بين (السابعة والسادسة من العمر)، رأيتهم في مواقف المسجد الخارجية وهم يجدون المسير نحو بوابة المسجد، ولا أدري بماذا كان يتحدث كل واحد منهم مع الآخر، لكني لمحت من لغة جسدهم في حركة المشي والتي لا ينقصها الأدب بأن لديهم اشتياق في المسير لقطع هذه المفازة قبيل رفع أذان المغرب، إذ ربما تكون هذه هي الخطوات – هكذا افترض – أنها الأولى لأحدهم أو لهم جميعا نحو التوجه للصلاة في المسجد جماعة.
وكانت الصدمة لي كما هي لهم أشد وأقسى حيث وقبل دخولهم أوقفهم منظم الحركة على البوابة الرئيسية وقال: هذا الطفل لا يدخل المسجد، لأنه (يرتدي شورت)، فرد عليه الشاب: جاء مع أخوته كي يتعلم أو- يتعلموا – الصلاة في المسجد، وبعدها جرى على لسان منظم الحركة بحسب القانون لا يدخل.
قلت: لعل هناك لوحة مكتوب عليها بند يتضمن فقرة من هذا القانون، غير أني لم أجد شيئاً مما ذكر في المسجد أو على بواباته، نعم هناك ملصقات في أماكن بارزة من المسجد تحث على الاهتمام بلبس الكمام وأخذ الإجراءات الاحتياطية لفيروس كورونا.
حقيقة الموقف هذا يثير أكثر من سؤال، خصوصاً وأننا ننظر إلى المسجد بوصفه مؤسسة عبادية غرضها الأصيل من عنوان صلاة الجماعة فيها هو الأخذ بيد الانسان نحو مناخات التوافق النفسي والاجتماعي، لأنها بصراحة متناهية هي بيت الله الذي يحلو فيه البوح مع الله، ومنها وفيها تنفتح بوابة الخير في عناوينه الكبرى، وأي خير أكبر من أن تنمو زهرة الطفولة بين أفياء بيوت الله العامرة بالذكر والطاعة.
علينا أن نقرأ الواقع بأكثر مسؤولية، وكلنا يعلم بأن المثيرات الخارجية من حيث عنصر التشويق للشباب فضلاً عن الأطفال هي أكثر جاذبية من المساجد، نظراً لما يجده في الخارج من التشويق والجاذبية، بالقياس إلى ما قد يجده في بعض دور العبادة من ممارسات تمثل له عامل طرد لا جذب، وتنفير لا تشويق!
نقول ذلك، والخبرة الاجتماعية كاشفة عن مصاديق كثيرة تفصح في العديد من محطاتها عن صدق هذه النتيجة وإن كانت بنسب متفاوتة بين بيئة وأخرى.
في ظل العولمة والفضاء الافتراضي المفتوح بما تضخه وسائل التواصل الاجتماعي من محتوى متعدد الاتجاهات يسهم في تشكيل طرز التفكير ومن ثم السلوك، كلها ثير فينا روح المسؤولية في المحافظة عما تبقى تحت أيدينا من مكتسبات ضمن أطر مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، وفي طليعتها الأسرة، يلازمها من حيث المناخ الإسلامي (المسجد)، والتي من غير شك تتكامل في ظائفها المنوطة بها، فما تقدمه الأسرة على صعيد التنشئة الاجتماعية في أنساقها المتعددة هي تؤدي بالضرورة إلى الدفع نحو المزيد من الفاعلية في مؤسسة المدرسة، والمسجد، وما يقوم به المسجد من بناء روحي وإيماني يمثل الحاضنة الرئيسية في الحفاظ على مكتسبات ومنجزات المجتمع في مؤسساته ومرافقه العامة، وهي أدوار تعمل بشكل تكاملي لا تلغي إحداها دور المؤسسة الأخرى، بل تعمل كل مؤسسة تبعا لطبيعة دورها الذي تشكلت من أجل القيام به وهي الصورة التي تسالمت القواعد الاجتماعية عليه فهي بذلك تؤدي دورها في نطاق وظيفتها الرئيسية بها فهي مساهمة وداعمة لبقية المؤسسات، فهي متساوية من حيث النوع مختلفة من حيث الدرجة والوظيفة.
أطفالنا زهرة المساجد
ومن هذا المنطق، علينا أن نسهم في الدفع في تعزيز دور مؤسسة المسجد عبر مساهمته في استقطاب جميع الفئات العمرية والاجتماعية وتعزيز حضور المسجد بأي شكل من أشكال تعزيز السلوك لأننا لا نتعامل مع المشكلة في نطاقها الفردي، بل من موقع ارتدادات هذا الموقف أو ذاك خصوصاً إذا كان في حيزه ونطاقه السلبي، وبالذات مع الأطفال علينا أن نفكر مليون مرة قبل القيام بأي سلوك يصدر منا يجعلنا نقيس نتائجه بناء على تفكيرنا نحن الكبار والراشدين، فنسقط تفكيرنا كراشدين على تفكير هذا الطفل أو ذاك، دون الاخذ بعين الاعتبار بالظروف المحيطة بالطفل واستجابته من موقع خلفية خصائصه النفسية والاجتماعية التي تميزه عن أقرانه في العمر. وما يجعلنا نؤكد على ضرورة التنبيه للتعامل مع مرتادي المسجد من الأطفال بحذر، راجع إلى أن أثر هذا الموقف هو الذي ستتشكل منه رؤيته للمسجد في القابل من الأيام بما يعني ذلك المساهمة بوعي منا أو من دون وعي بتكوين اتجاه سلبي لدى هذا الطفل أو ذاك نحو المسجد، أو أي مكان يقترب من المناخ الروحي والإيماني، وذلك للتجربة السلبية التي مرّ بها في طفولته والتي يترجمها في شكل سلوك وممارسة، بل وإلى نقل هذه الخبرة السلبية إلى أسرته التي سيشكلها في القادم من الأيام.
وهنا مكمن الخطر، وذلك لأن كل جميل ينطلق من المسجد هو أجمل، لنسبته إلى الله، وكل عمل سلبي يصدر من المسجد نتائجه غير محمودة العواقب أيضاً لنسبته إلى الله، لذا علينا أن ننسب إلى ما ينتسب إلى الله كل جميل، ونبعد ساحة من ينتسب إلى ما لا يليق بجماله وجلاله. فما أجمل أن تكون براءة الطفولة هي بطاقة عبوره إلى حيث تتشكل صياغة شخصيته بين الركع السجود في بيت الله، ليكون قانون المسجد الفاعل الذي تختزنه ذكرته في تجربته الأولى: أطفالنا زهرة المساجد!
الأسلوب التربوي في معالجة الموقف
كان بالإمكان تجاوز الموقف بمعالجة تربوية بسيطة من قبل (المنظم لحركة دخول المصلين جزاه الله خيرا على هذه الخدمة) وبها ينتهي بلحظة فارقة ومدهشه، فينتقل الموقف إلى شيء مغاير تماما عما انتهى إليه من نتيجة، ويتمثل هذا الإجراء، بالسماح للطفل بالدخول للمسجد وأنه لن يدعه يعود من حيث جاء بل والطلب من الطفل خصوصا وبقية الأطفال والشاب الذي معهم بأنه ينتظرهم في الصلاة القادمة ولكن باللباس الطويل لا القصير، تفضلوا يا أزهار المساجد!
مقال رائع
شكرًا أستاذ عبد الإله للعرض المشوق السلس لموقف صغروي في قضية كبرى (التربية والتأهيل)، والأجمل القفلة فيه، حيث انتهى عرض المشكلة بتقديم الحل التربوي المناسب لطرفيها: روح القانون واحتضان براءة الأطفال وتعديل سلوكهم وكسبهم اجتماعيًّا كرواد لدور العبادة والعمل الصالح الآن (كأطفال) ومستقبلًا (كرجال).
وإلى لقاء في التفاتة تربوية أخرى.